الرئيسية / ثقافة وادب / الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز

الشاعر سعد الشلاه شاعرية متأخرة لم تأخذ طريقها للبروز

فيينا / الأربعاء 26 . 03 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

محمد علي محي الدين

 الشاعر سعد الشلاه من الشعراء الذين واكبو القصيدة الحديثة، ولد في مدينة الحلة عام 1954م،  درس في مدارسها وبعد اجتيازه مرحلة الدراسة الاعدادية التحق بمعهد الصحة العالي، وبعد تخرجه عمل موظفاً في دوائر الدولة، ثم عاد الى الدراسة لإكمال مشواره العلمي فدخل كلية التربية- جامعة بابل- قسم اللغة العربية وتخرج فيها سنة2016م، أصدر مجموعتين شعريتين بالمشاركة مع الدكتورة اسماء غريب، ومجموعة أخرى من شعره، وصدرت له مجموعة قصصية، ونشر بعض نتاجه في الصحف والمجلات العراقية، وشارك في عدد من المهرجانات والأماسي الشعرية، وكتب بعض النقاد عن تجربته الشعرية، توفي يوم الأثنين 24 آب2020.

   بدأ في نشر نتاجه الشعري في سن متأخر، لأسباب كثيرة في مقدمتها ما يحمل من فكر سياسي معارض حاول التعتيم عليه بسبب الأوضاع السائدة آنذاك، ولأنه سجين سياسي عرف بانتمائه اليساري، كان يتورع عن الظهور في الأوساط الأدبية أو المشاركة في نشاطاتها، خشية أن تودي به الى ما لا تحمد عقباه، وتجره لمسائلات هو في غنى عنها، أو أن يضطر الى الانجرار مع التيار السائد كما فعل كثيرون خشية أو تملقاً، لذلك أنزوى مترقباً الفرصة الملائمة للظهور، وبعد التغيير وإكماله الدراسة الجامعية ، استقام له دخول هذا المعترك بعد أن ألم بعلوم العربية، وتسلح بما يضمن له دخول الساحة الشعرية، حتى تمكن من جذب انتباه النقاد والقراء بفضل أسلوبه المميز وقدرته على التعبير عن قضايا المجتمع والشعب العراقي بشكل خاص، والعالم العربي بشكل عام.

  انماز شعره بلغة شعرية رقيقة وبسيطة، تبتعد عن التعقيد اللغوي المفرط، لكنها لا تخلو من القوة والعمق. واستخدم الأسلوب السهل الممتنع، بابتعاده عن التبسيط المفرط مع المحافظة على سلاسة الكلمات لتصل إلى قلب القارئ بسرعة.

  وكان ملتزماً بالقضايا الاجتماعية والسياسية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالوطن وتوجهاته الفكرية، ومعاناة المواطن، وتناول الحروب والنزاعات والتحديات التي تواجه المواطن العراقي ، وكان يعبر عن آلامه وآماله من خلال قصائده.

  وعلى الرغم من أن شعره يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالواقع الاجتماعي والسياسي، إلا أنه كان يضيف إلى قصائده لمسات من التصوف والفكر الروحي، وما في أساطير بلاد الرافدين، وموروثه الحضاري، وكانت هذه العناصر تُظهر الجانب الروحي للإنسان وتعمق فهمه للحياة والموت والألم.

    يُعدّ الشلاه من الشعراء الذين تركوا بصمة في مسيرتهم الشعرية،  ووُصف شعره بأنه يحمل مشاعر صادقة وعميقة، وأعماله تحمل صوتًا مقاومًا للألم والمعاناة. كما أن بعض النقاد قالوا إن شعره يعكس طبيعة الإنسان العراقي المحارب ضد قوى الظلم، إضافة إلى تلك المسحة الصوفية التي تجعل من شعره مجالًا واسعًا للتأمل. وعبر في قصائده عن قضايا الإنسان بأسلوبه الذي نال به إعجاب الكثيرين من العراقيين والعرب، وكان صوتاً شعرياً متميزاً، متمكناً من التعبير عن قضايا الإنسان بلغةٍ مكثفةٍ.

