فيينا / الأثنين 01. 04 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. لبيب قمحاوي / الاردن*
السقوط العربي بشكل عام يفوق الوصف في جسامته بالنسبة لكثير من العرب خصوصاً أولئك الذين عايشوا حقبة “أمجاد ياعرب أمجاد” أو بقاياها . السقوط العربي قد يأخذ أشكالاً وأنماطاً مختلفة لعل أكثرها خطورة بعد فك الارتباط العضوي والسياسي بالقضية الفلسطينية هو ما يجري الآن من كيفية التعامل،أو بالأصح عدم التعامل،مع المذابح اليومية الدائرة ضد الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية في إقليم غزة، والتعامل معه باعتباره خَبَراً يومياً متكرراً قد أصبح يبعث على الغضب بالنسبة للبعض وعلى الأسى بالنسبة للبعض الآخر من العرب وعلى الملل واللامبالاة بالنسبة للكثيرين من الأعراب .
هذا بالضبط هو واقع الحال الذي تريد اسرائيل إيصال العرب والعالم إليه مما يسمح بسهولة وإنسياب وإستمرار المخططات الاسرائيلية الاجرامية . وهنا يبرز السؤال فيما إذا كان َتبَلٌّد الاحساس العربي الرسمي تجاه قضية فلسطين والفلسطينيين يجعل من الموقف العربي تجاه ما يجري في إقليم غزة من عملية إبادة للفلسطينيين وتدميراً لمجتمعهم أمراً يقترب من اللامبالاة واللاموقف ويتميز بخطوات أقل ما يمكن وصفها به أنها خطوات رفع عتب يفهمها الاسرائيليون والأمريكان على حقيقتها بأنها لا تعني شيئاً ولا تشكل أساساً لموقف عربي رافض وفعَّال في ضغوطه الرامية إلى وقف اطلاق النار. فالموقف العربي في الاحتجاج الواهن والتعبير اللفظي عن الحزن والغضب والرفض لن يفيد الفلسطينيين بشي، خصوصاً وأن أقصى ما حصلوا عليه أو يمكن أن يحصلوا عليه من العرب ضمن الظروف السائدة هو أكوام من المساعدات الانسانية التي يخضع ادخالها في كل الاحوال إلى رضى وموافقة سلطات الاحتلال والعدوان الاسرائيلي .
يعتبر الحديث في العلاقات العربية – الفلسطينية وعلاقة الانظمة العربية بالقضية الفلسطينية من اكثر الأمور حساسية وتعقيداً. فالحديث في هذا الموضوع تحديداً يعني تجاوز العديد من الخطوط الحمراء بالنسبة للأنظمة العربية كونه يطرح موضوع سيادتها الوطنية أو مصالحها وسياساتها القُطرْية مقابل الالتزام القومي من جهة، وأولوية الصراع مع العدو الصهيوني مقابل تناقض ذلك مع أولويات وسياسات أخرى تتبناها الأنظمة العربية المعنية تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية والفلسطينيين من جهة أخرى. وقد تداخلت الأمور بشكل عميق ومعقد منذ أن دخلت بعض الأنظمة العربية في سراديب التطبيع بل والمغالاة في ذلك التطبيع إلى الحد الذي جعل بعضها يتعامل مع مفردات القضية الفلسطينية وكأنها جزء من المحرَّمات السياسية التي تستوجب العقاب، في الوقت الذي اختارت فيه اسرائيل أن تتعامل مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين بوحشية علنية غير مسبوقة في العصر الحديث .
يتعامل العرب الآن مع قضية فلسطين بأنها قضية ثنائية حصراً بين الاسرائيليين والفلسطينيين وأن الدور العربي قد أصبح عبارة عن دور الطرف الإقليمي الثالث المُراقِب والذي يمكن أن ينحاز لهذا الطرف أو ذاك طبقاً لمصالحه الخاصة، وليس من منطلق قومي عروبي أو إستراتيجي يستشرف الخطر الاسرائيلي المستقبلي . هنالك تقدير من قبل بعض الأنظمة العربية يفترض إمكانية التعامل مع اسرائيل باعتبارها دولة جوار أو دولة في الإقليم يمكن أن ترتبط مع جيرانها بعلاقات صداقة يحكمها القانون الدولي . هذه النظرة تعكس سذاجة مطلقة في فهم طبيعة الكيان الاسرائيلي . خطورة هذا الأمر أن الأنظمة العربية المعنية تنظر إليه من زاوية رغبتها الِخَفيَّة في الخلاص من الِحمْل أو العبئ الفلسطيني، وليس من زاوية خطر اسرائيل الاستراتيجي المستقبلي عليها وعلى مصالح دولها وهو خطر حقيقي . ولكن تبقى الحقيقة في أن التعامل مع ذيول القضية الفلسطينية باستخفاف أو استهتار قد يؤدي بالنتيجة إلى تحقيق الحلم الصهيوني بتأسيس دولة يهودية من النيل إلى الفرات .
يحظى الصراع مع اسرائيل كقوة إحتلال غاشمة بأولوية في الاهتمام الفلسطيني على أية خلاف مع الانظمة العربية خصوصاً وأن موقف هذه الأنظمة من القضية الفلسطينية قد لا يُعَبرِّ عن موقف شعوبها المؤيد للحقوق الفلسطينية وللقضية الفلسطينية بشكل عام. وهكذا، يقع الفلسطينيون بإستمرار في فخ ازدواجية إنتمائهم الفلسطيني والعربي من جهة، وتعدد التحديات والمرجعيات الواجب عليهم التعامل معها للوصول إلى حلول لتلك التحديات المتعددة من جهة أخرى . فالفلسطينيون المحتلون والمحاصَرون والمُحَارَبون من عدة أطراف يتوجب عليهم التوصل إلى حلول لفتح القنوات المسدودة أمامهم سواء من القريب أوالبعيد بغض النظر إذا ما كانت تلك الحلول سلمية أونضالية . ولا يُجدي في هذه الحالة القاء اللوم على الفلسطينيين إذا ما إختاروا مقاومة الاحتلال كوسيلة لإعادة قضيتهم التي نسيها العرب والعالم أو كادوا إلى مجرى الأحداث وفتح القنوات المسدودة أمامها .
واستناداً إلى هذا الوضع الشائك والشاذ، يشعر الفلسطينيون بالرغم من كل معاناتهم أنه لا يجوز السماح بالعبث باستقرار أي دولة عربية كعذر للتعبير عن دعم الفلسطينيين ورفض العدوان المجرم عليهم . هذه ليست دعوة لأي نظام عربي لتجاوز الحدود في التعامل مع مظاهر التعبير السلمي لشعبه في رفض العدوان وتأييد الحقوق الفلسطينية . فالأصل هو التأكيد على أن أي دعوة،سواء أكانت معلنة أو مبطنة، للإخلال بأمن أي دولة عربية تحت شعار دعم الفلسطينيين في إقليم غزة وإدانة الاجرام الاسرائيلي هي دعوة مرفوضة فلسطينياً .
المعركة هي مع اسرائيل وليس مع أي دولة عربية،وإن كان من المتوقع بل من المفروض على كل دولة عربية خصوصاً أولئك الذين تربطهم باسرائيل اتفاقيات سلام أو تطبيع على حد سواء، أن تراعي مشاعر شعوبها وأن تتعامل مع العدو الاسرائيلي بصفته دولة معتدية على الشعب الفلسطيني وبأسلوب وحشي وتدميري . وهذا الأمر لا يتطلب بالضرورة من الدول العربية المعنية أن تأخذ مساراً أو مسارات قد تؤثر حقيقة على أمنها القومي كما يحلو لبعض الانظمة العربية أن تَدَّعي مراراً وتكراراً تبريرأ لموقفها السلبي. إن موقف اللامبالاة والمتفرج السلبي الذي قد تأخده أي دولة عربية قد يكون هو السبب الحقيقي لتأجيج مشاعر وغضب شعوبها وليس العكس . على الأنظمة العربية بالتالي أن لا تنقل المعركة من معركة مع العدو الاسرائيلي إلى معركة بين الأنظمة العربية وشعوبها أو إلى معركة فلسطينية – عربية . باختصار من الواجب عدم السماح بنقل المعركة من معركة بين الفلسطينيين واسرائيل، إلى معركة بين الفلسطينيين والعرب أو بين العرب أنفسهم .
*مفكر عربي
01 . 04 . 2024