السيمر / فيينا / الأربعاء 01 . 09 . 2021
كالغري: زينة الصفار
العراق .. هو الحب والجرح والألم والنبض والحياة .
- أنا والفن توأمان .. وعالم الأدب والفن محرابي الذي أتعبد فيه
الشعر والرسم يتناغمان مع روح الإنسان أما الطب فيتناغم مع الروح والجسد .
- الألوان عالمي وفضائي الذي أحلق فيه وكل شئ في الوجود يؤثر في ويفجر ما في داخلي .
لدي محاولات للترجمة من الروسية والفارسية والإنجليزية إلى العربية
- العمل الفني هو الذي يختار المدرسة الفنية .. والشعراء مثل الأشجار ثمارها مرتبط بمحيطها وبيئتها
رحال يعشق الفن
طبيب الشعراء بل شاعر الأطباء، أما نصفه الآخر فكان الرسم التشكيلي لكونه جاء متأصلا بكينونته كتوأمه الوجداني … حيث هيأت بيئته المحيطة التي ترعرع بها من أشكال الفن توليفة تناقضية و دمجت بين الإتجاهين العلمي والأدبي في صيرورة واحدة .
رسم الغربة التي إستوطنها منذ ثلاثة عقود كما هي بألوانها الغامقة المتقلبة، في حين كان العراق هو الحبيب الذي لم يجد له بديلاً وأجاد بوصفهما قائلا :
الشوق داء مزمن … والغربة محرقة الروح… والعمر رماد فيه
انه إبراهيم الخزعلى الطبيب الأخصائي أولا والشاعر والرسام التشكيلي ثانيا، وقد إستحق أن أطلق عليه شاعر الغربة و المهجر.. فبصدق أحاسيسه التي استطاعت وصف مشاعر المهاجر في أرض تبنته لا يمكن أن تكون له بمثابة أم أبدا .. إبراهيم الخزعلي الذي ليس لديه ميراث أغلى من الحب والانتماء إلى الوطن الذي اعتبره كجنان شتت شمله منذ زمن ..
اليوم حاورت الدكتور الرسام والشاعر إبراهيم الخزعلي و استهلينا الحوار معه بسؤال:كل شئ في الوجود يفجر ما بدواخله
– إبراهيم الخزعلي .. الرسم.. الشعر.. الطب، أي منهم كان الأول، وعلى أي منها استقريت لإكمال مشوار حياتك؟
يقول: في الحقيقة أنا منذ طفولتي المبكرة عشقت الفن، وكأني والفن توأمان ! فأخي الأكبر ربما هو الذي غرس في بذرة الرسم، وربما الطبيعة هي التي غرست تلك البذرة، فعندما أقول أن أخي الزارع الأول، أوعز ذلك لأنه كان رساما، وكنت ملتصقا به ومعجبا بما تبدعه يداه فحاولت أن أقلد ما يفعل وأخربش على الورق، وكنت دون سن المدرسة. وأذكر ومضتين من طفولتي، وما لهما من أثر كبير وفاعل محفز في حياتي الفنية : الومضة الأولى وهي عندما كنت في الصف الأول الأبتدائي، فالمعلم نظر إلى دفتر الرسم وسألني من رسم لك ذلك؟ فأجبته : أنا رسمت ذلك أستاذ، فاندش لذلك متعجبا، وفي اللحظة أخذ بيدي إلى غرفة المعلمين وقال لي إرسم، فرحت أرسم وجمع من المعلمين يلتفون من حولي، وأنا أرسم بنشوة وفرح وثقة بالنفس . فأطلقوا علي من حينها لقب بلبل المدرسة، لأنني كنت متفوقا على زملائي في كل الدروس . والومضة الثانية وهي في الصف الخامس الإبتدائي، حيث كنت قد رسمت صورة إحدى الشخصيات ، ولولعي برسم البورتريت، أي رسم الأشخاص، فرسمت ذلك، ولما رآها المعلم تعجب كثيرا، ومثل ما فعل قبله معلم الصف الأول الإبتدائي، ففعل ذلك أيضا معلمي في الصف الخامس الإبتدائي حيث أخذ بيدي إلى غرفة المعلمين، فتعجبوا وأثنوا علي، وحين عدنا إلى الصف أعطاني المعلم صورته كي أرسمها له. وبعد أن رسمتها شكرني وشد على يدي بقوة . ويعود في ذلك الفضل الكبير لأخي الأكبر . أما على أيّة زاوية من المثلث، الأدبي والفني والطبي الإستقرار ؟ فأقول وهل في الغربة إستقرار؟
البداياتالطبيب .. الرسام .. الشاعر
-كيف كانت البدايات للرسام والشاعر ؟
يقول إبراهيم الخزعلي : بدايات الرسم كما ذكرتها لك سيدتي، أما بالنسبة للشعر فيعود غرس تلك البذرة إلى أختي الأكبر، وإلى المرحومة والدتي التي كانت موسوعية في الحكاية والمعرفة والتربية، وقمة في الأخلاق والأدب والعطف والحنان، ليس علينا فقط، بل على الإنسان والحيوان والشجر والحجر، وأستطيع أن أقول بكل ثقة وصراحة، إذا كانت لي بعض الإيجابيات، فهي من الوالدين، وبالأخص أمي، وإذا توجد لدي سلبيات، فهي مني . وعلى هذه الأرض الخصبة التي منحتها لي عائلتي، نمت بذرة الشعر وأثمرت، وأغنتني بعطائها الروحي والحسي، لأن بذرة الشعر هي بذرة الخير، فإذا توفرت لها الأرض الخصبة، تنمو وتكبر . وفي رأيي إن الشعراء كالأشجار، فثمارها مرتبط بمحيطها وبيئتها .
الخزعلي .. وأربعة عقود من الغربة
– لو خيرت بين الشعر والرسم والطب أي منها أرجح أو أثقل كفة بميزانك؟
يجيب د. الخزعلي : في الحقيقة إن الطب أنا الذي إخترته وأنا طبيب مختص بالأمراض الجلدية والتناسلية، أما الشعر والرسم فهما اللذان إختارا إبراهيم، وكلهم أعزاء على قلبي
ماهي أوجه الشبه في مثلث التناقض الشعر والرسم والطب ؟
يجيب و بدون تردد : –
في رأيي لا يوجد تناقض في هذا المثلث، فالشعر والرسم والطب كل ذلك للأنسان،
ومن أجل الإنسان، وبما أن الإنسان روح وجسد، فالشعر والرسم هما يتناغمان مع روح الإنسان
أما الطب فيتناغم مع الروح والجسد.ا
الخزعلى…تأمل وجه السماء بحثا عن الالهام
– ما الذي تتمنى لو أنك تورثه لأولادك، هل بإعتقادك الفن ممكن توارثه عبر الأجيال؟
يقول : أنا غير متزوج وليس لي أولاد، والذي أتمنى أن أورثه للآخرين هو الحب والإنتماء للوطن، فالحياة ولدت من رحم الحب، ويبقى هذا الرحم هو سر كينونتنا، وإذا ما أصيب الرحم بمرض، قد يسبب العقم فتكون الحياة غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وبالتالي تكون النهاية .
أما الفن فيمكن توارثه عبر الأجيال إذا إهتم الإنسان به، وخاصة الفنانين الذين يمتلكون ذلك الكنز.
من أي تجربة أو آيديولوجية تنطلق لرسم لوحاتك؟ –
الفن والحياة توأمان ، والمدارس الفنية هنَّ بنات الفن . وكل بنت، أو مدرسة تحاول أن تستلهم القيم الجمالية والروحية، وتصوغها لتجسد ذلك بالشكل الذي تراه أفضل وأسمى . فالمدرسة الرومانسية والكلاسيكية والواقعية والإنطباعية و مدارس كثيرة، وكل مدرسة لها روادها فالمدارس التي ذكرتها هي أقرب لي . ولكني عندما أبدأ بعمل فني لا أختار مدرسة معينة، وإنما العمل الفني هو الذي يختار المدرسة الفنية، فأحيانا أنطلق بعمل معين من خلال نافذة المدرسة الرومانسية، وأحيانا الكلاسيكية، وأخرى الواقعية وهكذا..
إبراهيم الخزعلي خلال مشاركته بمعرض الحضارات بكالغري
– هل الرومانسية و التراجيدية هما محور الفنان سواء أكان شاعرا أم رسام ما هو لونك الغالب؟
يؤكد قائلا : نعم الرومانسية والتراجيدية هما المحور بالنسبة لي في المجال الفني والشعري
أما اللون الغالب والأقرب إلى روحي، هو السماء بكل الوانها، وحالاتها وأوقاتها، أحب وجه السماء في أول الصباح عندما تقبل الشمس وجنتيها، فيرسم الخجل حمرة جذابة، وأحب السماء عندما تعانق البحر، وأحب وجه السماء عندما تشاكسها الغيوم ، وأحب وجه السماء عندما يغطي وجهها وشاحا أسود .. فالألوان هي عالمي وفضائي الذي أحلق فيه .
تجارب في الفن والشعر
من أعمال الفنان
– ما هي أقرب تجربة فنية شعرية أو لونية إلى قلبك، ولماذا ؟
عالم الأدب والفن هو محرابي الذي أتعبد فيه، وليس لهذا المحراب المقدس من حدود.
والتجارب الفنية، شعرية او لونية، هي طقوس قديسين عظماء في عالم هذا المحراب، واقرب التجارب والطقوس الفنية اللونية لي هي عالم الفنان الايطالي ليوناردو دافنشي، أما الشعرية فهي السياب ونازك الملائكة والبياتي وبلند الحيدري، بالأضافة إلى أدب المقاومة الفلسطينية، كمحمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، لأنهم أقرب إلى روحي وقلبي.
– الغروب للعديد من الناس رمز التفاؤل وللبعض الآخر رمز للحزن ماذا يرمز لك هذا الوقت؟ كيف تجسده في فنك وشعرك؟
يجيب : الغروب سيدتي له معان عميقة، منها ما نعرفه أو نفسره حسب تصوراتنا أو معتقداتنا، ومنه ما نجهله، وهناك مفاهيم عديدة حول الغروب وقدسيته . ومن الناس من يربط ما بين الشروق والغروب ويعطيهما قدسية وحالة خاصة من الطقوس، هذا من جانب القيمة المعنوية المكنونة في الغروب أو الشروق . وفي ما يخص القيمة الجمالية في الأبداع شكلا ومضمونا، فلكل فرد يرمز له ما يتناغم مع أحاسيسه، فإن كان التناغم حزينا مع نفسه، فصورة الغروب تبعث له الحزن والكآبة، وإذا كان الغروب يتناغم مع خلجات نفسه تناغما رومانسيا بهيجا، فيرمز الغروب له بالتفاؤل .
فالغروب بالنسبة لي هو رمز لبوابة التأمّل، الذي أدخل من خلاله عالم التدبر والتحليق في فضاءات الفكر والفن والأدب، لأن في الليل فقط يمكن للروح أن تتحرر من سجن الجسد وقيوده، فالغروب هو كشرفة شباك الحبيبة الذي تتبادل من خلاله النظرات والإبتسامات . والغروب هو المحطة التي يستريح فيها الأنسان من عبء يوم ثقيل .
الإلهام
الطبيعة حاضرة
– الإلهام لبعض الفنانين يأتي من لحظة جنون أو غضب أو أحيانا النقيض كلحظة نشوى … إلهامك في أي من هذه الحالات ؟
لكل فنان أو شاعرأو أي مبدع آخر، له حالة خاصة به في لحظا ت الإلهام، وفيما يخصني فالمشهد الذي يهز كياني ويؤلمني هو أحد لحظات الهامي، والليل أو في الصباح عندما أستيقظ، هذا في الحالات الطبيعية، وفي الحقيقة هناك لحظات إلهامية لا يمكن توقعها، فهي يمكن أن تأتي في أية لحظة .
– ما هو أو من هو الهامك الذي يوقظ ما في داخلك؟
كل شئ في الوجود يؤثر في، ويفجر ما في داخلي، من ذرة التراب إلى قطرة المطر، ومن الإنسان إلى النملة، والشيخ العجوز ودمعة الطفل ونحيب أم ثكلى وووووو..
أخبرنا عن مشاركاتك المحلية والدولية –
لي مشاركات فنية وأدبية عديدة، بدءا من العراق وعمري لم يتجاوز السادسة عشر فإشتركت في أمسيات أدبية وفنية، وفي ايران حيث شاركت كذلك في معارض فنية وفي الإتحاد السوفيتي شاركت في معارض مع فنانين من مختلف الجنسيات، وحصلت على جوائز وما زلت احتفظ ببعض منها، وكما شاركت في مهرجانات شعرية هناك .
أما هنا في كندا فلقد أقمت معرضا فنيا خاصا بي ، وكذلك شاركت في المعارض السنوية التي يقيمها مركز الفنون للحضارات المتعددة في مدينة كالغري، وفي المجال الأدبي فكانت مشاركاتي في المهرجانات والأمسيات الشعرية التي أقامها مركز ميسوبوتاميا الثقافي في مدينة كالغري.
جوائز عديدة
– ما هي الجوائز التي حصلت عليها دولية كانت أم محلية؟
الجوائز التي حصلت عليها في الإتحاد السوفيتي سابقا كثيرة، لأني عشت ثمانية عشر عاما هناك
فعلى سبيل المثال حصلت في إحدى المشاركات الفنية على المرتبة الأولى، ومرة حصلت على المرتبة الثانية ومرة أخرى على المرتبة الثالثة، وانا ما زلت أحتفظ بتلك الجوائز .
– ثم قلنا له، هل لديك مواهب أخرى أو تسعى لضم أخرى إلى حصيلتك؟
في الحقيقة أنا أهتم بعالم الطفولة وأحبه كثيرا، حيث كتبت وأكتب للطفل شعرا وقصة .
وكذلك أهتم بكتابة القصة القصيرة والمقالة، ولي محاولات في الترجمة من الروسية إلى العربية ، ومن الفارسية إلى العربية، ومن الإنكليزية إلى العربية أيضا .
العراق نبضي وروحي
– كيف كان العراق في السجلات المؤرخة لإبراهيم الخزعلي كفنان وشاعر وطبيب؟
يقول الخزعلي بعد حسرة : أختي العزيزة الأستاذة زينة، أنا غادرت العراق منذ أربعة عقود من الزمن، وإبتعدت عنه جسدا، ولكن العراق أبى أن يترك هذا الجسد، ليكون حطاما منخورا، فصار العراق نبضا وروحا أعيش وأحيا وأواجه قساوة الغربة ومرارتها به، فهو الحب والجرح والألم والنبض والحياة .
– الطفل و المرأة في العراق تحديدا عانيا وقاسيا كثيرا كيف جسدت ذلك كيف وصفتهما؟
يقول بألم : نعم ..نعم سيدتي أن الطفل والمرأة هما أكثر من عانوا وقاسوا كثيرا، لأن هاتين الشريحتين من أهلنا في العراق، هما الأقل قدرة على مواجهة الصعاب، وما حل بالعراق من مآسي الحروب والحصار، لم يشهد مثلها أي شعب في العالم، وصدقيني عزيزتي أستاذة زينة إني بمجرد أن أرى صورة طفل أو امرأة يتألمان من أي جنس ومن أية بقعة في العالم يتقطع قلبي لهما، وكيف بي عندما أرى أهلي وشعبي في تلك الحالة ! ؟
والله إنها مأساة حلت بالعراق ليست مثلها مأساة ، والإحتلال عمّق الجرح فإزداد الألم .
الغربة محرقة الروح
وصفت الغربة بقولك : –
أنا المُبَعْثَرُ في الشّتات
يَحْصِدُ المَنْفى حُروفي
تَنْثُرَني الرّيح رمادا
تأكُلُ ما تَبَقّى فَوقَ أغْصاني
كيف تصفها، بكلماتك كعراقي إستوطن الغربة منذ عقود طويلة ؟
يجيب إبراهيم الخزعلي بنثر وكلام رائع قائلا: –
الشوق داء مزمن سيدتي
والغربة محرقة الروح
والعمر رماد فيها
………..
أختي العزيزة زينة حين يتجاوز الجرح القلب، حينها يمكن أن نتجاوز الغربة .
فالغربة كالسوسة تنخر جلدي ولحمي وعظمي وقلبي وروحي، في يقظتي ونومي ..
– ثم جاء ختام الحوار الرائع معكم … كلمتك الأخيرة لنا و سواء أكانت عن حياتك أو فنك أو عملك كطبيب .
ليس لدي شئ آخر عزيزتي الأستاذة زينة سوى جزيل شكري وفائقإحترامي وتقديري لك
ولصحيفتكم الكريمة وللدكتور الرائع رافد حداد ولكل العاملين بها، وما تقومون به، إنما هو خدمة
إنسانية للجالية العراقية والجاليات الأخرى التي تعيش على أرض كندا، فإن دل على شئ، إنما يدل على أصالة العراقي ورقيه وإنسانيته أينما وجد .
أكررشكري لكم والموفقية في أعمالكم .