الرئيسية / مقالات / استجواب أم انقلاب؟

استجواب أم انقلاب؟

السيمر / الأربعاء 03 . 08 . 2016

عمر عبد الستار / بغداد

أوعز رئيس الوزراء حيدر العبادي بالمنع المؤقت لسفر من وردت أسماؤهم في جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي تحت قبة البرلمان يوم أمس الأول.
وقد أوعز العبادي أيضا إلى هيئة النزاهة بالتحقيق في الاتهامات التي أثيرت في تلك الجلسة، مؤكدا ألا “أحد فوق القانون”.
وكان وزير الدفاع خالد العبيدي، قد اتهم في جلسة استجوابه في البرلمان، الاثنين (01/08/2016)، رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونوابا بممارسة عمليات ابتزاز لتمرير عقود تسليح حولها شبهات فساد تقدر بملايين الدولارات.
وقد تحولت جلسة استجواب وزير الدفاع الثانية خلال أقل من عام إلى استجواب معاكس وغير مسبوق في “عراق-2003″، ليس ضد النائبة عالية نصيف، التي قامت باستجوابه، بل ضد رئيس مجلس النواب ونواب في المجلس.
فبعد أخذ ورد مع المستجوِبة النائبة عالية نصيف، رد وزير الدفاع على استجوابها إياه بكلام قاس،ٍ وهدد بكشف ملفات فساد تورط فيها رئيس البرلمان العراقي ونواب آخرون ذكر أسماء بعضهم، إضافة إلى مسؤولين حكوميين. وقد قطعت الدائرة الإعلامية للبرلمان الصوت ست مرات لحجب أسماء بعض النواب وتجار اتهمهم وزير الدفاع بابتزازه.
وكشف الوزير في استجوابه عن تورط رئيس البرلمان بعقود تسليح؛ ما أدى الى انسحاب رئيس البرلمان من رئاسة الجلسة معلنا أنه لن يعتلي منصة رئاسة مجلس النواب إلى حين إثبات براءته من التهم.
وقد التقط رئيس الوزراء رأس الخيط، فأوعز إلى هيئة النزاهة بالتحقيق في الاتهامات التي أثيرت في تلك الجلسة، ثم عاد في اليوم التالي فأمر بالمنع المؤقت لسفر من وردت أسماؤهم في جلسة الاستجواب.
وغريب أن يتم استجواب وزير الدفاع مرتين خلال أقل من عام، وهو من تم في عهده تحرير كثير من المناطق من “داعش”!
وأكثر غرابة أن يكون استجواب وزير الدفاع في المرتين، من قبل نواب محسوبين على رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي سقط ثلث مساحة العراق في عهده وعهد وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي!
والأكثر غرابة أن يتم استجواب وزير الدفاع بعد تحرير الفلوجة، والجيش العراقي يتهيأ لمعركة نينوى. والسؤال كيف تم استجواب وزير دفاع يهم بالحشد والنفير لتحرير نينوى وإعادة هيبة الجيش التي انكسرت في سقوطها بيد “داعش”؟
هل كان الهدف من الاستجواب تحطيم نفسية الوزير وهيبة جيشه قبل معركة نينوى؟ أم كان الهدف تأخير تحرير نينوى؟ أم فرض مشاركة “الحشد الشعبي” في المعركة؟
لقد فتح وزير الدفاع باستجوابه المعاكس أبوابا وأغلق أخرى.
فقد أغلق، وهو القادم من مؤتمر وزراء دفاع التحالف الدولي في واشنطن قبل أيام، كل الأبواب بوجه من أراد تحطيم نفسيته والنيل من هيبة الجيش لتأخير معركة نينوى، فخرج العبيدي منتصرا، وأخذ يجوب الأعظمية والكاظمية وسط ترحيب الناس.
وفتح العبيدي أبوابا ربما لمعركة إصلاح طال انتظارها، واصطف باستجوابه المعاكس مع الشعب الذي بُحَّ صوته وهرم من أجل هذه اللحظة التاريخية وهو يطالب بكشف الفاسدين وإصلاح العملية السياسية.
وقد يعطي هجوم العبيدي زخما ليس لمعركة نينوى فحسب، بل لتظاهرات مقتدى الصدر أيضا. وقد يستفيد الصدر ويدخل من باب فتحه العبيدي ويجعله انطلاقة لمشروعه الذي خفت وهو بحاجة لانطلاقة جديدة. وقد يجد الصدر في سليم الجبوري صيدا سهلا، وخاصة أن “كتلة الاحرار” دعت إلى رفع الحصانة عمن وردت أسماؤهم في جلسة الاستجواب.
وقد يكون العبادي بانتظار رأس الخيط الذي رماه له العبيدي، فوجه بفتح تحقيق ومنع سفر من ورد اسمه. وقد يكون العبادي بانتظار هذه اللحظة التاريخية، وها قد جاءته على طبق من ذهب.
فهل يتجرأ العبادي على طرق الحديد وهو ساخن ويطلب وفق الدستور من رئيس الجمهورية حل مجلس النواب؟ ولا سيما أن العبادي على أبواب نهاية السنة الثانية من فترته الانتخابية وبداية السنة الثالثة يوم 11-8-2016. وهل سنشهد بداية السنة الثالثة حل مجلس النواب وفق الدستور مثلا؟ أم قد يستغل حالة الصدمة البرلمانية بسبب رصاصات العبيدي، ويشكل حكومة طوارئ بطلب من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وغالبية الثلثين البرلمانية، وتتكفل الحكومة بإدارة شؤون البلاد أثناء حالة الطوارئ وتفتح ملفات فساد متراكمة بعضها فوق بعض.
وإن تم فتح ملفات الفساد، وخاصة أنها اصبحت قضية رأي عام، فإنها ستفتح ليس فقط ملف فساد نواب مجلس النواب والوزراء فحسب، بل وملف سقوط نينوى، المؤرشف في أدراج مجلس القضاء الأعلى منذ عام.
لكن، إذا لم يلجأ العبادي إلى خطوة الحل، ورد رئيس المجلس ومن معه من النواب على اتهامات العبيدي قانونيا وإعلاميا، فإن مصير خالد العبيدي سيقرره تصويت مجلس النواب عليه.
ورغم شعبيته، التي ارتفعت جدا إثر استجوابه المعاكس، فإنه قد يخسر موقعه بعد أن ازداد عدد أعدائه من داخل وخارج كتلته البرلمانية التي هاجم ممثليها والجبوري منهم. وإذا خسر موقعه، فسيلحق بوزير الداخلية المستقيل، وتكون الداخلية والدفاع تحت إدارة العبادي إلى إشعار آخر.
لكنه، إذا خسر منصبه، فقد يكون سجل اسمه في صفحة ذاكرة العراقيين البيضاء. ورئيس البرلمان وإن عاد إلى موقعه، فقد لا يعود كما كان؛ لأن سمعته قد تلطخت كثيرا. لكن، هل سيكون رد سليم الجبوري من القوة بمكان فينقلب ضد وزير الدفاع الذي انقلب عليه؟
فرغم هجوم وزير الدفاع الصاعق خلال الاستجواب الذي سبقه سلسلة لقاءات مع الجعفري والعامري والحكيم، فإنه لم يبرز أدلة اتهامه للنواب، واكتفى بالقول إن من اتهمهم قد ساوموه بأمور ذكرها وأنه رفض.
ورغم أنه يجب أن يشجَّع على رفضه المثول أمام نواب فاسدين بزعمه، لكنه وباستثناء اتهامه إلى عالية نصيف بالفساد، فإنه لم يكن شجاعا بما يكفي ليكشف حيتان الفساد من خارج كتلته الهشة.
وفي حين أن العبيدي شتم نوابا، فقد ذكر اسم نوري المالكي باحترام ملحوظ حين ورد اسمه على لسانه!
وختاما، فرغم أهمية استجواب وزير الدفاع، فإن الأهم تداعياته، التي لم يحسب حسابها أحد من السياسيين، والعراق يقف على أبواب اليوم التالي لـ”داعش”.

روسيا اليوم

اترك تعليقاً