السيمر / الأربعاء 19 . 10 . 2016
معمر حبار / الجزائر
لأول مرة فيما يتذكر صاحب الأسطر أنه يخصص مقال لرائعة الرسالة ، وهو الذي كتب عنه في مناسبات عدة عبر صفحته وتدخلاته حين تتاح الفرصة ويستدعي المقام ذلك.
تتطرق الأسطر إلى كيفية إستغلال الدين لأغراض سياسية في قمع السيرة النبوية واحتكار الدين وابتزاز الساسة في أمر لا علاقة له بدين .
أتابع هذا الأسبوع مقال لأحد الأساتذة يتحدث فيه عن الفتاوى التي صدرت من علماء العرب لتحريم فيلم الرسالة.
مفتي السعودية يومها ابن باز رحمة الله عليه يفتي بتحريم فيلم الرسالة، لا يكتفي بالتحريم بل يضغط على سلطان آل سعود يومها وهو الملك فيصل رحمة الله عليه، ليضغط بدوره على الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه ، ويهدده إن لم يوقف فيلم الرسالة فلن يحضر القمة حينها، وسيحرمه من الدعم السياسي الخاص بقضية الصحراء.
وما كان من الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه إلا أن رضخ لضغوط الملك فيصل والذي رضخ لعلماء السعودية الذين حرموا الفيلم. واستدعى الملك الحسن الثاني مصطفى العقاد رحمة الله عليه شخصيا ليخبره بالضغوط التي يتعرض لها ، ويطلب منه في الحال التوقف عن الفيلم، لأنه لم يعد يطيق الضغوط السعودية من سلطان وعلماء.
أريد أن أقول من خلال هذه الأسطر، أن علماء السعودية حين حرموا فيلم الرسالة لم يقرؤوا السيناريو حسب مصطفى العقاد ، واعتمدوا على معلومة خاطئة مفادها أن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر في الفيلم.
وأقرأ فيما بعد أن الإمام عبد الحليم محمود رحمة الله عليه أفتى بتحريم فيلم الرسالة. ولم أكن أعتقد أن عبد الحليم محمود وهو من آيات الله في العلم والفقه وسعة النظر، أن ينزل به المقام إلى تحريم عمل فني في غاية الروعة والجمال كفيلم الرسالة ليقوم بتحريمه ومنعه.
ما أعاتبه على علماء المسلمين ليس التحليل والتحريم، فهذه مسؤولية تقع على رقابهم ويتحملون لوحدهم مسؤوليتها. لكن لماذا يضغط عالم الدين على سلطان من أجل عمل فني كفيلم الرسالة؟، وبسبب هذا الضغط غير المناسب يضغط السلطان بدوره على دولة أخرى كالمغرب، ليحرمها من إنجاز الفيلم وتفوت الفرصة على المغرب لانجاز عمل عالمي في غاية الجمال.
تابعت فيلم الرسالة عشرات المرات ومن خلال عشرات المناسبات، وفي كل مرة يزداد إعجابي بالعمل الفني الرائع، وفي كل مرة أقف على أخطاء تاريخية وقع فيها الفيلم، لكني لم أقف يوما على سبب واحد يدعو إلى تحريم الفيلم، وأنا الذي أتابعه متابعه الناقد الذي يسىء النية لتكون النظرة جيدة.
يبدو لي أن المستوى العالي لفيلم الرسالة من الناحية الفنية كان أعلى بكثير من مستوى علماء الدين، وحين لم يستطيعوا استيعابه إتخذوا من تحريم الفيلم وسيلة ضغط ومنع، لأن الأمة لحد الآن ومنذ الشروع في إعداد فيلم الرسالة سنة 1970، لم ترى عملا فنيا عاليا وساميا مثل فيلم الرسالة، والمنع والتحريم يحسنه الجميع.
وما زلت أتساءل بغرابة، لماذا أتعب علماء الدين أنفسهم وأرهقوا الناس والسلاطين في تحريمهم لفيلم الرسالة. وما كان لهم أن يفسدوا علينا ديننا ودنيانا بفتوى تحريم الرسالة. وكان عليهم أن يستفيدوا من العمل الفني العالمي الذي إمتاز به فيلم الرسالة في تقديم الإسلام في صورة فنية تجذب إليها القريب والبعيد، عوض التحريم غير المناسب الذي حرم الأمة من الاستفادة من الايجابيات العديدة التي إحتواها الفيلم، ودون نكران بعض السيئات التي احتواها الفيلم. وكان باستطاعتهم أن يتدخلوا في تقويم بعض المشاهد التاريخية التي يرونها غير صادقة بما يناسب صحة التاريخ، فيحفظون للفيلم هيبته التاريخية ويبقى جماله الفني يزيّن الفيلم ويشجع الأجيال القادمة على مواصلة إنتاج الأفلام والمسلسلات التي تخدم الأمة بصدق وجمال.