حميد حلمي زادة / ايران
يستطيع من يقرأ مسلسل الاحداث في بلاد الحرمين الشريفين (مكة والمدينة) خلال فترة المئة سنة الماضية ، ان يستشف بأن هذه الأرض الطاهرة قد تحولت الى ألعوبة يتداولها صعاليك آل سعود جيلا بعد جيل في مهمات انتقامية عديدة لكن أهمها هما : (هتك حرمة المقدسات وهدر الثروات) . فالامة الاسلامية التي لم تندمل جراحها بعد من جرائم جيل الهرمين السعوديين ،لاسيما كبيرهم الذي علمهم الخيانة، تجد نفسها اليوم وهي ضحية الجيل الثالث من هذه العائلة،التي أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها كارثة نزلت على رؤوس المسلمين، وقد جاء بها الاستعمار القديم لتكون باسم الاسلام ، سيفا مصلتا على المسلمين والموحدين الرساليين ، اضافة الى قيامها بخدمة رعاية مصالحه الامبريالية ، الى جانب كونها صمام أمان للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس الشريف .
فالنظام السعودي هو ـ بلا ادنى شك ـ دمية صهيوغربية وإن ممارساته المسجلة والموثّقة عبر القرن الماضي والقرن الحاضر، تعطي دلالات قاطعة على أنه مسخر تماما لمهمات خطيرة يراد من ورائها ضرب الوحدة الاسلامية وتأجيج النعرات المذهبية والطائفية واضعاف قوى التحرر والمقاومة بوجه المشروع الاسرائيلي الاستكباري التوسعي ، وقبل كل شيء تبشيع صورة الاسلام الناصع عبر فتاوى من يُسمَّون ب” علماء” الوهابية الذين اتخذوا من بلاد مهبط الوحي ستارا ، باسم الدين، للتمويه والخداع والتضليل ، ومن اموال النفط وقودا لإشاعة الفتن والعداوات والحروب والاحقاد في المنطقة الاسلامية بخاصة وفي الشرق الاوسط والعالم بعامة.
والثابت ان المال هو عصب حياة آل سعود للبقاء والتسلط والإعتداء ، تارة عبر التظاهر بحماية الدين والحرمين الشريفين ، وتارة للتنكيل بهذه المقدسات وما هو أبعد منها، تحت غطاء الفتاوى الجاهزة المصحوبة بفحيح أفاعي المحفل الوهابي الكبير وعلى رأسه المسمّى الشخص ب “المفتي”.
ومن المعلوم ان المال الذي يتصرف به السعوديون و وعاظهم ، هو مال المسلمين أو بالتحديد هو مال شعب الديار المقدسة ، الذي نجده يكابد الصعاب والمشقات لتحصيل لقمة العيش في ظل انتهاب ثروته البترولية، فيما يعمد صعاليك الحكم في الرياض الى هدره إرضاء لمخططاتهم التمزيقية والعدوانية والاستغلالية.
لقد قامت الهيكلية السياسية والدينية لحكم آل سعود على قاعدة شراء الذمم وامتلاك ألاخرين كل حسب موقعه وتأثيره ونفوذه ، وعلى هذا الاساس لن يتعب المتابع اذا ما فتش عن هذه الحقيقة ، لأنها ماثلة للعيان في مراكز القرار والمؤسسات الدينية والمنابر الاعلامية والعشائر وما شاكل ذلك في داخل البلاد وفي البلدان الاخرى. وقد يشعر حكام الرياض انفسهم بالزهو والفخر اذا ما سمعوا من يسبغ عليهم مثل هذا الوصف . لكنها الحقيقة المُرّة و مع الاسف الشديد شئنا أم ابينا. فآل سعود هم “كرماء” الى حد الثمالة في هدر اموال المسلمين ولكلّ ما يؤدي الى الفرقة والاحتراب والتشرذم، فهذه هي المهمة القذرة الموكلة إليهم، وعلى هذا يمكن للامة ان تدرك حجم المصائب والنكبات والآلام التي خلفتها السياسات السعودية الاقليمية والدولية لشعوب الامتين الاسلامية والعربية خلال ما يقارب قرنا من الزمن.
