الرئيسية / مقالات / المعادن في القرآن الكريم (الحديد والنحاس) (ح 1)

المعادن في القرآن الكريم (الحديد والنحاس) (ح 1)

فيينا / الخميس 30 . 05 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله سبحانه وتعالى عن الحديد والنحاس: “قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا” (الاسراء 50) حديدا اسم، قل لهم أيها الرسول على جهة التعجيز: كونوا حجارة أو حديدًا في الشدة والقوة إن قَدَرْتم على ذلك فإن الله يُعيدكم كما بدأكم، وذلك هيِّن عليه يسير. قوله جل جلاله “آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا” (الكهف 96) الْحَدِيدِ: الْ اداة تعريف، حَدِيدِ اسم. زُبَرَ الحَدِيدِ: قطع الحديد العظيمة الضخمة. أعطوني قطع الحديد، حتى إذا جاؤوا به ووضعوه وحاذوا به جانبي الجبلين، قال للعمال: أجِّجوا النار، حتى إذا صار الحديد كله نارًا، قال: أعطوني نحاسًا أُفرغه عليه. قوله عز وجل “وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ” (الحج 21) هذان فريقان اختلفوا في ربهم: أهل الإيمان وأهل الكفر، كل يدَّعي أنه محقٌّ، فالذين كفروا يحيط بهم العذاب في هيئة ثياب جُعلت لهم من نار يَلْبَسونها، فتشوي أجسادهم، ويُصبُّ على رؤوسهم الماء المتناهي في حره، ويَنزِل إلى أجوافهم فيذيب ما فيها، حتى ينفُذ إلى جلودهم فيشويها فتسقط، وتضربهم الملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد. كلما حاولوا الخروج من النار لشدة غمِّهم وكربهم أعيدوا للعذاب فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار المحرق.

جاء في معاني القرآن الكريم: نحس قوله تعالى: “يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس” (الرحمن 35) فالنحاس: اللهيب بلا دخان، وذلك تشبيه في اللون بالنحاس، والنحس: ضد السعد، قال الله تعالى: “في يوم نحس مستمر” (القمر 19)، “فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات” (فصلت 16) وقرئ (نحسات) (وهي قراءة شاذة) بالفتح. قيل: مشؤومات (وهذا قول الضحاك، حكاه عنه أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن 3/33، وكذا قال به قتادة ومجاهد. انظر: الدر المنثور 7/317)، وقيل: شديدات البرد (وهذا القول حكاه النقاش. انظر: تفسير القرطبي 15/348). وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس. أي: لهب بلا دخان، فصار ذلك مثلا للشؤم. وجاء في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: قوله تعالى “آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا” (الكهف 96) “آتُونِي” أعطوني “زُبَرَ” قطع “الْحَدِيدِ” فأتوه بها فبناه “حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ” جانبي الجبلين “قَالَ انْفُخُوا” على زُبر الحديد – قطع الحديد- بالكير والنَّار “حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا” جعل الحديد نارًا؛ أي: كنارٍ “قَالَ آتُونِي” قطرًا: وهو النُّحاس الذائب “أُفْرِغْ عَلَيْهِ” أصبُّ عليه فأفرغ النُّحاس المذاب على الحديد المحمى حتى التصق بعضه ببعض.

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وعلا “وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ” (الحديد 25) نعم، إنّ هذه الأسلحة الثلاثة التي وضعت تحت تصرّف الأنبياء هي بهدف أن تكون الأفكار والمفاهيم التي جاء بها الأنبياء فاعلة ومؤثّرة، وتحقّق أهدافها المنشودة، فقد وضع الحديد والبأس الشديد في خدمة رسل الله. وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ تعبير (أنزلنا) يعكس لنا أنّ الحديد جاء من كرات سماوية إلى الأرض، إلاّ أنّ الصحيح أنّ التعبير بـ (الإنزال) في مثل هذه الحالات هو إشارة إلى الهبات التي تعطى من المقام الأعلى إلى المستوى الأدنى، ولأنّ خزائن كلّ شيء عند الله تعالى فهو الذي خلق الحديد لمنافع مختلفة، فعبّر عنه بالإنزال، وهنا حديث لأمير المؤمنين عليه السلام في تفسيره لهذا القسم من الآية حيث قال: (إنزاله ذلك خلقه إيّاه). كما نقرأ في الآية (6) من سورة الزمر حول الحيوانات حيث يقول سبحانه: “وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج” (الزمر 6). وفسّر البعض (أنزلنا) بأنّها من مادّة (نزل) على وزن (شبر) بمعنى الشيء الذي يهيّأ لإستقبال الضيوف، ولكن الظاهر أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب. (البأس) في اللغة بمعنى الشدّة والقسوة والقدرة، ويقال للحرب والمبارزة (بأس) أيضاً، ولذا فإنّ المفسّرين فسّروها بأنّها الوسائل الحربية، أعمّ من الدفاعية والهجومية، ونقل في رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال: (يعني السلاح وغير ذلك). والواضح أنّ هذا من قبيل بيان المصداق. والمقصود من (المنافع) هنا هو كلّ ما يفيد الإنسان من الحديد، وتتبيّن الأهميّة البالغة للحديد في حياة الإنسان أنّ البشرية قد بدأت عصراً جديداً بعد إكتشافه، سمّي بعصر الحديد، لأنّ هذا الإكتشاف قد غيّر الكثير من معالم الحياة في أغلب المجالات، وهذا يمثّل أبعاد كلمة (المنافع) في الآية الكريمة أعلاه. وقد اُشير إلى هذا المعنى بآيات مختلفة في القرآن، منها قوله تعالى بشأن تصميم ذي القرنين على صنع سدّه العظيم: “آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ” (الكهف 96). وكذلك قوله سبحانه: “وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ” (سبأ 10-11) وذلك عندما شمل لطفه عزّوجلّ داود عليه السلام بتليين الحديد له ليستطيع أن يصنع دروعاً منه يقلّل فيها أخطار الحروب وهجمات العدو.

جاء في الموسوعة الحرة عن خام الحديد: خام الحديد أو تراب الحديد هو ما يصنع منه الحديد، يستخرج من الصخور ويوضع في فرن ذو درجة حرارة عالية جدا كي يصهر، فيصفى المعدن من التراب. كذلك أيضًا يصفي كل معدن من ترابه ما عدا الألومنيوم. خامات الحديد هي الصخور والمعادن وخامات الحديد يمكن استخراجها إقتصادياً، و يوجد الحديد عادة على شكل أكسيد الحديد الأسود. تُعرف الخامات التي تحتوي على كميات كبيرة جدًا من الهيماتيت أو المغنتيت (أكبر من حوالي 60% من الحديد) باسم “الخام الطبيعي” أو “خام الشحن المباشر”، مما يعني أنه يمكن إطعامها مباشرة في أفران الصهر التي تصنع الحديد. خام الحديد هو المادة الخام المستخدمة في صناعة الحديد الخام، وهو أحد المواد الخام الرئيسية في صناعة الصلب يستخدم 98% من خام الحديد المستخرج في صناعة الصلب. في عام 2011 توقعت صحيفة فاينانشال تايمز أن خام الحديد منذ اكتشافه إلى عصرنا يعد أكثر معادن طلبا في العالم نظرا لاستعملاته في عديد من صناعات. يبلغ الإنتاج العالمي من خام الحديد سنويا 2.5 مليون ألف طن تتصدرها أستراليا نحو مليون ألف طن، ونصف ألف مليون البرازيل، و 0.35 ألف مليون طن الصين، وربع ألف مليون الهند. وطرق إنتاج الحديد تتم بطرق: طريقة الفرن العالي، طريقة الاختزال المباشر، طريقة الصهر. ومجموع الإنتاج العالمي 18.5 ألف مليون طن عام 2014 تتصدرها شيلي نحو 6 ألف مليون طن، والصين بنحو 2 ألف مليون طن، وبيرو والولايات المتحدة نحو 1.5 ألف مليون طن لكل منهما.

وفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن جمعية الصلب العالمية قد بلغ إنتاج الصلب في آسيا وحدها 1.13 مليار طن عام 2016، مما يمثل زيادة قدرها 1.6% عن عام 2015. وجاءت الصين في المركز الأول عالميًا في قائمة أكبر الدول المنتجة للصلب لعام 2016، حيث بلغ إنتاجها 808.4 مليون طن، بزيادة قدرها 1.2% عن عام 2015. في حين جاءت اللملكة العربية السعودية في المركز الأول عربيًا بحجم إنتاج بلغ 5.5 مليون طن، بزيادة قدرها 5.2 عن عام 2015، بينما احتلت المركز الـ 25 عالميًا. ومن أبرز الدول الأخرى المنتجة للصلب في آسيا تأتي اليابان التي احتلت المركز الثاني عالميًا بإنتاج 104.8 مليون طن صلب عام 2016، إلا أن ذلك مثل انخفاضًا بنسبة 0.3% عن عام 2015. وشهدت الهند التي جاءت في المركز الثالث أكبر معدل نمو في صناعة الصلب، حيث بلغ إنتاجها 95.6 مليون طن بزيادة قدرها 7.4% عن عام 2015. وعلى عكس قارة آسيا التي شهدت زيادة في إنتاج الصلب، واجهت أوروبا انخفاضًا في الإنتاج بنسبة 2.3% عن عام 2015، حيث بلغ إنتاجها 162.3 مليون طن عام 2016. ومن بين الدول الأوروبية التي احتلت مركزًا في قائمة أكبر عشر دول منتجة للصلب كانت ألمانيا في المركز السابع بحجم إنتاج بلغ 42.1 مليون طن، بانخفاض قدره 1.4% عن عام 2015. وظل إنتاج الصلب في أمريكا الشمالية ثابتًا عند 111 مليون طن. وفي حين شهدت أفريقيا انخفاضًا في الإنتاج بنسبة 4.4%، وبلغ إنتاجها 13.1 مليون طن عام 2016، فإن منطقة الشرق الأوسط شهدت نموًا كبيرًا بنسبة 7.0% عن عام 2015، حيث بلغ إنتاجها 31.5 مليون طن.

اترك تعليقاً