السيمر / فيينا / الجمعة 07 . 10 . 2022
اسعد عبدالله عبدعلي
الكثير من الكتاب والباحثين يجعلون من شهر نيسان لعام 2003 حدا فاصلا بين تاريخين, باعتبار زوال نظام صدام الدكتاتوري, وظهور دولة جديدة بنظام ودستور مختلف عما سبق, مع اننا ما نعيشه اليوم من فساد وفوضى بحقيقته ما هو الا الثمرة التي تم زراعتها في الزمن حكم الطاغية صدام, لقد كان العفالقة يخططون لتدمير المستقبل, عبر القنابل الموقوتة التي فخخ بها مستقبل العراق, ومن تلك الفخاخ كان صناعة فئة مستعدة للفساد بكل صوره, لقد كان الاعداد البعثي للعبث بالمستقبل منذ منتصف التسعينات, وعبر قيادات ادارية وتحت يدها جيش من الموظفين الشباب, بمختلف التخصصات وفي جميع الوزارات, وكان ينتظر منهم التغلغل في الدولة الجديدة.
نعم ايها القارئ ان نظام صدام عمل بجد ونشاط لتأسيس طبقة ادارية فاسدة, وجيشت الشباب الفاسد ليكون في عونها لتحقيق الهدف.
· دعوات لفتح ملفات فساد ما قبل 2003
لذلك ما ان سقط نظام الطاغية في نيسان من عام 2003 حتى ارتفعت الدعوات الشريفة لفضح المتورطين في ملف فساد برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء, لانه ان حصل فان سيكشف لنا مبكرا تلك الخيوط العنكبوتية العفنة, والتي كانت مهمتها الاساسية تدمير مستقبل البلد, لكن كان هنالك قرار بمنع فتح ملفات الفساد التي تخص ما قبل نيسان/2003, فحماية جنود صدام الخفيين مهم لتحقيق الهدف الامريكي, وهو نشر الفساد والفوضى.
ومع الاسف خفت الصوت حتى اصابه البكم, ولم يعد احد يتحدث عن فساد ما قبل نيسان/2003, بعد العاصفة الكبيرة التي ضربت البلد من ارهاب وتفجيرات وجماعات خارجة عن القانون, وظهور ذيول البعث بملابس جديدة نفس الفكر لكن تحت عناوين براقة.
وهكذا انتشر الفساد خصوصا ان بقايا البعث والكوادر الادارية تغلغلت في بعض الاحزاب الفاسدة والتي تشكلت بعد عام 2003, لتصبح جيوش صدام بلباس الاحزاب يمتلك حصانة من اي ملاحقة قانونية.
· محاربة قانون اجتثاث البعث
عملت قوى سياسية محلية والمحتل الامريكي على محاربة قانون اجتثاث البعث, بل كانت هنالك دعوات علنية للعفو العام عن اعضاء حزب البعث, بذريعة منحهم الفرصة بالعيش الكريم, ونشطت الجماعات الدينية المقربة من حزب البعث في الدعوة لمسامحة البعثيون, ورفعت شعار “عفا الله عما سلف”, كي يعود البعثيون لمناصبهم في الحكومة, وحصلت استثناءات لشخصيات كبيرة في حزب البعث في وزارات حساسة, وكان عدد الاستثناءات بألاف كما صرح به اعلاميا في السنوات الاولى للتغيير, مما عطل عمل هيئة اجتثاث البعث من كيان الدولة, حتى تم اغتيال الرجل الثاني في هيئة اجتثاث البعث, ثم تغير الحال في السنوات اللاحقة كما عبر عنه امين الجامعة العربية في وقتها عمرو موسى حيث صرح: انه كان يظن هنالك اجتثاث للبعث, لكنه وجد اجتذاب للبعث!
هذا القانون كان حجر الاساس لبناء دولة قوية مستقرة, لكن هذا سيكون ضد رغبة امريكا الهادفة لأنشاء جمهورية هشة وتمارس الفساد.
· سلسلة طويلة من فضائح الفساد
كل يوم نسمع او نقرا عن جريمة فساد جديدة وتنشر الادلة الثبوتية للجريمة, عبر مواقع التواصل الاجتماعي او عبر الصحافة الالكترونية والمواقع الخبيرة وتتداولها برامج التلفاز, لكن الغريب لا يتم اجراء اي شيء بحق من تم فضحهم, من قبيل فضائح وزارة الدفاع وتعاقداتها في التسليح وقضايا منح المناصب حسب المزاج السياسي, او فضائح وزارة الصحة والتي لا تنتهي في عقود الدواء والاجهزة الطبية وفي منح المناصب حسب الولاءات, او فضائح وزارة النفط, او فضائح وزارة التربية وخصوصا قضايا الابنية المدرسية ومصائب طبع الكتب, وقضايا منح المناصب حب الولاء السياسي, وفساد امانة بغداد لا يمكن تجاهله, ووزارة الخارجية والتجارة والصناعة.. الخ.
وقصص وزارات الدولة والهيئات المستقلة لا تنتهي بل كل واحد منها يمثل دكان كبير لحزب سياسي حسب نظام تقاسم الوزارات, ولا يمكن تجاهل قصة الشركات الوسيطة الخفية التي عبارة عن دكان لحزب او سياسي مهمتها رفع سعر ما يتم استيراده للدولة من الشركة الاصلية بعشر اضعاف السعر الحقيقي ليذهب الفارق في السعر بجيب حيتان ودينصورات الفساد (لعنة الله عليها).
مع ان العراق يملك هيئات رقابية عديدة, لكنها جميعا اصابها داء الفساد والفشل, فكيف يمكن ان نتعمد على اجهزة فاسدة في الرقابة الحكومية.
· مستنقع يصعب ازالته
تحول البلد الى مستنقع كبير للفساد يصعب على اي شريف ازالته, كل شيء فاسد يمكنك ان تراه في هذه الارض, من الوثائق المزورة التي تمنح لقب علمي, الى مافيات التهريب التي تنشط ومن كل الانواع: من قبيل تهريب النفط, وتهريب الاثار, وتجارة الاعضاء البشرية, وتجارة المخدرات, وتجارة المشروبات الكحولية, وتهريب السلاح, وتهريب اي منتج غير مطابق للمواصفات, وكل هذه القذارة محمية ولا يجوز الحديث عنها وعن رجالها, ببركة الدينصورات, وكل هذا ليس سرا بل هو يجري فيوضح النهار.
حتى قال قائلا: نحتاج لتدخل السماء كي نتخلص من اسر الفساد, لانه اصبح غول كبير جدا, لا يمكن لأي قوة بشرية ان تقضي عليه.
· اخيرا:
الفساد في العراق سببه الاول سياسي, وكانت ارشادات ودعوات المرجعية الصالحة في وضع قاعدة للجماهير (المجرب لا يجرب), العلاج الشافي للشفاء من مرض الفساد, لو طبقها الشعب في الانتخابات, لحصل الجزء الاهم في حرب الفساد, عبر عزل القيادات السياسية الفاسدة, ومنعها من الوصول لقبة البرلمان وللسلطة التنفيذية, وعندها تظهر للوجود حكومة قوية, لا تشمل المجربين الفاسدين, مع وجوب فرض القانون على الجميع, وملاحقة اي تجاوز على القانون, عندها تضمحل اذرع الفساد, وتموت الحيتان والدينصورات التي تعتاش على المال الحرام.