السيمر / الخميس 08 . 06 . 2017
منير الجلبي *
lتمر بعد ايام قليلة في ال 30 من حزيران/ يونيو 8 اعوام على قيام وزارة النفط الفدرالية بالبدء بعرض ثروات العراق الهيدروكاربونية في المزاد العلني على شركات النفط العالمية (IOCs) في اطار ما سمي “بجولة التراخيص الاولى لعقود الخدمات الفنية/ التقنية TSCs” والتي شملت ستة من حقول النفط المنتجة العملاقة واثنين من حقول الغاز. ثم لتليها بعد ستة اشهر حين منحت الوزارة خمسة من اكبرحقول النفط المكتشفة (والتي لم يبدا استثمارها) لشركات النفط العالمية ضمن جولة التراخيص الثانية المسمات عقودالتطوير والخدمات الفنية/ التقنية . وتبعتها في العام التالي جولتي التراخيص الثالثة والرابعة لما تبقى من حقول نفط وغاز شملت معضم الحقول المتبقية تقريبا والتي هي اقل اهمية من حقول جولتي التراخيص الاولى والثانية، اضافة الى المناطق غير المكتشفة من الاراضي العراقية التي تقع تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد وقبل ان يستولي مسعود البرزاني على معضم الحقول الشمالية وعلى الاخص حقول كركوك.
لقد منحت جميع هذة العقود شركات النفط العالمية تراخيص البحث والتنقيب والاستخراج للنفط والغاز لمدت 30 عاما، وهذا في الواقع العملي يعني بان ما يقارب 95% من الثروات النفطية والغازية في الاراضي العراقية سيتحتم استخراجها وبيعها في فترة لا تتجاوز ال30 عاما، وبالتالي ستحرم الاجيال القادمة من الاستفادة من اي من هذه الثروات بشكل شبة كامل.
لقد كنت قد تطرقت بالتفاصيل الى السلبيات الكبرى لهذه التراخيص في عدد من الدراسات بين اعوام 2009 و2014 نشرت باللغة الانكليزية في حينه )1،2) وقمت بترجمة بعضها الى العربية نشر معضمها في جريدة الاخبار اللبنانية.
لقد اثبتت الاعوام الثمانية الماضية صحة الاستنتاجات التي طرحتها في تلك التحليلات والدراسات حول جولات التراخيص، وساتطرق هنا الى توضيحات واستنتاجات وتوقعات بنية بشكل كامل على تلك التحليلات المفصلة.
1- الفوارق بين عقود “الخدمة الفنية الحقيقية TSCs” والعقود الهجينة للجولات الاربعة-
ان النقطة الاولى التي اود التطرق اليها باختصار هي الفوارق بين عقود الخدمة الفنية الحقيقية المعترف بها دوليا، والعقود الهجينة في الجولات الاربعة لوزارة النفط.
ان عقود التراخيص الفنية المعترف بها قانونيا ومن العقود الدولية المعروفة، تختلف في نقاط كثيرة عن العقود الواردة في الجولات الاربعة، حيث ان عقود الجولات الاربعة تحمل الكثير من صفات “عقود المشاركة في الانتاج سيئة السيط” ولا علاقة لها بعقود الخدمات الفنية المتعارف عليها، وعلى الاخص في النقاط التالية:
ا- ان المدة الزمنية لعقود الخدمة الفنية الموقعة مع الشركات العالمية للخدمات الفنية تمتد فتراتها بين سنة واحدة(او اقل) الى 5 سنوات، بينما الفترة الزمنية للعقود الهجينة لوزارة النفط قد وصلت حاليا الى 30 سنة وهذة فترة زمنية غير معروفة على الاطلاق في عقود الخدمات الفنية.
ب- ان العقود الهجينة للجولات الاربعة تعطي الشركات العالمة الكبرى دور اساسي وسيطرة شبة كاملة في قرارات الاستكشاف والاستخراج والانتاج وخاصة بعد التنازلات الكبرى الاضافية التي قامة بها وزارة النفط في التعديلات على الاتفاقيات وهذا غيرموجود اطلاقا في عقود الخدمة الفنية.
ان اتفاقيات التراخيص اعطت شركات النفط الاجنبية السيطرة على “ادارة الحقول النفطية” وذلك من خلال خلق ما سمي “بمؤسسات التشغيل الميدانية- FODs ” وهذا غير موجود على الاطلاق في عقود الخدمة المتعارف عليها عالميا. ان مؤسسات ادارة التشغيل اعطت شركات النفط العالمية الكبرى السيطرة الكاملة على عمليات الاستكشاف والتطوير والانتاج على جميع الحقول العملاقة الممنوحة في جولتي التراخيص الاولى والثانية او ما تلاها من جولات.
ج- ان هذه العقود الهجينة تسمح عمليا لشركات النفط بان تعتبر النفط في باطن الارض جزء من احتياطها (ولو بشكل غير مباشر) عكس عقود الخدمة الفنية وهذا ما بينه المدير العام لشركة لوك اويل الروسية ونشر في حينه، وفي الواقع فان الامتيازات والتنازلات الممنوحة في هذه الاتفاقيات تسمح بشكل كبير للشركات العالمية لتثبيت مثل هذا الادعاء قانونيا.
د- ان عقود جولات التراخيص تفرض غرامات عن كل برميل لا يستخرج اذا كان ممكن انتاجه ضمن شروط العقد مع الشركات الدولية، وهذا غير موجود على الاطلاق في اي من عقود الخدمة الموقعة دوليا.
هـ- مم لا شك فية كانت هنلك شفافية في مرحلة المناقصات فقط لعقود التراخيص، ولكن لا توجد اي شفافية في المراحل التي تلتها وعلى الاخص في نشر حقيقة العقود المعقودة اذ بقت الاتفاقيات الموقعة مع الشركات وتعديلاتها سرية وما ادعاء الوزارة بما نشرته من امثلة للعقود هو بعيد عن العقود الحقيقية المعقودة ويتستر على الكثير من التنازلات التي اعطيت للشركات سرا وكنت قد تطرقة لهذا بالتفصيل في مقالة عام 2010 (3).
في الواقع انه من الصعوبة على اي مطلع ان يجد اي من الشروط المعروفة دوليا لاتفاقيات الخدمات الفنية ضمن اتفاقيات جولات التراخيص الاربعة باستثناء الاسم الذي اطلق على جولات التراخيص اعتباطا وتغطيتها لحقيقتها،فهي في الواقع اقرب الى اتفاقيات المشاركة منها الى الخدمات الفنية وهي بالتالي اتفاقات هجينة.
2- اوجة التشابه بين عقود جولات التراخيص وعقود المشاركة في الانتاج:
كنت قد بينت في كتاباتي في التحليلات والمقالات السابقة حول جولات التراخبص بين اعوام 2009 و2014 (4،5) ، ان جولات التراخيص الاربعة التي انتجت اتفاقيات هجينة وهي بعيدة عن كونها اتفاقيات ” لعقود الخدمات الفنية” المعروفة عالميا كما ذكرت اعلاه. وبينت ان هذه العقود تضم الكثير من النواحي السيئة لاتفاقيات “المشاركة في الانتاج” سيئة الصيت وان تسميت هذه الاتفاقيات “بعقودالخدمات الفنية” ما هو الى تغطية على المساوء الكبرى التي ترافق هذه الاتفاقيات والتي يجب عدم الاستهانة بنتائجها السيئة وهذا ما اثبتته السنوات الثمانية التي مرة منذ البدا بالعمل بها.
لقد كانت اهم النقاط التي بينتها كتخوفات من مساوء هذه الاتفاقيات الهجينة ( وهذه تشمل بكل تاكيد جميع اتفاقيات المشاركة في الانتاج ) سوف تؤدي الى:
1- ان هذه الاتفاقيات سوف تؤدي الى التدمير شبه الكامل الى صناعات النفط الوطنية التي كانت تقوم بها شركة النفط الوطنية العراقية INOC (حتى حلها عام 1987) ووزارة النفط الفدرالية خلال فترة اربعة عقود منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى عام بدء العقود في 2010 .
ان السنين الثمانية الماضية اثبتة صحة هذى الاستنتاج، حيث انعدم تقريبا كل ما كانت تؤسسة وزارة النفط من “صناعة نفط وطنية حقيقية” واصبح تقريبا كل الانتاج النفطي التابع للحكومة الفدرالية في بغداد (بعد ان فقدت / تنازلت عن انتاج نفط الشمال الى حكومة اقليم كردستان) مسيطر عليه من قبل شركات النفط العالمية. لقد تحول دور شركات النفط الوطنية العراقية “كشركة نفط الجنوب” من منتج الى مراقب لتطور العمل الذي تقوم به شركات النفط الاجنبية وهذا ما كنت بينته بوضوح قبل ثماني سنوات.
انني لن اتطرق في هذا التحليل الى القانون الجديد لتكوين شركة النفط الوطنية والذي نشر في الشهر الماضي اذ ان هذا سيحتاج الى دراسة منفصلة، ولكني اطرح سؤال واحد على وزارة النفط في بغداد بمعزل عن ما ورد في القانون وهو- ماذا في الحقيقة اردتم من اعلان هذا القانون في هذا الوقت بعد ان منحتم 95% من حقول النفط والغاز للسيطرة الكاملة لشركات النفط العالمية للثلاثين سنة القادمة؟ وخاصة بعدالتعديلات الاخيرة على الاتفاقيات والتي ثبتت بشكل لا شك فيه سيطرت الشركات العالمية على الحقول، فقد رفعتم فترة العقود من 25 سنة الى 30، وخفضتم حصة الطرف الوطني العراقي من 25% الى 6% ، وازلتم البنود المتعلقة بالغرامات على الشركات ، وخفضتم سقف الانتاج للحقول حسب طلب الشركات، وهذه التعديلات كلها اتت لمصلحة الشركات وضد المصلحة الوطنية العراقية؟(8)
2- عدم ربط الاتفاقيات الهجينة بتكوين الصناعات البتروكيمياوية العراقية الوطنية؟
كنت قد بينت بشكل واضح منذ عقد هذه الاتفاقيات قبل ثماني سنوات، ان استراتيجية وزارة النفط الاتحادية يجب ان تتركز على بناء صناعات نفطية وغازية وطنية سواء في مرحلة الانتاج او مرحلة التصنيع النفطي ، وان تكون “سياسة زيادة الانتاج” جزء من الاستراتيجية لتنمية صناعة الطاقة الوطنية وان لا يكون زيادة الانتاج هو “الاولوية الوحيدة” في مثل هذه المخططات. وقد بينت ان السياسات التي لا تربط عمليات رفع الانتاج ببناء سياسة تطوير الصناعات الوطنية البتروكيمياوية بدء بتطوير صناعة التكرير ، سيجعل من سياسة الانتاج كاولوية وحيدة ستؤدي فقط الى خدمة مصالح الاقتصادات الغربية وسياسات الادارة الامريكية وارباح شركات النفط العالمية ، وهذا ما اثبتته السنين الثماني الماضية منذ عقد هذه الاتفاقات السيئة.
ان وزارة النفط الفدرالية لم تقم في السنوات ال8 الماضية باي مشاريع للتصنيع البتروكيمياوي في العراق الا باستثناء التوقيع على مشروع مصفى كربلاء والذي حتى بعد الانتهاء منه (ان تم ذلك ان اردنا التذكير بمشاريع الوزارة الاخرى !) فهو لن يستطيع سوى التعويض عن قسم من منتج مصفى بيجي الذي دمر بشكل شبه كامل، وهو يثبت ان مشاريع وزارة النفط لن تكون باحسن حالا من المشاريع العتيدة لوزارة الكهرباء، وهذا يدل على تقاسم طائفي متوازي في تطوير/ افشال مشاريع الطاقة!(9)
3- ان الاستمرار بسياسة الاعتماد في تقييم “استراتيجي ووطني” لما اطلق عليه ” بعقود الخدمة الفنية ” في جولات التراخيص وعلى الاخص الاولى والثانية والتي جرت عام 2009، لا يصح ان يتم بمحاولة الاكتفاء والاستمرار بمقارنتها باتفاقيات “المشاركة في الانتاج” التي وقعها اقليم كردستان للخروج باستنتاج صلاحية ووطنية هذه الاتفاقيات.
ان المقارنات التي نشرت قبل عام ونصف بين شكلي الاتفاقيات كانت قد كتبت من بعض العاملين في الصناعات النفطية وبعض خبراء النفط العراقيين للوقوف بوجه مشاريع ومخططات وزير النفط السابق وممثل المجلس الاسلامي الاعلى عادل عبد المهدي في مساعيه االمستميته لتخصيص صناعات الاستخراج للثروات النفطية والغاز من خلال عقد عقود جديدة من نوع عقود المشاركة في الانتاج اما في الحقول او القطع التي لم تمنح لحد الان، او السعي لاستبدال عقود جولات التراخيص الى عقود المشاركة.
