أخبار عاجلة
الرئيسية / اصدارات جديدة / مؤُلَّف السياسة الجنائية المعاصرة في التجريم والعقاب للجرائم المستحدثة دراسة قانونية مقارنة / المؤلف د . ماجد احمد الزاملي

مؤُلَّف السياسة الجنائية المعاصرة في التجريم والعقاب للجرائم المستحدثة دراسة قانونية مقارنة / المؤلف د . ماجد احمد الزاملي

السيمر / فيينا / الجمعة 24 . 06 . 2022

د. ماجد احمد الزاملي                                                                                   

المُؤلف يتكون من بابين الباب الاول يتابع ويشرح الجريمة وأسباب وقوعها منذ الإخبار عنها  وتَحرِّك رجال الضبط القضائي ألإستدلال النيابة العامة  التحقيق الإبتدائي ألإستجواب والمحاكة العادلة بتوفير جميع الضمانات للمتهم وظروف الجرائم الجنائية والعقوبات المقررة , والقاضي الجنائي والملائمة بين ظروف الجريمة الجنائية  وتقدير الأدلة المعروضة  أمام القاضي .

 والعقوبة المقررة لها , مقرونة ببعض احكام محاكم التمييز والنقض , صلاحية  القاضي لتوزيع الإختصاص  التي منحها القانون له . والإقتناع الشخصي للقاضي تحكمه ضوابط القانون. الرقابة القضائية على تكييف القضايا المرفوعة امام المحكمة,وحياد القاضي يُعتبر ضمانة لعدالة الحكم.  الأعذار و الظروف المخففة أو المشددة للعقوبة . القاضي الجنائي يحكم حسب قناعته بالأدلة والقرائن وبحدود القانون , مع تسبيب حكمه على اسس قانونية مقنعة.  اما الباب الثاني فيشمل ذكر قسم من الجرائم المستحدثة واركانها وظروفها وسُبل الحد منها مع بعض احكام المحاكم ,لأن الجرائم المستحدثة أكثر خطراً على المجتمعات , مثل جريمة تلويث البيئة, و جريمة غسيل ألأموال , وجريمة تهريب أو الإتجار بالبشر والجرائم الالكترونية          والإحتيال المعلوماتي … الخ. بعبارة اخرى المؤلف يعطي لكل محامي خارطة طريق لتطبيق القانون بذكر الاحكام ومواد قانون العقوبات المقارن ومواد القانون الاجرائي المقارن ,اي نَقَلَ القانون الجنائي من النظرية الى التطبيق.                                                                                                                                                                          

 إقامة العدل والدفاع عن حقوق الانسان يُعتبران من أنبل الغايات الانسانية,حيث أنَّ موضوعات حقوق الانسان تُعَد من أهم الموضوعات المُثارة حالياً على كافة المستويات الدولية والإقليمية والوطنية. وللسياسة الجنائية – السياسة الجنائية  العِلِم الذي يهدف إلى إستقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السبل لمكافحتها – مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرِّع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المُقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الإجتماعى والخُلِقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرّمة لتحديد أى الوقائع يجب أن تبقى مجرّمة ، وأيها يجب إباحتهِ ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم. وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات . ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتِّباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المُجرِم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. أنّ المشرِّع يضع الخطوات والإجراءات التي تُباشرها السلطات المختصة فـي الدولة – منها قاضي التحقيق – من أجل تقصي الحقيقة وملاحقة مرتكب الفعل المخالف للقانون وإيقاع العقاب اللازم متى توافرت أسبابه، وهو في وضعه هذه القواعد يُحدد متطلبات عدم المساس بالحريـة  الفردية، فالقانون وحده هو المصدر الوحيد الذي يرسم ويُحَدِد تلك القواعد الإجرائيـة منـذ تحريـك الدعوى الجزائية حتى  إنتهائها بحكم بات، ويُعرَف هذا الانفراد في تنظيم الإجراءات الجزائيـة بمبـدأ  قانونية الإجراءات الجزائية. ومن هذا يتضح أن مبدأ الشرعية الإجرائية يقتضي إحترام الحرية الفردية المقـررة بالقـانون  أثناء الدعوى الجزائية، وتكفل قوانين الدولة تحديد ما يتمتع به الفرد قبل الدولة من حقوق يتعين عـدم  التفريط بها أثناء سير الدعوى الجزائية، كما تحرص دساتير بعض الدول على توفير  أهم الضمانات التي يجب إحترامها وخاصةً ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الدفاع، وترسـم هـذه الدساتير الخطوط العريضة للمشرِّع وتُحدد له الإطار الذي يستطيع بداخله تنظيم إجـراءات الـدعوى الجزائية.                 

