فيينا / الاربعاء 03 . 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن في تفسير الميسر: قوله جل جلاله “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (التكوير 15) فَلَا: فَ حرف استئنافية، لَا حرف نفي، اقسم فعل، بِالْخُنَّسِ: بِ حرف جر، الْ اداة تعريف، خُنَّسِ اسم. فلا أقسِم: (أقـْسِم) و”لا” مزيدة. أقسم الله تعالى بالنجوم المختفية أنوارها نهارًا، الجارية والمستترة في أبراجها، والليل إذا أقبل بظلامه، والصبح إذا ظهر ضياؤه، إن القرآن لَتبليغ رسول كريم- هو جبريل عليه السلام-، ذِي قوة في تنفيذ ما يؤمر به، صاحبِ مكانة رفيعة عند الله، تطيعه الملائكة، مؤتمن على الوحي الذي ينزل به. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل جلاله “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (التكوير 15) “فلا أقسم” لا زائدة “بالخُنَّس”.
جاء في معاني القرآن الكريم: قسم القسم: إفراز النصيب، يقال: قسمت كذا قسما وقسمة، وقسمة الميراث، وقسمة الغنيمة: تفريقهما على أربابهما، قال: “لكل باب منهم جزء مقسوم” (الحجر 44)، “ونبئهم أن الماء قسمة بينهم” (القمر 28)، واستقسمته: سألته أن يقسم، ثم قد يستعمل في معنى قسم. قال تعالى: “وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق” (المائدة 3). ورجل منقسم القلب. أي: اقتسمه الهم، نحو: متوزع الخاطر، ومشترك اللب، وأقسم: حلف، وأصله من القسامة، وهي أيمان تقسم على أولياء المقتول، ثم صار اسما لكل حلف. قال: “وأقسموا بالله جهد أيمانهم” (الأنعام 109)، “أهؤلاء الذين أقسمتم” (الأعراف 49)، وقال: “لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة” (القيامة 1 – 2)، “فلا أقسم برب المشارق والمغارب” (المعارج 40)، “إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين” (القلم 17)، “فيقسمان بالله” (المائدة 106)، وقاسمه، وتقاسما، قال تعالى: “وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين” (الأعراف 21)، “قالوا تقاسموا بالله” (النمل 49)، وفلان مقسم الوجه، وقسيم الوجه أي: صبيحة، والقسامة: الحسن، وأصله من القسمة كأنما آتى كل موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت، وقيل: إنما قيل مقسم لأنه يقسم بحسنه الطرف، فلا يثبت في موضع دون موضع، وقوله: “كما أنزلنا على المقتسمين” (الحجر 90) أي: الذين تتقاسموا شعب مكة ليصدوا عن سبيل الله من يريد رسول الله (وهذا قول الفراء. انظر: معاني القرآن 2/91، وتفسير الماوردي 2/378)، وقيل: الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة والسلام (انظر: تفسير الماوردي 2/378، والدر المنثور 5/98، وتفسير مشكل القرآن لمكي ص 127). خنس قوله تعالى: “من شر الوسواس الخناس” (الناس 4)، أي: الشيطان الذي يخنس، أي: ينقبض إذا ذكر الله تعالى، وقوله تعالى: “فلا أقسم بالخنس” (التكوير 15)، أي: بالكواكب التي تخنس بالنهار، وقيل: الخنس هي زحل والمشتري والمريخ لأنها تخنس في مجراها (راجع هذه الأقوال في الدر المنثور 8/431)، أي: ترجع، وأخنست عنه حقه: أخرته.
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (خنس) “فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس” (التكوير 15-16) وهي خمسة أنجم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، وسميت بذلك لأنها تخنس في مجراها أي ترجع وتكنس كما تكنس الظباء في كنسها، و “الخناس” (الناس 4) الشيطان لعنه الله تعالى لأنه يخنس إذا ذكر الله تعالى، وفي التفسير له رأس كرأس الحية يجثم على القلب فإذا ذكر الله تعالى خنس أي تراجع وتأخر وإذا ترك ذكر الله رجع إلى القلب يوسوس فيه.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (التكوير 15) أكد سبحانه ما تقدم بالقسم فقال “فلا أقسم” أي فأقسم ولا زائدة وقد ذكرنا اختلاف العلماء فيه عند قوله “لا أقسم بيوم القيامة” “بالخنس” وهي النجوم تخنس بالنهار وتبدو بالليل. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله جل جلاله “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (التكوير 15) المراد بالخنس الكنس جميع النجوم، وقيل: بل النجوم الخمس فقط: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، وهي جوار لأنها تدور في أفلاكها، واختلفوا لما ذا وصفت بالخنس الكنس ؟. قال الشيخ محمد عبده ما معناه: ان اللَّه سبحانه وصفها بالكنس لأنها تختفي عن الرائي في ضوء الشمس كما تختفي الظبية في كناسها، ووصفها سبحانه بالخنس لأنها ترجع إلى الظهور للعيان بعد غياب الشمس، ويتفق هذا في نتيجته مع تفسير الطبرسي في مجمع البيان حيث قال ما نصه بالحرف: “هي النجوم تخنس بالنهار، وتبدو بالليل”. والفرق بين التفسيرين أن الخنس هنا عند صاحب المجمع هو الاختفاء، والكنس الظهور، والعكس عند الشيخ محمد عبده.. وعلى أية حال فإن اللَّه سبحانه أقسم بالنجوم للتنبيه إلى ما في صنعها من الدلائل على قدرة المبدع وحكمته.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل جلاله “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ” (التكوير 15) الخنس جمع خانس كطلب جمع طالب، والخنوس الانقباض والتأخر والاستتار، والجواري جمع جارية، والجري السير السريع مستعار من جرى الماء، والكنس جمع كانس والكنوس دخول الوحش كالظبي والطير كناسة أي بيته الذي اتخذه لنفسه واستقراره فيه. وتعقب قوله: “فلا أقسم بالخنس” إلخ بقوله: “والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس” يؤيد كون المراد بالخنس الجوار الكنس الكواكب كلها أو بعضها لكن صفات حركة بعضها أشد مناسبة وأوضح انطباقا على ما ذكر من الصفات المقسم بها: الخنوس والجري والكنوس وهي السيارات الخمس المتحيرة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد فإن لها في حركاتها على ما تشاهد استقامة ورجعة وإقامة فهي تسير وتجري حركة متشابهة زمانا وهي الاستقامة وتنقبض وتتأخر وتخنس زمانا وهي الرجعة وتقف عن الحركة استقامة ورجعة زمانا كأنها الوحش تكنس في كناسها وهي الإقامة. وقيل: المراد بها مطلق الكواكب وخنوسها استتارها في النهار تحت ضوء الشمس وجريها سيرها المشهود في الليل وكنوسها غروبها في مغربها وتواريها. وقيل: المراد بها بقر الوحش أو الظبي ولا يبعد أن يكون ذكر بقر الوحش أو الظبي من باب المثال والمراد مطلق الوحوش. وكيف كان فأقرب الأقوال أولها والثاني بعيد والثالث أبعد.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: (الخنّس): جمع (خانس)، من (خنس) وهو الإنقباض والإختفاء، ويقال للشيطان: (الخنّاس)، لأّنه إذا ذُكر اللّه تعالى، وكما ورد في الحديث الشريف: (الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر اللّه خَنَس). (الجوار): جمع (جارية)، وهي الشي الذي تتحرك بسرعة. (الكنّس): جمع (كانس)، من (كنس)، على وزن (شمس)، وهو الإختفاء، و(كناس) الطير والوحش: بيت يتخذه. ولكنْ ما هي الأشياء المقصودة بهذا القسم؟ يعتقد كثير من المفسّرين، إنّها الكواكب الخمسة السيارة التي في منظومتنا الشمسية، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة (عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري وزحل). ونقول توضيحاً: لو تأملنا السماء عدّة ليال، لرأينا أنّ نجوم السماء أو القبة السماوية تظهر وتغيب بشكل جماعي من دون أنْ تتغير الفواصل والمسافات فيما بينها، وكأنّها لئاليء خيطت على قطعة قماش داكن اللون، وهذه القطعة تتحرك من المشرق إلى المغرب، إلاّ خمسة كواكب قد خرجت عن هذه القاعدة، فنراها تتحرك وليس بينها وبين بقية النجوم فواصل ثابتة، وكأنّها لئاليء قد وضعت على تلك القطعة وضعاً، من دون أنْ تخيّط بها. وهذه الكواكب الخمس هي المقصود في هذا التفسير، وما نلاحظه من حركتها إنّما تكون لقربها منّا لا نتمكن من تمييز حركات بقية النجوم لعظم المسافة فيما بيننا وبينها. ومن جهة أُخرى: ينبغي التنويه إلى أنّ علماء الفلك يطلقون على هذه الكواكب اسم (الكواكب المتحيرة)، لأنّها لا تتحرك على خط مستقيم ثابت، فتراها تسير باتجاه معين من الزمن ثمّ تعود قليلا ومن ثمّ تتابع مسيرها الأوّل وهكذا ولهؤلاء العلماء من البحوث العلمية في تحليل هذه الظاهرة. وعليه يمكن حمل إشارة الآيات إلى الكواكب السيّارة (الجوار)، التي في سيرها لها رجوع (الخنس)، ثمّ تختفي عند طلوع الفجر وشروق الشمس… فهي تشبه غزالا يتصيد طعامه في الليل وما أنْ يحّل النهار حتى يختفي عن أنظار الصيادين والحيوانات المفترسة فيذهب إلى (كناسه)، ولذا وصفت الكواكب بـ (الكنّس). وثمّة احتمال آخر: (الكنّس): اختفاء الكواكب في ضوء الشمس. أي إنّها حينما تدور حول الشمس، تصل في بعض الوقت إلى نقطة مجاورة للشمس فيختفي نورها تماماً عن الأبصار، وهوما يعبّر عنه علماء الفلك بـ (الأحتراق). و(الكنّس): في نظر بعض آخر: إشارة إلى دخول الكواكب في البروج السماوية، وذلك الدخول يشبه اختفاء الغزلان في أماكن أمنها. وكما هو معروف، إنّ كواكب مجموعتنا الشمسية لا تنحصر بهذه الكواكب الخمس، بل ثمة ثلاثة كواكب أُخرى (أُورانوس، بلوتون، نبتون) ولكنّها لا ترى بالعين المجرّدة لبعدها عنّا، وللكثير من هذه السيّارات قمراً أو أقماراً،، فعدد كواكب هذه المجموعة بالإضافة إلى الأرض هو تسعة كواكب. و(الجوري): توصيف جميل لحركة الكواكب، حيث شبّه بحركة السفن على سطح البحر. وعلى أيّة حال، فكأنّ القرآن الكريم يريد بهذا القسم المليء بالمعاني الممتزجة بنوع من الإبهام، كأنّه يريد إثارة الفكر الإنساني، وتوجيهه صوب الكواكب السيّارة ذات الوضع الخاص على القبة السماوية، ليتأمل أمرها وقدرة وعظمة خالقها سبحانه وتعالى. وثمّة احتمالات أُخرى في هذا الموضوع أهملناها لضعفها. وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في تفسير الآيات المذكورة:(هي خمسة أنجم: زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد).