فيينا / الخميس 31 . 10 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى عن ذلة “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ” (البقرة 61) الذِّلَّةُ: ال اداة تعريف، ذِّلَّةُ اسم. الذلّة: الذلّ و الصّغار و الهوان. واذكروا حين أنزلنا عليكم الطعام الحلو، والطير الشهي، فبطِرتم النعمة كعادتكم، وأصابكم الضيق والملل، فقلتم: يا موسى لن نصبر على طعام ثابت لا يتغير مع الأيام، فادع لنا ربك يخرج لنا من نبات الأرض طعامًا من البقول والخُضَر، والقثاء والحبوب التي تؤكل، والعدس، والبصل. قال موسى -مستنكرًا عليهم: أتطلبون هذه الأطعمة التي هي أقل قدرًا، وتتركون هذا الرزق النافع الذي اختاره الله لكم؟ اهبطوا من هذه البادية إلى أي مدينة، تجدوا ما اشتهيتم كثيرًا في الحقول والأسواق. ولما هبطوا تبيَّن لهم أنهم يُقَدِّمون اختيارهم -في كل موطن- على اختيار الله، ويُؤْثِرون شهواتهم على ما اختاره الله لهم، لذلك لزمتهم صِفَةُ الذل وفقر النفوس، وانصرفوا ورجعوا بغضب من الله، لإعراضهم عن دين الله، ولأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ظلمًا وعدوانًا، وذلك بسبب عصيانهم وتجاوزهم حدود ربهم. قوله جل كرمه “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ” ﴿آل عمران 112﴾ الذِلة: الذلّ و الصَّغار و الهوان. جعل الله الهوان والصغار أمرًا لازمًا لا يفارق اليهود، فهم أذلاء محتقرون أينما وُجِدوا، إلا بعهد من الله وعهد من الناس يأمنون به على أنفسهم وأموالهم، وذلك هو عقد الذمة لهم وإلزامهم أحكام الإسلام، ورجعوا بغضب من الله مستحقين له، وضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة، فلا ترى اليهوديَّ إلا وعليه الخوف والرعب من أهل الإيمان، ذلك الذي جعله الله عليهم بسبب كفرهم بالله، وتجاوزهم حدوده، وقَتْلهم الأنبياء ظلمًا واعتداء، وما جرَّأهم على هذا إلا ارتكابهم للمعاصي، وتجاوزهم حدود الله.
وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى عن ذلة “لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” ﴿يونس 26﴾ بين سبحانه أهل دار السلام فقال: “لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى” ومعناه للذين أحسنوا العمل وأطاعوا الله تعالى في الدنيا جزاء لهم على ذلك الحالة الحسنى والمنزلة الحسنى وهي الحالة الجامعة للذات والنعيم على أكمل ما يكون وأفضل ما يمكن وهو تأنيث الأحسن “وزيادة” ذكر في ذلك وجوه (أحدها) أن الحسنى الثواب المستحق والزيادة التفضل على قدر المستحق على طاعاتهم من الثواب وهي المضاعفة المذكورة في قوله “فله عشر أمثالها”عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة (وثانيها) الزيادة هي إن ما أعطاهم الله تعالى من النعم في الدنيا لا يحاسبهم به في الآخرة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (وثالثها) أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عن علي عليه السلام وقيل الزيادة ما يأتيهم في كل وقت من فضل الله مجددا (ورابعها) أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى وروي ذلك عن أبي بكر وأبي موسى الأشعري وغيرهما وقد بين الله سبحانه الزيادة في موضع آخر بقوله ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله “وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ” أي: لا يلحق وجوههم سواد عن ابن عباس وقتادة وقيل غبار ولا ذلة أي هو ان وقيل كآبة وكسوف عن قتادة وروى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار فإن فاضت من خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة “أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” مر معناه.
جاء في موقع العرفان عن هيهات منا الذلة: لماذا أخذ عيالهُ معه؟ وجوابهُ: إنّنا في حدود تصوّرنا الممكن لنا، يمكننا أن نحدِّد ونُعدّد عدّة مصالحة حقيقيّة ومهمّة لذلك، نوجزها فيما يلي: أوّلاً: إنّهُ أخذَهم امتثالاً لأمر الله سبحانه، لأنّه هو الذي أمرَه بذلك. وهذا صحيح أكيداً، ومن شواهد تلك العبارة الواردة: (شاء الله أن يراهنّ سبايا)، ولكنّنا إذا أردنا الغرض من الحكمة الإلهيّة في ذلك، وإنّ الله سبحانه لماذا أمرهُ بذلك، لم نجد في هذا السبب وجهاً كافياً، فنعود إلى الوجوه الأخرى التالية. ثانياً: إنّه أخذهم معهُ ليشاركوه في نيل الثواب العظيم المذخور لشهداء كربلاء، كلّ منهم بمقدار استحقاقه، فلماذا يكون الثواب حكراً على الرجال دون النساء، ولماذا يكون له منه حصّة الأسد ويُحرم الباقون، بل الثواب ينبغي أن يوزّع على أوسع نطاق ممكن؟ وهكذا كان. ثالثاً: إنّهم جاءوا معهُ بطلبٍ منهم، وقد استجابَ لطلبهم فأخذهم معه. وقد جاء هذا الطلب حُبّاً لهُ وشوقاً إليه واستيحاشاً من فراقه، وليس كلّ ذلك أمراً دنيوياً فحسب، بل هو كذلك بصفته إمامهم وقائدهم ووليّ الله بينهم، مضافاً إلى توقّعهم نيل الثواب معه، كما أشرنا في الوجه السابق. رابعاً: إنّهم جاءوا معهُ أو إنّه أخذَهم معه، بحسب الحكمة الإلهيّة ليُكملوا ثورة الحسين بعد مقتله، كما حصلَ ذلك على أفضل وجه، وذلك بأن يكونوا ناطقين أمامَ المجتمع بأهداف الحسين وأهميّة مقتله والإزراء بأعدائه، ويمارسوا الإعلام الواسع حينما لا يكون الرجال قادرين على ذلك بعد موتهم واستئصالهم. وهذا الإعلام كان ضروريّاً للمجتمع تماماً، وإلاّ لذَهبت حركة الحسين عليه السلام في طيّ النسيان والكتمان، ولمَا أثّرت أثرها البليغ في مستقبل الدهر، فكان من الضروري في الحكمة الإلهيّة وجود النساء معهُ لكي يُعبّرنَ عن الحسين ويُدافعنَ عنه بعد مقتله، ومن هنا (شاء الله أن يراهنّ سبايا)، لأنّ هذا السبي دليل عملي قاطع على فضاضة أعدائهم وما يتّصفون به من القسوة واللؤم وعدم العناية بالدين، وهذا وحدهُ يكفي للإعلام إلى مصلحة الحسين عليه السلام فضلاً عن غيره. وهذا التعريف المتأخِّر عن ثورة الحسين عليه السلام ليس لأجل مصلحة الحسين نفسه، ولا لمصلحة أصحابه المستشهدين معه، لأنّهم نالوا بالشهادة ما رزقهم الله جلّ جلاله من المقامات العالية في الدار الآخرة، وإنّما هذا الإعلام أرادهُ الله سبحانه لأجل الناس وهداية المجتمع. فما يقال: من أنّه إكمال لثورة الحسين عليه السلام يراد به الجانب الظاهري في الدنيا، لا الجانب الباطني في الآخرة. وهذا التعريف كما يصلح أن يكون تبكيتاً (تبكيتاً: مثل بكّته: قَرّعهُ وعنّفهُ) وفضحاً لأعداء الحسين عليه السلام في كلّ جيل، ورَدعاً عن التفكير في مثل هذه الجريمة النكراء لكلّ حاكمٍ ظالم على مدى التاريخ، كذلك يصلح لهداية الناس نحو الحسين عليه السلام. وبالتالي نحو دين الله عزّ وجل، ونحو أهداف الحسين الإلهيّة، وبالتالي نحو طاعة الله عزّ وجل والتربية الصالحة في إطاعة الدين وعصيان الشهوات والتمرّد على كلّ ظلمٍ وفساد، سواء كان في المجتمع أو في النفس الأمّارة بالسوء.
جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: قال السبط الشهيد المفدى سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما في خطبته يوم عاشوراء إذ عرض عليه وأصحابه الأمان فأنف من الذل: ” ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين الذلة والسلة، هيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، و حجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبيه من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ألا وانى زاحف بهذه الأسرة ومقلل من هذه الكثرة مع قلة العدد وخذلة الناصر ” ولنعم ما قال الحميري: طعمت أن تسومه الضيم قوم * وأبى الله والحسام الصنيع كيف يلوى على الدنية جيدا * لسوى الله ما لواه الخضوع فأبى أن يعيش الا عزيزا * أو تجلى الكفاح وهو صريع فتلقى الجموع فردا ولكن * كل عضو في الروع منه جموع زوج السيف بالنفوس ولكن * مهرها الموت والخضاب النجيع. وقال صلى الله عليه وآله: من أصبح من أمتي وهمته غير الله فليس من الله، ومن لم يهتم بأمور المؤمنين فليس منهم، ومن أقر بالذل طائعا فليس منا أهل البيت. وكتب صلى الله عليه وآله إلى معاذ يعزيه بابنه “من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل سلام عليك فاني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني جزعك على ولدك الذي قضى الله عليه وإنما كان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة عندك، فمتعك الله به إلى أجل وقبضه لوقت معلوم فانا لله وإنا إليه راجعون، لا يحبطن جزعك أجرك، ولو قدمت على ثواب مصيبتك لعلمت أن المصيبة قد قصرت لعظيم ما أعد الله عليها من الثواب لأهل التسليم والصبر، واعلم أن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع قدرا فأحسن العزاء، وتنجز الموعود فلا يذهبن أسفك على ما لازم لك ولجميع الخلق نازل بقدره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته”.
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك