السيمر / الجمعة 05 . 03 . 2021 —–خلال ثلاثة عقود، تمكّن المرجع الأعلى لعدد كبير من الشيعة في العراق والعالم، آية الله العظمى علي السيستاني، من إعادة تحديد دوره بشكل راديكالي، ليصبح ليس المرجعية الدينية فحسب، بل السياسية أيضا، أحياناً وسط فوضى عارمة في العراق.
ويستقبل السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يظهر علناً ويقرأ ممثلون عنه خطبه، السبت، البابا فرنسيس في مدينة النجف الأشرف في جنوب العراق، في محطة بارزة من زيارة الزعيم الروحي لأكثر من مليار مسيحي في العالم إلى العراق.
وتحمل هذه الزيارة أهمية كبرى خصوصاً أن هالة السيستاني وتأثيره كبيران جداً. ومنذ 2003، كان وراء إرسال ملايين العراقيين إلى الشوارع وصناديق الاقتراع وحتى إلى القتال.
وتوضح الباحثة في مركز بروكينغز للأبحاث مرسين الشمري، لوكالة فرانس برس أنه “فيما يبتعد الكثير من الناس عن الدين في كل أنحاء العالم، حافظ السيستاني على سلطته المعنوية نفسها”.
وفي مرحلة ما بعد سقوط صدام حسين، ظلّ السيستاني يحظى باحترام ليس في أوساط الشيعة فقط، بل في أوساط السنة والأكراد وغالبيتهم أيضاً من السنة. ولطالما دعا آية الله العظمة الشيعة إلى احترام الأقليات وحماية المسيحيين وكنائسهم.
توازن عريق
وتقول الشمري “السيستاني ليس من دعاة الصمت لكنه أيضاً ليس ثورياً”.
ولد السيستاني في مشهد في إيران وتلقى تعليمه في قم قبل أن يستقر في العام 1952 في النجف حيث خلف في العام 1992 آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي.
بعدما كان في الإقامة الجبرية خلال عهد صدام حسين، أصبح بعد سقوطه في الواجهة مع دعواته المتكررة إلى الاعتدال.
في العام 2004، دعا لتنظيم انتخابات ديموقراطية، ثم طلب من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر التخلي عن العمليات المسلحة ضد القوات الأميركية. وفي أسوأ مراحل الاقتتال الطائفي (2006-2007)، ذكّر بأنه محرّم على مسلم أن يقتل مسلماً آخر.
في العام 2014، حثّ العراقيين على مناهضة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف وإنشاء ما عرف لاحقاً بالحشد الشعبي.
لكن هذا الائتلاف الذي كان يفترض أن يضمّ مدنيين مستعدين لحمل السلاح، أصبح يضمّ بغالبيته مجموعات عسكرية موالية لإيران يتبع العديد من عناصرها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، وليس السيستاني.
صعوبات
وطالب السيستاني مراراً خلال السنوات الماضية السياسيين العراقيين بوضع حد للفساد وسوء الإدارة.
لكن في العام 2015، أسف السيستاني في رد مكتوب على أسئلة من وكالة فرانس برس، وهي الطريقة الوحيدة التي يجيب من خلالها على أسئلة الصحافيين وحتى على أتباعه، لأن الأمور لم تسر في البلاد كما كان يأمل.
وفي أواخر عام 2019، ومع اندلاع التظاهرات الاحتجاجية غير المسبوقة في بغداد والجنوب العراقي الشيعي بغالبيته، تخلى السيستاني عن دعمه لرئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه لاحقاً.
بعد ذلك، ومع ظهور فيروس كورونا الذي منعت بسببه صلوات الجمعة التقليدية، التزم السيستاني الصمت. وبحكم موقعه، يحاول السيستاني أن يوازن بين السياسيين والمواطنين، لكنه ممزق أيضاً فيما يتعلق بعلاقته مع إيران، وطن ولادته وفي الوقت نفسه الجارة الكبرى التي تسعى إلى توسيع نفوذها في العراق.
ويقول الباحث حيدر الخوئي، الذي التقى السيستاني في منزله المتواضع في النجف “لم ينف قط أنه إيراني، لكن مع ذلك ومن نواحٍ عديدة، هو عراقي أكثر من المسؤولين العراقيين أنفسهم”.
املاءات
في مقطع الفيديو الوحيد الذي يسمع فيه صوت السيستاني، يمكن سماعه يتكلم بالفارسية، ويقال إنه رفض مرتين منحه الجنسية العراقية. لكنه “حافظ دائماً على مسافة مع إيران التي لم يشأ قط الخضوع لإملاءاتها”، كما يقول الباحث كينيث كاتزمان من مركز خدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي.
وينتمي السيستاني الى المدرسة الفقهية الشيعية العراقية، وهو يناهض “ولاية الفقيه” التي يمثلها آية الله علي خامنئي في إيران وتقوم على إعطاء أولوية لرجال الدين على السياسيين المدنيين.
بالنسبة الى المدرسة الفقهية في النجف، على رجال الدين أن يكتفوا بتقديم المشورة دون التدخل بالشؤون العامة، وهو ما قد يجعل السيستاني متردداً في توقيع وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي سبق أن وقعها البابا مع إمام الأزهر في أبو ظبي.
وترى الشمري أن أحداً “لن يحتل مكانةً” كالتي يحتلها السيستاني في أي حال، مضيفةً “لقد قاد العراق خلال أحلك الأوقات كما لو كان راعياً”.