السيمر / الأربعاء 12 . 04 . 2017
معمر حبار / الجزائر
تخرجت من جامعة الجزائر بتاريخ جوان 1990، وعملت يومها بأسبوعية تصدر من غرب البلاد ألا وهي “الصح – آفة” ككاتب مقالات. وكانت بحق من أعظم الجرائد التي أنجبتها الجزائر بعد التغييرات التي طرأت إثر حوادث 5 أكتوبر 1988، خاصة في المجال الإعلامي، لأن ما تعيشه الجزائر الان في مجال الإعلام السمعي البصري وبغض النظر عن إيجابيات وسلبياته، يعود لقرارات تلك الحقبة.
زرت يومها لأول مرة في حياتي المحاكم، وأنا الشاب الذي تنقصه الخبرة ويحتاج للوقوف على الحياة بنفسه، فكانت المحاكم إحدى نوافذ هذه الحياة.
دخل الشاب وهو يحمل صورة زهية بهية عن المحاكم، من خلال ما كان يتابعه عبر الأفلام العربية والأمريكية خاصة، التي كان يتابعها كل يوم خميس وجمعة عبر الرائي الجزائري الوحيد يومها، فكانت هاتين الملاحظتين التي ازدادت رسوخا عبر الزمن، فاستوجب ذكرها لما تحمله من آهات وعبر:
طيلة زياراتي للمحاكم يومها لم أشاهد الأقوياء يتحاكون إلى القاضي، ولم أرقب الأغنياء وأصحاب النفوذ يدخلون المحاكم، لكن رأيت وعبر سنوات الفقراء، والمساكين، والجياع، والعراة، يملؤون قاعات المحاكم، ويزاحمون بعضهم بعضا، وينفقون المال الكثير، والوقت الثمين، والصحة العزيزة الغالية، وقد يصابون من جراء الجري بلا توقف، والأعصاب المشتعلة، بما يقعدهم الفراش، أو يدخلهم القبر، أو يبقيهم في إعاقة دائمة.
وقد رأيت كيف ينقل هؤلاء الفقراء، والمساكين، والجياع، والعراة أحقادهم وبغضهم فيما بينهم إلى أبنائهم وأحفادهم. فلا يسمعون أو يرون سرا إلا تسابقوا في نشره وأضافوا له ما يهد الجبال، ولا يظهر ظل لفضيحة إلا أذاعوها ولو كانت لتهديم سقف، وتشويه عفيفة، وسجن برئ، وتلطيخ بياض.
والملاحظة الثانية التي صدمت الشاب الحديث العهد بالمحاكم، تكمن في كونه لم يشاهد قاضيا أو محاميا يتحدث بفصيح الكلام، أو يرفع صوته أمام الحضور، وكل ما هنالك كلمات بينهما لا يسمعها الحضور. وما زلت إلى اليوم أتساءل عن السبب، فعرفت أن ما يقدم في الأفلام العربية والأمريكية خاصة من فصاحة لسان، وتقديم الحجج والبراهين، وتعجيز أحدهما، وظهور الدليل في آخر لحظة، والأسئلة المحرجة غير المنتظرة، لم يكن لهذا كله أثر في المحاكم التي ظل الشاب يومها يتابعها، وينتظر أخبارها، وقد يكون من وراء ذلك أمية متفشية لدى المتنازعين، وضعف تكوين لدى هيأة القضاء، وعوامل أخرى لم يستطع الشاب الوقوف عليها يومها.
ومن الشهادات التي أعتز بذكرها بعد مرور 27 سنة على الحادثة، حين امتثل فرنسي في قضية معينة أمام المحكمة، فطلب القاضي الجزائري ترجمانا باللغة العربية، وهو الذي يحسن اللغة الفرنسية، فتحية تقدير للقاضي الجزائري على موقفه النبيل.