 الإجرام الـذي فـي الكثیـر مـن الأحیـان تُضـخِمَه القنوات  لتشـویق المشـاهد و بـذلك تسـتقطب أكبـر عـدد مـنهم، هـذا إن لـم نقل أن هذه القنوات في حد ذاتها ,فالبعض منها من بین وسائل المجرمین (قـادة الإجـرام المنظم ) الذي یجعل منها أرضـیة خصـبة لتعلـیم تقنیـات الإجـرام وتهیئـة النفـوس الضـعیفة أو القابلة لأن تدخل في عالم الجریمة(2). كثیرة هي الجرائم التي برزت في العقدین الأخیرین من القرن العشرین وسبب ذلك يرجع إلى الثورة التكنولوجیـة التي تلت الثورة الصناعیة، و ما تبعهـا من تطوِّر في نقل الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد رقمـي بحــت ورافق كل ذلك تطور في أدوات الإجرام، فتَرتَب علیه بزوغ مصطلحـات جدیدة على الساحـة الإجرامیة لم تكن مألوفة من قبل، وهذا بفعـل تنامي الظاهرة الإجرامیـة في حد ذاتها، وكذلك رغبة مرتكبیها في الخلاص من أواصرها والعیش بأمان ورفاهیة  داخل المجتمع مع ما تحصَّلوا علیه من عائدات.وعلى الرغم من الخطورة البالغة للجرائم المعاصرة ومع تعـدد الدراسـات التـي تناولـت ظاهرة الإجرام الجدید سواءً كانت هذه الدراسات على المسـتوى الـوطني أو علـى المسـتوى  الـدولي إلاّ  أنـَّه لا یوجـد حتـى الآن تعریــف جــامع ,ومتفـق علیــه لمعظـم هذه  الجـرائم  رغـم أهمیـة التعریـف فـي تحدیـد نوعیـة الجریمـة التـي سَـیَجري التعـاون بـین مختلـف الـدول  لمكافحتهـا وذلـك لطبیعـة كـل جریمـة علـى حـدة  ؛ وبالتـالي تكمـن أهمیـة وضـع تعریـف للجریمة في التوصل إلى مدلول واضح ومُحَـدَد لهـا و لِمعالمهـا الخاصـة، هـذا مـن جهـة، ومـن جهة  أخـرى كونـه أمـر یقتضـیه مبــدأ شــرعیة الجـرائم و العقوبـات، إذ یُعـد وسـیلة  لتـدعیم السیاسـة الجنائیـة التـي یتَّبِعهـا المشـرِّع فـي مكافحـة هـذه الظـاهرة، كمـا أن تعزیـز  التعاون الدولي في هذا المجال یقتضي بالضرورة إلى جانب تحدید السـلوك محـل التجـریم فــي القــانون الــداخلي، أن یــتم الاتفاق بــین الدول علــى مفهــوم مشــترك لهــا؛ فعلــى ســبیل المثال جریمة غسيل الأموال ترجع صعوبة عـدم إیجـاد تعریـف لهـا لصـعوبة فهـم مراحلهـا التي تتسم بالتعقید والتي لا یمكن فهمها إلاّ من المختصین بها.وشرعية الإجراءات الجنائية هي إبرز الخصوصية للقانون الجنائي الإجرائي، وهي إعلان عن فلسفته الخاصة في تشريع الأحكام لمواجهة المصالح المتعارضة والعمل على موازنتها بدقة، فهو يعمل على الموازنة بين مصلحة الدولة في العقاب ومصلحة المتهم في الدفاع عن نفسه وإثبات براءته، وهذه المصالح المتعارضة لا يكون لها محل في القواعد الإجرائية غير الجنائية (المدنية)، لأن تلك القواعد تكوِّن المصالح المتعارضة فيها مصالح فردية لا تدخل فيها مصلحة الدولة إلاّ إذا كانت كأي شخص عادي، كما أنه لا يلجأ إليها إلاّ في حالات.      الحكم الجزائي – بوجه عام – لا تكون له حجية أمام المحاكم المدنية بالمعنى الواسع إلاّ فيما فصل فيه فصلاً ضرورياً. ويكون الفصل في المسألة العارضة المعروضة على المحكمة الجزائية ضرورياً إذا كانت لها تأثير فعلي على الحكم في الدعوى الجزائية. ولما كانت المسألة الأولية هي مسألة غير جزائية تتصل بركن من  أركان الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجزائية أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده، فإن فصل المحكمة الجزائية في المسألة العارضة الأولية يُعد فصلاً ضرورياً. اذ لا يتصور أن تنتهي المحكمة الجزائية إلى قيام الجريمة بدون الفصل في تحقق المسألة العارضة التي تُعد بدورها أحد مقومات بنيانها القانوني وعنصراً من عناصر التكييف القضائي أو مطابقة الواقعة الإجرامية مع النموذج القانوني للجريمة. فإذا لم تكن المسألة غير الجزائية التي فصل فيها الحكم الجزائي متعلقةً بالجريمة فإن الفصل فيها لا يكون فصلاً ضرورياً ولا يحوز حجية أمام المحكمة المدنية. وذلك لأن تعرض الحكم الجزائي لها والفصل فيها في هذه الحالة لا يعدو أن يكون إلا تزيّداً، فالحكم الجزائي الذي ينتهي في جريمة حبس سلع عن التداول إلى أن تلك السلع مملوكة للمتهم، لا يحوز حجية بشأن ملكية تلك السلع أمام المحكمة المدنية، لأن تعيين المالك لها لم يكن أصلاً عنصراً  لازماً للفصل في الجريمة(1). غير أنه لا يكفي أن تكون المسألة الأولية متعلقة بالجريمة لكي يكون للحكم الجزائي الذي فصل فيها حجية أمام المحكمة المدنية، ذلك أن قانون العقوبات قد لا يعني بالمسألة الأولية إلا من   ناحية أو زاوية معينة، فتكون هذه الناحية أو الزاوية وحدها هي التي تحوز الحجية أمام المحكمة المدنية، حتى ولو لم يفصل فيها الحكم الجزائي فصلاً صريحاً، ولا يكون لغيرها من نواحي المسألة الأولية حجية أمام المحكمة المدنية ولو تعرض لها الحكم الجزائي وفصل فيها فصلاً صريحاً. ومن ثم فإنه لكي تتحدد عناصر  المسألة الأولية غير الجزائية التي فصل فيها الحكم الجزائي فصلاً صريحاً أو ضمنياً، والتي تعد ضرورية لقيامه، وتحوز من ثم الحجية أمام المحكمة المدنية يتعين الرجوع إلى قانون العقوبات، لمعرفة أركان الجريمة التي صدر فيها الحكم الجزائي، وما يُعد ضرورياً لقيامها وما لا يعد كذلك، فما يُعد ضرورياً من المسألة الأولية لقيام الجريمة هو وحده الذي يحوز الحجية من الحكم الجزائي أمام المحكمة المدنية.                                      