 وكتب بعض النقاد عن تجربته الشعرية، فقالت الكاتبة والمترجمة الدكتورة سعاد غريب” لَيْسَ مِنْ السَّهْلِ أَبَداً أَنْ تَقْرَأَ لِسَعد الشلاه دُونَ أَنْ تُصِيبَكَ حَيْرَةٌ تُدْخِلكَ فِي دَوّامَاتٍ بِلَا قَرَارٍ مِنَ التِّيهِ وَالسُّؤَالِ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ عَلَيكَ أَنْ تقُومَ بِهِ هُوَ أَنْ تَخْلَعَ النَّعْلَيْنِ أَمَامَ جَذوَةِ قَبَسِ نخْلتهِ وَتَتْرُكَ خَلفَكَ بِدْلةَ التأنّقِ الأكَاديمِيّ وَمَعَاوِلَ البَحْثِ “العِلمِيّ” المُتعَسّفةِ الَّتِي عَادَةً مَا تُغْلِقُ بَصَرَ البَاحِثِ وَبَصيرَتَهُ فَتَجْعَلَ مِنْه بَبّغاءً أَهوجَ يَحْسِبُ أَنَّ كُلَّ النُّصُوصِ تَتَحَدَّثُ بلغةٍ وَاحِدَةٍ وَتَنْتَهِجُ طرُقاً يَحْسِبُهَا تُوصِلُ إِلَى بَرِّ الأَمَانِ وَهِي فِي حَقِيقَةِ الأَمْرِ تُنَاقِضُ بِشَكْلٍ فَاضِحٍ حَرَكَةَ الرّوحِ وَالجَسَدِ. كُلُّ هَذَا لَأَنّ طَبِيعَةَ هَذَا الدِّيوانِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ تَأْبَى أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهَا عَقْلُ “نَاقِدٍ” أَوْ تأويلاتُ حارِسٍ يَدَّعِي ملكِيَّةَ مَقَالِيدِ الحَرْفِ وَالكَلِمَةِ. كَيْفَ لَا وَسِرّ اللَّذَّةِ فِي قصائدِ هَذَا الشَّاعِرِ هُوَ تَحَوُّلُ المَعْنى وَتَغَيُّرُهُ، لَا ثُبُوتُهُ ودَيْمُوميتُهُ، بَلْ كَيْفَ لَا والأصْلُ فِي كُلِّ المَوْجُودَاتِ التَّحَوُّلُ وَالتَّغَيُّرُ الَّذِي إذا لَمْ يُدْرِكْهُ البَاحِثُ فَوَّتَ عَلَى نَفْسِه مُتْعَةَ تَذَوُّقِ مَا فِي هَذَا الدِّيوانِ مِنْ لَذِيذِ الثِّمارِ الوَاحِدَة تِلوَ الأخرى؟!”.

 وفي قصيدته (لن) أبرز ما في داخله من كوامن، وعبر عن فيض ما يختزن، فاستهلها بكلمة موحية(ذات عروج) التي حملت في طياتها اشارات الى الصروح والبروج الفرعونية أو البابلية، وهما يوحيان لرمزين تكمن في داخلهما نزعة العروج لعوالم فكرية، والبحث عن آفاق أخرى طالما حاول الشعراء والمفكرين الارتقاء اليها لمعرفة كنه الأشياء ودلالاتها، فالحيرة والشك والتوسم لمعرفة ما تخفيه العوالم الخفية هو رحلة للوصول الى حقيقة الأشياء، والأسرار الكامنة خلف هذه الحجب المحيطة بالإنسان، فالإنسان الباحث عن الحقيقة يبقى مهما امتدت أيامه غارقاً في متاهات البحث:

ذات عروج

وبينما كان يشدّ زمامَ قلمه البُراق

كتبَ بحروفٍ يؤطّرها أنينٌ خفيّ

لن يكونَ له شأنٌ باليوم الذي أنتِ فيه

ولن يغادرَ أبداً دائرةَ هذا التيه

فقد أدمن همومَه الملوناتِ بالنسيان

فخذي قبسَكِ وعصاكِ ودعيه

يتوارى خلف النقاط والحروف

أيتها المتشبّثة بأهدابِ النجوم

لن ينظرَ بشوقٍ لإشاراتِك الكرزية الشفاه

ولن يشارككِ المنشوراتِ بعد الآن

سيُشرك بكِ ولن يطلبَ رحمةً أو غفرانا

فهو ما زال طفلاً يحبو بين المقامات

وبصدره جبلٌ من العشق لا يُخفيه”

  وقصيدته الأخرى :الى موفق محمد ..المتحرر النبيل، مناجاة لأطياف، ورحلة طويلة بين ربوع مدينة استهلكت أعواماً طويلة من عمره، يجول في معالمها، ويعيش مع شخوصها، فلا زال نهرها الذي أضمرته السنون والأحقاب، يجري وئيداَ متكاسلاً ، تطوف في أجوائه النوارس وطيور السنونو، ولا زال (موفق محمد) يحلم بأيام مضت، وسنين تصرمت، وهو يطوف بين شطها الذي رضع من ثدييه أولى قطرات الحب، ومحلة الطاق التي تعانق نهر الحلة منحنية على خاصرته الملتوية ، يقرأ ما درس من معالمها، وما غاب من شخوصها، وينظر بعينيه الواسعتين في ظلماتها باحثاً عن بصيص من نور، يرشده الى ما أدلهم في خاطره، وضاع في ثنايا تفكيره،      

ما بين النافورةِ ومحلةِ الطاق .. حيثُ للنهر خاصرةٌ

ذلك المكانُ الأجملُ في الكونِ

قِبلة النوارسِ والسنونو منذ سنين

يلف ذراعَه حول خاصرةِ النهرِ

التي رضع من ثديها أولَ قطرة حب

وتعلقت روحُه بها

ذلك المتحررُ النبيلُ ذو الشعر الأبيض

والرأس اليستطيل الى السماء

يدركُ إيماءاتِها .. يقرأ إشاراتِها

بعينين واسعتين يتوه الناظرُ في ظلمتهما

  وأخيراً فالشلاه جمع بين الرومانسية الصوفية والوعي السياسي والاجتماعي، وقدّم شعرًا فنيًا عميقًا ومعبرًا عن أوجاع وآمال الإنسان. تحظى أعماله بتقدير كبير لما تحمله من صدق في التعبير وعمق في الفكرة. ويبقى واحدًا من الشعراء الذين ساهموا في تشكيل معالم الشعر في العراق.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً