عبد الصاحب الناصر
كلما نسكت و نصبر و نترك حالانا نستسلم للواقع، و نسلم امرنا للواحد القهار. نرى و نسمع ما هو اغرب من كل الغرائب ، في بلد يعاني ما يعاني من ويلات و حروب و فشل اقتصادي و احتلال لأكثر من ثلثه من قبل الإرهاب، و ميزانية تكاد تكون خاوية، نسمع عندما يتكلم او يخطب بنا شخص يسحبنا الى اقسى انواع المعانات المزروقة بالجهل المدقع. هذا هو وزير خارجية العراق، السيد ابراهيم الجعفري، الذي بعد توزيره و تنصيبه على وزارة الخارجية العراقية، ترك جانبا كل المراجع الدولية ليتعلم منها، و تناسى كل البروتوكولات الدولية، و اعتنى فقط بفلسفته الشخصية وتعبيراته الغامضة التي صار يتندر بها القاصي والداني. طيب .
هذا ما حدث .
بعد الاستماع الى كلمته في الاجتماع العام للجمعية العمومية للأمم المتحدة ، التي تحدث مرة واحدة في السنة، تكلم السيد الجعفري عن ماذا ؟؟؟ لم يقل اي شىئ و لم يستمع له احد و لم تصور الكاميرات اي شخص يستمع له، حتى ولو بدون اي اهتمام .
في وقت حضور الحبر الاعظم الكاثوليكي، و خطبته الانسانية الجيدة في الامم المتحدة ، في وقت تحتل داعش ثلث العراق، و يصرف العراق ما لا يملك على حروبه مع داعش، في وقت انقلبت الآية و انتبه العالم الى السياسة الامريكية الخاطئة في العراق و سورية، ودخلت روسيا الاتحادية بكل ثقلها مع الجهود الخيرة لمحاربة التطرف الاسلامي مثل داعش و النصرة و غيرها، في وقت نجحت الخارجية الايرانية بإقناع العالم بمشروعها النووي السلمي، في وقت يعاني العالم من الهاربين من حروب داعش و الهجرة التي اصبحت بالملاين، أقول في هذا الوقت العصيب بالذات، تكلم عن ماذا ، هذا السيد الجعفري ؟؟؟
حتى انه لم يتفلسف كعادته، بل كل ما توصلت له انه كرر مصطلح تعلمه مؤخراً وهو
(التنمية المستدامة Sustainable Growth)، التي لا يعرف معناها ومع ذلك كررها اكثر من ست مرات في خطابه.
سأخاطر و اشرح للجعفري ما ذا يعني مصطلح التنمية المستدامة
النمو المستدام ، يحدث عندما يزداد النمو الاقتصادي لبلد بمرور الزمن و يأخذ شكلا تصاعديا يشكل ما يسمى ( نسبة النمو المستدام). لكن ذلك يحدث فقط بعد ان تضع الدول المستضعفة خططها و تنفذها و تراقبها، ثم تطورها، و بعد ذلك تحافظ عليها، وتنفذ ما هو معروف بالنمو المستدام .
و العراق كما نعرفه ابعد من ان يخطط الان لتنمية مستدامة ، أنه اقتصاده يعتمد على مورد واحد وهو النفط فقط الذي يشكل ٩٥ ٪ من ميزانيته.
لكن ، لماذا لم يستغل السيد الجعفري وجود كل الشخصيات الدولية في مقر الامم المتحدة ليطالب بمساهمة الدول في تكاليف الحرب على الارهاب الذي يعترف بخطورته على الجميع العالم كله؟ لماذا لم يأت بقائمة طويلة من احتياجات العراق العسكرية و المادية، و يطالب العالم بالمساهمة في تمويلها ما يبلغ ٢٠ بليون دولار بالنسبة للملكة السعودية التي ادعّت مؤخراً بجهدها في محاربة الارهاب الذي هو من صنعها وباعتراف نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن؟ بينما طالب الفيلسوف الجعفري بالمساعدة في اعادة بناء المناطق التي حررت من الدواعش. ألا يعلم هذا الفيلسوف، كما يعلم كل طلاب المدارس المتوسطة و الثانوية، ويعلم كل العالم، و انا معهم، أن تلك المناطق (المحررة) مازالت تحت نار الدواعش بين كر وفر، و ان اعادة بنائها و تنميتها غير ممكن إلا بعد القضاء على الدواعش كلياً، و ان حتى تلك الاموال لو أوفى الذين وعدوا بمساعدة العراق، ستبقى تحت النظر الى يوم التحرير الحقيقي، اي ان ما طالب به الوزير لم يحدث و لم يأتي وقته بعد .
فماذا قال وزير الخارجية حتى ولو بطرق فلسفية؟ قال،لا شىء. ان الرجل مغرم بنفسه، و ربما اكثر من الدون علاوي في وقت يحتاج العراق الى وزير خارجية شجاع و صريح و مباشر و يحرج الاخرين إن وعدوا. يحتاج العراق لشخص ولو بنصف شجاعة السيد العبادي و صراحته . يحتاج العراق الى شخص مثل وزير خارجية ايران او حتى سورية .
لكن ما توصلتُ اليه عند استماعي الى كلمة السيد الجعفري ان الرجل مازال غارقاً في حب الذات، و يتصور ان الشعب العراقي مملوء بالجهلة و الاميين، لذا ، و كما قال الدكتور على الوردي عن ابن خلدون و حبه لشخصه .عندما كان جيش تيمورلنك محاصرا لدمشق، و ذهب ابن خلدون لمقابلة تيمو لنك مع بعض الشخصيات الشامية. فانبرى قائلاً:
” ايدك الله ، لي اليوم ثلاثون او اربعون سنة اتمنى لقاءك. فسأله الترجمان عبد الجبار: و ما سبب ذلك ؟ فقال ابن خلدون: امران ،الاول انك سلطان العالم ، و ملك الدنيا، و ما اعتقد انه ظهر في الخليقة منذ آدم ملك مثلك ، ولستُ من يقول بالأمور جزافا، فاني من اهل العلم (علي الوردي، منطق ابن خلدون، ص٢٥٠).
هكذا تصورت الجعفري ذهب ليتفلسف في رؤؤس قادة السياسة العالمية في مقرها، و الا ماذا قال عن معانات العراق و عن الفقر و العوز، و الجهل و شحة المياه و سطوة الارهاب الخليجي؟ ماذا قال عن هبوط مستوى التعليم في العراق، ليطالب العالم بالحفاظ على حضارة العراق، و تاريخه؟
عن ماذا تكلم وزير الخارجية ؟ لا اعرف. لست متجاوزاً عندما اقول باني لم افهم عماذا تكلم الرجل بالضبط . الا اللهم، او ربما، مقتطفات من الكتاب الاخضر للقذافي. تكلم دون ان يقرأ ما في الورقة امامه. تصوروا و تسائلوا مثلا. ما الفرق بين الشخص الكبير الطاعن في السن و بين الكهل ؟؟؟ كما استشهد بها كتعدد ضحايا الارهاب. ام كان السيد الجعفري كغيره ، من المغرمين بحرف الواو للتكرار و الاضافة و الاستشهاد ، و الاهم ، للتاكيد على عمق المعرفة و سعة الاطلاع .
ادناه رابط لخطابه في مقر الامم المتحدة، استمعوا الى هذه اللهلوسة الفارغة و لكم محاسبتي ان كنت متجاوزاً، او ارحموني لاني اضطررت ان استمع لكلمة رجل ثلاث مرات عسى أن استوعب ما كان يهدف له في كلمته الفلسفية تلك . فأضاع فرصة كبيرة للمطالبة بالمساهمة المادية و العسكرية للعراق كونه يحارب داعش نيابة عن كل البشرية .، وهذا رابط خطاب الوزير الجعفري:
لست ممن يطيل في الكتابة و لست ممن يتخوف من قول الحقيقة، و انا معروف ، من يسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية، و الاشخاص باوصافهم، وعلمهم ام عدم علمهم. لكن، غرد يا جعفري ، فهذا هو حال العراق اليوم ، و لست انت من يشذ عن القاعدة، عن هذه الحالة الميؤوس منها .ربما لأنك لم تقل شيئاً في هذه المناسبة المهمة، احسن من ان تقول في تيمورلنك كما قال ابن خادون .
لكن “لله في خلقه شؤون ” .