وبشكل أساسي، تتم ممارسة الرقابة القانونية بواسطة ردّ المحكمة على سبب الطعن أو الطعون لمخالفة القانون (المدني والجزائي) أو على سبب الطعن بسبب الافتقار للأساس القانوني (الدعاوى المدنية). إن مخالفة القانون ليست فقط مخالفة القانون بالمعنى الدستوري، ولكن أيضًا مخالفة للنصوص التنظيمية، وللعرف وفوق كل شيء، للمعاهدات الدولية بحيث تم وضع مبدأ تفوّقها على القانون الداخلي بموجب المادة 55 من الدستور  المصري : وفي هذه الحالة، يستحق قانون المجموعة الاوروبية  إشارة خاصة. إنّ الافتقار إلى الأساس القانوني، لا يستلزم بشكل ضروري تفسيرًا خاطئًا للقانون من محكمة الأساس المطعون بحكمها، ولكنه يفترض أن لا تكون المحكمة قد قدّمت أسسًا كافية لقرارها. ويُضاف إلى تلك الحالات، التشويه، الافتقار إلى الأسس القانونية، والتخلف عن الرد على الطلبات.  منح قانون 15 أيار 1991 المصري محكمة النقض صلاحية إبداء آراء استشارية. لإجراءات الرأي الاستشاري ميزة جعلته معروفا بشكل سريع جدًا عندما تقبل محكمة النقض تفسير نصوص جديدة، وبالتالي يصبح من السهل توقع ما سيكون موقف المحكمة في ما يخص قاعدة خاصة أو أخرى، يكون تطبيقها مسبّبًا للمشاكل. إن هذا الإجراء، المنظَّم بشكل دقيق. وتستطيع محكمة النقض القيام بعملها الموحّد الذي غالبا ما يكون عملا تجديديا في ما يخص تفسير قاعدة قانونية سواءً كانت أساسية أو إجرائية أو تشكل جزءًا من تشريع جديد أو قديم. إنه في هذا المجال بشكل رئيسي يتم تطوير الاجتهاد من قبل محكمة النقض. وتلعب محكمة النقض دورًا أساسيا في توحيد الاجتهاد. وهذه الوظيفة تفسر الطبيعة المتخصصة للمحكمة، التي لا تحكم قطّ في الوقائع. بل أن مهامها تتمثل حصريًا بتفسير القانون، إن في ما يخص الأساس أو الشكل، إن كان قديما أو جديدا . هذا ما يعزز أهمية قراراتها بموجبه. يرتكز تفسيرها على الجوابات التي تعطيها في حكمها على الحجج المعروضة أمامها، وبشكل محدد أكثر، على الحجج التي تتذرع بمخالفة القانون. إن كيفية تكوّن وتطوّر ونشر الاجتهاد المتّبع تستدعي بعض التعليق.               

  إن تكييف القاضي الجنائي لجريمة معينة وفقا لوصفها القانوني أي طبقاً لنموذجهـا المحدد في القانون وبالتالي إنزال هذا الوصف القانوني للفعل المجرّم على الواقعة المعروضة أمـام القاضي يلزم القاضي المدني بهذا التكييف ، فإذا كيّف القاضي الجنائي الواقعة بأنها سرقة فلا يمكـن للقاضي المدني أن يكيّفها بأنها نصب أو خيانة أمانة ، لكن القاضـي المـدني يـستطيع أن يُكيّـف الجريمة تكييفاً آخر من الناحية المدنية من اجل تقرير المسؤولية المدنية وبالتـالي الحـصول علـى التعويض ، فمثلاً إذا حكمت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من تهمة إتلاف منقولات الغير بلا عمـد لأنَّ القانون الجنائي لا يُعاقب عليها ,التزمت المحكمة المدنية بهذا التكييف ،فـــــلا تستطيع أن تُقـرر بان الإتلاف حصـل عمداً لأنه يُخالف الحكم الجنائي, فالمواد ( 51 ، 52 ، 54 ,6 )من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 تُـشير إلـى الأخـذ بالوصـف القانوني للجريمة والمحدد من قبل المشرع . فالمادة 51 من هذا القانون تـنص علـى انـه إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كـل مـن ساهم في ارتكابها فاعلاً كان أو شريكاً علم بها أو لم يعلم . أما إذا توافرت ظروف مـشددة سـهّلت إرتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلاّ إذا كان عالماً بها. أما ما عدا ذلك من الظـروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلّقت به سواءً كانت ظروفا مشددة أو مخففة. أما المادة 52 مـن القانون ذاته فتنص بأنه إذا توافرت أعذار شخصية مُعفية من العقاب أو مخففة له في حـق احـد المساهمين – فاعلاً أو شريكاً – في إرتكاب الجريمة فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلّقت به.أمـا الأعذار المادية المٌعفية من العقاب أو المخففة له فأنها تسري في حق كل من سـاهم فـي ارتكـاب الجريمة . في حين إن المادة 54 من القانون المذكور تنص علـــى انه إذا اختلف قصد احـد المـساهمين في الجريمة – فاعلا أو شريكا – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن كيفية علم ذلك الغير بها عوقِبَ كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه.إذا كانت الجريمة تُعتبر سبباً مُنشأَ لحق الدولة في العقاب إلاّ أنها ليست كافية وحدها لتطبيق العقوبة إذ يتوقف تطبيقها على توافر الخطورة الإجرامية سواءً أكانت مفروضة من قبل المشرِّع أو كانت قضائية يتم التثبت منها بمعرفة القاضي بواسطة التفريد القضائي لها، باعتبار أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وأنَّ المذنبين جميعهم لا تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالي لا يجوز أن تكون واحدة لا إختلاف  فيها، حتى لا يقع الجزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع حجم الجريمة وملابساتها، وبما يُقيّد الحرية الشخصية دون مقتضى مما مؤداه عدم تقرير إستثناء على هذا الأصل.واضح من هذا التعليل القيمة القانونية لتفريد العقوبة مستمدة من أساس التجريم والعقاب وهو الضرورة والتناسب. ولعل أخطر حلقات العملية القضائية: المطابقة بين الواقعة المرتكبة والنموذج القانوني بهدف الوقوف والتأكد من تطابق الواقعة الواردة لديه مع القاعدة القانونية النموذجية المنصوص عليها في قانون العقوبات. والهدف الأساسي من منح سلطة تقديرية للقاضي الجزائي هو الوصول إلى الحقيقة القضائية التي يحملها الحكم الجزائي، وتأتي كثمرة للإجراءات التي يتخذها.  وعليه فإنه إذا كان الحكم الجزائي هو ناقل لحالة اليقين الموجودة لدى القاضي الجزائي فإن جوهر هذا اليقين هو الدليل الجنائي الذي يعتمد عليه بتوافره لإثبات وقوع الجريمة من الناحية الواقعية ( الركن المادي والمعنوي). ولكي يكون عمل القاضي الجزائي مستساغا ومتوافقا مع مباديء العقل والمنطق السليم لابد من أن يتحقق من ثبوت عنصر الواقع (فهم الواقع) ثم فهمه لعنصر القانون باعتباره جوهر الحماية القضائية وغاية العمل القضائي، وعليه أن يغوص في أعماق هذا القانون ليُفصح عن المصالح والحقوق المحمية. ويُعد التكييف القانوني للوقائع من أدق وأصعب المشكلات التي تعترض القاضي عموما والقاضي الجزائي على وجه الخصوص على أساس أن الدعوى تخضع لعدة تكييفات قانونية.  التكييف للجرائم ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للإلتزام بمباديء قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، كما يسهم في تأمين حقوق الإنسان المتهم في ارتكاب واقعة اجرامية معينة، ويؤدي دوره في إعطاء صورة حقيقية عن حالة الإجرام وديناميته، كما يبرز نزاهة أجهزة الدولة المطبِّقة للقانون، وعلى وجه الخصوص الهيئات القضائية، ويؤكد عدالة التدابير العقابية المتخذة إزاء المذنبين في ارتكاب الجرائم. والنموذج القانوني للجريمة عبارة عن مجموعة السمات الواصفة للسلوك المُعتَبَر جريمة بموجب قانون العقوبات، الذي تبرز أهميته في عملية تكييف الجرائم باعتباره أحد طرفي هذه العملية، المنحصرة في تحديد التوافق بين سمات أركان الجريمة في نموذجها القانوني المحدد في قانون العقوبات، وما يماثلها في أركان الواقعة الإجرامية التي تصادف في التطبيق العملي. اذا كان القاضي  الجنائي او وكيل النيابة يتقيد عند قيامه بتكييف الواقعة بضوابط اجرائية, فان ثمة اركان يلزم توافرها حتى يتسنى له انزال حكم القانون الذي  ثبت في وجدانه , تلك الاركان التي تتمثل في ركني الجريمة المادي والمعنوي باعتبارهما العناصر الاساسية للوجود القانوني للجريمة بالاضافة الى الركن الشرعي. ﻟﻡ ﺘَﻌُﺩ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﺤﺩﻫﺎ ﻭﺴيلة ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻜﻔﺎﺤﻪ ﻀﺩ ﺍﻟﺠﺭﻴمة ،ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺩ ﺃﺨﻔﻘﺕ ﻓﻲ مواطن عدة ،ﻋﻥ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﻤﻨﺸﻭﺩ ﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ,الامر الذي استلزم ﻓﻲ ﺤﺩﻭﺩ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻥ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﺠﺯﺍﺀ ﺒﺩﻴل ﻴﺤل ﻤﺤل ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﻴﻜﻭﻥ ﻟﻪ ﻓﻌﺎﻟية ﻓﻲ ﺘﺤﻘيق ﺃﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﻭﻋﺔ. ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺒل ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ يُعتبر ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻱ ﺤﺘﻰ ﻴﻜﻭﻥ ﻤُﺴﺘﻌﺩﺍً، ﻹﺨﻀﺎﻋﻪ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﻓﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻜﻤﺭﺤلة ﺴﺎﺒﻘﺔ ﺘﺸﻜل ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﻼﻨﺘﻘﺎل الى ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺜﺎﻨية ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﺒﻤﻔﻬﻭﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺼﻼﺡ ﺍﻟﻤﺠﺭﻡ ﻭﺘﺄﻫﻴﻠﻪ ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ، ﻤﺤﺩﺩﺓ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ ﺍﻟﺒﺩﺀ ﺒﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﺜﻡ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴر ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺘﻴﺏ ﻟﻪ ﺩﻭﺭ ﻓَﻌّﺎل ﻓﻲ ، ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﻟﻠﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻴﺔ ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻁﻭﺭﺓ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ في المجتمع(4).  والمعنى العام لهذا المصطلح(التكييف الجنائي) هو عبارة عن الوصف القانوني الذي يسبغه المشرِّع على الواقعة المجرمة التي يرتكبها الجاني(5).                    