وصحيح ان الحديث عن دور آل سعود المشبوه في الشرق الاوسط ذو شجون ، لكن المثير للشجون بشكل أكبر هو الخدمة التي اضطلعت بها هذه العائلة لفائدة أعداء الرسالة المحمدية العظيمة ،والتي هي ما تزال تواصل تنفيذها ، من خلال هتك حرمة المقدسات الاسلامية والحضارية في مكة المكة حيث الكعبة المشرفة ، والحطيم وزمزم ، ومقام ابراهيم ع وحجر اسماعيل ع ومعالم ورسوم طاهرة كانت تزخر بها هذه المدينة المقدسة فأزالها السعوديون غير آسفين بل مع سبق الاصرار والحقد، وفي المدينة المنورة حيث المسجد النبوي الشريف وضريح خاتم المرسلين ص وقبور الائمة الطاهرين ع في البقيع والآثار الاسلامية الكريمة الاخرى .فأما المسجد النبوي وقبته الخضراء الحبيبة فقد قامت قيامة المسلمين عام 1926 ميلادي على البدو السعوديين الأجلاف ومنعوهم من ارتكاب جريمة هدم قبر النبي الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم تمكنوا وبدعم المستعمرين البريطانيين والصهاينة والبهائيين من هدم الاضرحة والقباب المتواضعة للأئمة الاطهار عليهم السلام والصحابة الكرام رض والمشاهد المباركة الاخرى في انحاء مدينة الرسول ص وبخاصة في مقبرة البقيع المتاخمة للحرم النبوي الشريف.
ومن سخرية القدر ان آل سعود المجبولين كبارا وصغارا على الأمية والجهل والعصبية القبلية حتى يومنا هذا ـ إلاّ ما ندرـ صاروا بفعل الجهد الاعلامي المدفوع الثمن وبسخاء ، وكذلك نتيجة للتخريجات الشرعية الوهابية الزائفة ، سادات للمسلمين وأعلاما للبر والتقوى في العالم الاسلامي ومن عداهم فإنهم ينبغي ان يكونوا اتباعا لهم، هذا رغم كل الفضائح الاخلاقية والتربوية التي تحدثت وتتحدث عنهم والتي كشفت عنها الاخبار والمعلومات والكتب المعتبرة التي تحكى التحلل القيمي والتخلف المعرفي لأفراد هذه العائلة البدوية منذ اليوم الاول لتلميعهم وحتى يومنا هذا.
من المؤكد ان التعمق في تبيان خيانة آل سعود للامة والمقدسات واستباحة المال الاسلامي العام خدمة للبرامج الاستكبارية المعادية للإسلام المحمدي الاصيل وتفكيك التضامن وتمييع التآلف بين ابناء الامة الاسلامية بالفتاوى الباطلة ـ وآخرها فتوى تحريم الفلم السينمائي العالمي محمد رسول الله (ص) للمخرج الايراني الصاعد مجيد مجيدي ـ هو بحاجة الى مجلدات ولايمكن حصره في هذا المقال ، لكن الوقائع الاخيرة التي ادت الى سقوط رافعة ضخمة فوق رؤوس ضيوف الرحمن المعتمرين في أواخر شهر ذي القعدة الماضي على مقربة من الحطيم وزمزم في ساحة الحرم المكي الطاهر, وكذلك حادثة التدافع المروعة في منى يوم 10 ذي الحجة 1436 والتى ادى كلاهما الى استشهاد نحو ألف حاج وإصابة آلاف آخرين تستدعي االاشارة الى النقاط الآتية:
1ـ ان العائلة السعودية تعيش حالة هستيرية من التناقضات والصراعات بعد تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في 23 كانون الثاني .يناير 2015 وإقدامه بعد فترة وجيزة على ازاحة شقيقه مقرن عبد العزيز من ولاية العهد و تنصيب ولي عهد وولي ولي العهد من الجيل الثالث لآل سعود، فالشيء الواضح ان ماجرى كان انقلابا صريحا على النظام الداخلى الذي وضعه مؤسس المملكة البدوية الوهابية عبد العزيز آل سعود لتوريث الحكم، وهو ما تجلى في ارتفاع أصوات أفراد الحلقة الضيقة للقبيلة السعودية احتجاجا على ذلك ، الامر الذي ادى بلا شك الى استقطابات عنيفة في اجهزة الدولة العسكرية والسياسية والامنية والتجارة لصالح الاقوياء في الطرف الحاكم او المعارض في آل سعود. وهو ما انعكس بشكل اكيد على ضعف الأداء والاهتمام باجراءات رعاية الحجيج هذا العام وضمان ارواحهم وسلامتهم و بالتالي وقوع الحادثين الأليمين خلال ايام قليلة فقط. على انه ايضا لا يبعد ان يكون ما حصل في كارثتي الرافعة والتدافع ، أمرا مدبرا من قبل المتنافسين من داخل العائلة السعودية للايقاع بغريميهم الملك سلمان وولده محمد بن سلمان كرد فعل على مواقفهما الاقصائية، وذلك ابتغاء تأليب الرأي العام الاسلامي عليهما نتيجة فشلهما الذريع في تأمين مناسك الحج لضيوف الرحمن من جهة، وهزائمها المذلة على أيدي مقاومي جند الله اليمنيين من جهة اخرى.
2 ـ إن اضطلاع العائلة السعودية بقيادة عدوان عسكري غاشم على اليمن في 25 مارس .اذار 2015 واغراق الشعب اليمني البريء والمسالم في بحور من الدماء واحلال الخراب والدمار الشاملين في مدنه وبناه التحتية ، ساهم هو الاخر في مأساة الحجاج الضحايا في موسم عام 1436 هجري، خاصة اذا علمنا ان رياح عاصفة الحزم وإعادة الأمل المزعومتين لم تأت بما تشتهي سفن السياسات والخطط السعودية التي ثبت بأنها خرقاء وبليدة وبعيدة عن الرشد شأن وزير دفاع النظام البدوي الوهابي محمد بن سلمان الذي تشير اصابع الاتهام كلها الى دوره النزق في شن هذه الحرب الخاسرة على اليمن المجاهد ، فضلا عن دوره في الاقصاءات ضمن العائلة الحاكمة. فالثابت ان هذه الحرب تمر بالاحباط الشديد نتيجة للتصدي اليمني البطولي في دحر عدوان التحالف السعودي الخليجي الإرتزاقي الهش ، وهو ما ادى الى ان تفقد مؤسسات آل سعود توازنها وتماسكها لاسيما المعنيين بخدمة الحجاج في موسم هذا العام وبما ادى سريعا الى حادثين مفجعين خلال فترة عشرة أيام فقط.
3 ـ وكما هو معلوم فان النظام السعودي لاينفي دوره في الازمات والحروب الاهلية الراهنة في سوريا والعراق ولبنان وليبيا والبحرين ، بل لقد دأبت الرياض على تسخير جميع امكاناتها المادية والاعلامية والعسكرية والمخابراتية لفائدة العصابات التكفيرية المسلحة باعتبارها ولادات غير شرعية للوهابية المنحرفة علها تصل الى الحكم ،حتى ولو أدى ذلك الى ابادات بشرية فظيعة تطاول ابناء الشيعة تحديدا. فالتكفير والعقائدية الزائفة هما من مرتكزات آل سعود للسيطرة والعدوان والحكم وقد طبقوها حرفيا منذ بداياتهم وحتى وقتنا هذا. والجميع يعرفون ان دخول آل سعود على خط تأجيج الفتن والنعرات الطائفية والعرقية لايعود الى سنوات ما يسمى الربيع العربي فقط بل هي عائدة لعشرات السنين من قبل ، بل ان السعودية تتباهى بدعم طالبان والقاعدة لفترة طويلة وقبل ذلك احتضانها وللآن المدارس الدينية المتطرفة في باكستان والهند ومناطق ايران الحدودية ومناطق في آسيا الوسطى وجنوب شرق اسيا. وامام هذا التوجه كيف يمكن الوثوق بأن السعوديين كانوا جادين هذه الايام في تأمين سلامة الحجيج.
4 ـ أشرنا من قبل الى قيام آل سعود بتدمير المعالم وألاثار الاسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة تحت ذريعة محاربة الشرك وتأصيل مبدأ التوحيد الذي نستطيع ان نخمن بأن العائلة السعودية لا تفقه أي شئ منه، فالذي لايجيد أبجديات القراءة والكتابة هو حتما صاحب مخ محدود فقط بشرب “بول البعير” والاستعراضات الصحراوية البلهاء والطقوس البدائية الاخرى. لكننا نجد ان آل سعود يكادون يحولون حوالى الحرم المكي الى ناطحات سحاب غربية الطراز ولا روح دينية او معنوية فيها، فنادق 5 نجوم ومولات تضج بالبهرجة و ابراج تخص عالم الربح والمال والاعمال . لقد هدم آل سعود الآثار الاسلامية والحضارية لتاريخ الاسلام المشرق باسم محاربة البدع والشرك وزرع مكانها ناطحات سحاب وعمارات تجارية مجردة من اية روحانية او قيم ، فأين هي المبادىء الايمانية عندما يتم تحويل حوالي البيت الحرام او المسجد النبوي الى مجمعات ترفيهية ربحية قارونية خالية من اي مضمون معنوي أو رباني .
5 ـ يجاهر ما يسمى بعلماء الوهابية وتلامذتهم الجدد من امثال داعش والقاعدة وغيرهما بنفورهم علنا من قبر النبي الاكرم محمد ص ، بل ان الدعوات والتهديدات الصريحة بهدمه ، بل وحتى هدم الكعبة الشريفة، بدعوى محاربة معالم الشرك ـ والعياذ بالله ـ صارت تعلن بصراحة هنا وهناك وعبر الانترنت فضلا عن دعم هؤلاء المتلبسين بلبوس العلماء الجرائم الارهابية للمجموعات التكفيرية المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان من خلال المال والفتوى والاعلام ، وهذا بحد ذاته هو مؤشر خطير لسيرورة الفتنة العقائدية العمياء التي بدأها السعوديون، واستهدافاتها الحاقدة على كل ما يتصل بالوحي والتوحيد بل على الاسلام ككل. وبالتالي تحقيق ما تصبو اليه “اسرائيل” والغرب المتصهين للإساءة الى الدين الحنيف وتشويه مقاصده النبيلة بايدي المنحرفين من أبناء الامة.
6 ـ لوحظ ان النظام السعودي وفي اسلوب كيدي حقير وطائفي بغيض ايضا يريد التملص من مسؤوليته الاولى والاخيرة عن الارواح البريئة التي ازهقت جراء فشل أجهزة النظام في ضمان سلامة الحجاج الكرام هذا العام، ففي البداية روج الاعلام الرسمي ان حادث منى وقع بسبب طابور من الحجاج الافارقة، الذين اربكوا جموع الحاشدين لرمي الجمرات في المشعر الحرام، لكنه غيّر موجة المسؤولية بتحميل ايران مسؤولية ما حدث ، ولا شك بأن هذا يعزز القناعة لدى مسلمي العالم من أجل يفكروا مليا في الطريقة المثلى لتطهير الحرمين الشريفين من دنس ثنائية آل سعود والوهابية الباغية الضالة الى الابد . فقد طفح الكيل ولم تعد الامة الاسلامية على استعداد للتفرج على مقدساتهم ومقدراتهم وهي تنتهك وتتبعثر خدمة لأهواء مجموعة من الأعراب المتحجرين الذين هم أشد كفرا ونفاقا..
لقد اعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية الحداد العام لثلاثة أيام على أرواح حجاج موسم عام 1436 هجري من ضحايا جريمة النظام السعودي الخائن ، وهؤلاء الضحايا هم من بني أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم جميعا .. الموقف الذي يفترض ان يقترن بإجراءات حاسمة من قبل المسلمين كافة علماء وزعماء وشعوبا، اذ من المؤكد ان كرامة الكعبة المشرفة متلازمة مع كرامة أهل القبلة بلا استثناء، ويبدو ان هذا لن يكتمل مادامت مفاتيح الحرم الالهي بايدي الاوباش السعوديين . إن هؤلاء لا يخولهم لا الدين الاسلامي ولاقدسية بيت الله الحرام بأن يستمروا في تبؤ مثل هذه المسؤولية المصيرية. واعتقادنا الراسخ هو أن المكان الانسب لآل سعود في الدنيا هو مزبلة التاريخ ،كما اننا لانشك و نرجو من الله ذلك في أن هؤلاء لن يساقوا في الآخرة إلا مع فرعون وهامان وقارون الى الجحيم ، جراء ما اجرموا في حق امة الاسلام طيلة الفترة الطويلة الماضية.