   الجرائم المستحدثة هي أنواع حديثة ومتنوعة من الجرائم الناتجة عما يُستجد في الحياة الاجتماعية من ظروف وما يطرأ عليها من متغيرات تترك آثارها في الجريمة سواءً في شكلها أو في وسائل إرتكابها. وتُعَد الجریمة منذ الأزل من الأفعال المنبوذة وما یوضح ذلك تعریفاتها سواءً عند أهل اللغة أو الشریعة وحتى عند المختصین في المجالات المختلفة. إن الجرائم المستحدثة التي جعلت من النظام المعلوماتي أساسها أصبحت من أبرز الوسائل التي تنشر الرعب في نفوس الأفراد، وإمتدت حتى إلى إنتهاك الحیاة الخاصة لهم في أضیق  صورها وذلك إمّا كوسیلة للتهدید أو الإبتزاز للوصول إلى تنفیذ الغایات الإجرامیة، خاصة التي تُطال العاملین في الوظائف العامة والذین رفضوا بیع ضمائرهم ووظائفهم بالرشوة، أو لإبتزاز رجال الأعمال من خلال التهدید بفضح أسرارهم المهنیة. إن القول بأن أفعال الإجرام المعاصر كلها جرائم حدیثة، كلام فیه شيء من المبالغة، فالیقين أنه من ضمن الأخیرة جرائم تقلیدیة تعود إلى العهد القدیم من حیاة البشر، قد أُعید  إحیاؤها من قبل المجرمین و لكن باستعمال أسالیب جدیدة ومن قبیل هذه  الجرائم  ما یقع على الأشخاص كالاتجار بالأشخاص على اختلاف أجناسهم وأعمارهم ومن صور ذلك جرائم تهریب الأشخاص أو تجارة الرقیق ، ومنها كذلك ما یقع على الأموال كجریمة الرشوة التي عرفتها المجتمعات القدیمة، والیوم أصبحت  مستحدثة بنمطها الجدید في صورتیها المسماة بالرشوة الایجابیة والأخرى السلبیة، ولیس بعیداً عن كل من الصنفین السابقین – الجرائم الواقعة على الأموال والجرائم الواقعة على الأشخاص – هناك من الأفعال التي تَضر  بالأرواح والأموال معاً سواءً كانت العامة أو الخاصة، إنه الحدیث عن الجرائم الإرهابیة التي تَغیَّرت آلیة تنفیذها وأصبحت تستعمل الأسلحة الذكیة المتطورة و الفتاكة حتى وصلت إلى ما یعرف بالإرهاب   ألألكتروني والبیولوجي؛ وبسبب تعدد و تبدّل هذه  الظواهر الإجرامیة التي لها إمتداد تاریخي قدیم أصبح من العسیر السیطرة الكاملة على أنواعها وعلى عددها أو حجمها. یُشكل الإجرام المعاصر أو ما اصطلح علیه بالجرائم المستحدثة، تحدیاً كبیراً یقف في وجه استقرار منظومة القیم التي تتحكم في سیر المجتمعات، فهي تأتي لتعبِّر عن توتر یحدث بالمجتمع، یحاول التعبیر عن الاختلالات الحاصلة في جوهر تلك القیم التي تسلل إلیها التفكك ولم تعد قادرة على ضبط عوامل تماسكها وسط عالم لا یهتم بمصادر نشأتها. لا یعتبر الرعب و الفزع من الجریمة المعاصـرة مـرده فقـط تصـرفات الأفـراد الفـاعلین فیهـا، وإنَّمـا تُسـاهم القنـوات الفضـائیة بالقـدر الكبیـر فـي نشـره وغرسـه فـي نفـوس شـرائح المجتمعات من خلال مـا تبثـه مـن أفـلام وأخبـار عـن النشـاط الإجرامي .  وهنالك عدة تصنيفات لجرائم الحاسب الآلي والانترنت فهناك من الباحثين من يصنفها بحسب الفئات، مثل جرائم ترتكب على نظم الحاسب الآلي وجرائم أخرى ترتكب بواسطته، أو بحسب الأسلوب المتبع في الجريمة أو الباعث والدافع لارتكاب الجريمة.

———————————–   

 1-.نسرين عبد الحميد نبيه، مبدأ الشرعية و الجوانب الإجرائية، الطبعة الأولى، الناشر مكتبـة الوفـاء القانونيـة، 2008   

اترك تعليقاً