ان هاذا النوع من المقارنة كان ضروره “تكتيكية” في حينه لتبيان الكوارث الاضافية الكبرى التي كانت ستلحق بالمصالح الوطنية العراقية اذا قامت الحكومة الفدرالية بالاخذ بطريق اتفاقيات المشاركة في الانتاج على شاكلة ما قامت به حكومة الاقليم الكردية.(6 )
غير ان التقييم الاستراتيجي الحقيقي الوطني والعلمي لجولات التراخيص يجب ان يتم ويعتمد اساسا من خلال مقارنت ايجابياتها وسلبياتها بالسياسة الوطنية النفطية التي كانت سائدة في الفترة التي بدات بقانون 80 لعام 1961، ثم قانون تاسيس شركة النفط الوطنية عام 1967 ، لتليها تاميم شركة نفط العراق عام 1972 وانتهاءا بتاميم شركة نفط البصرة عام 1975 والتي حولت الصناعات النفطية الى صناعات وطنية عراقية بجميع مراحلها بدء بالاستكشاف مرورا بالاستخراج والنقل والتسويق وصولا الى البدا بخطى ثابتة بتكوين صناعات بتروكيمياوي .
فاين سياستنا النفطية الحالية عام 2017 مقارنتا بما كانت عليه عام 1979 ؟
استنتاجات:
1- انه لخطا كبير الاعتماد في تقييم نوعية عقود الطاقة بما يدفع من ارباح مباشرة للشركات الحاصلة على عقود الانتاج عن كل برميل اضافي فقط تنتجه هذه الشركات والتي يبلغ معدل دولار واحد للبرميل.
انه من الضروري حساب الكلفة الاضافية النهائية لانتاج البرميل الاضافي من النفط المستخرج ومقارنته بسعر البرميل الاساسي قبل اضافة البرميل الاضافي اخذين بنضر الاعتبار نسبة الزيادة في الكلفة الناتجة عن استخدام التكنولوجية الحديثة اللازمة لانتاج مثل هذا البرميل الاضافي والتضخم المالي الحاصل.
فمعدل كلفة انتاج برميل النفط في الحقول الجنوبية الذي كانت تنتجه ” شركة نفط الجنوب” والشركات العراقية الوطنية الاخرى والذي بلغ اكثر من 3،9 مليون برميل يوميا (م ب ي) عام 1979 كان بحدود دولار للبرميل. ولو اضفنا لهذه الكلفة دولارين اضافيين كتعويض للتضخم في كلف الانتاج (هذا مع العلم بان الارقام المتوفرة تبين بان كلفت انتاج البرميل الواحد من حقول نفط الجنوب كان ما يزال بحدود الدولار الواحد حتى عام 2009 ) وكلفت التكنلوجية الحديثة ، ودولار اخر كمعدل الاجور المحتسبة كارباح للشركات الاجنبي حسب الاتفاقيات المعقودة معها فسيكون مجموع كلفة انتاج البرميل بحدود 4 دولار فقط لكي نصل الى كمية الانتاج الحالي المقاربة لما كانت تنتجه شركة النفط الوطنية عام 1979 وهو 3،9 م ب ي وهو ما يعادل تقريبا معدل الانتاج الحالي في عام 2017 الناتج من من الاتفاقيات المعقودة عامي 2009/ 2010 مع هذه الشركات .
غير ان الارقام التي يريدون خداعنا بها عن كلفة انتاج البرميل الاضافي حسب ارقام وزير النفط السابق ومدير شركة نفط الجنوب هو بمعدل 10،5 دولار للبرميل والذي ادى الى تكليف الوزارة مبلغ 47 بليون دولار دفعت للشركات لزيادة الانتاج خلال السنوات الخمسة بين عام 2011 و2015 حسب ارقام الوزارة.(7)
غير ان حساب بسيط جدا يثبت ان كلفة انتاج البرميل الاضافي هي اضعاف هذا الرقم المعلن.
فاعتمادا على ارقام وزارة النفط المعلنه فقد كان معدل التتصدير اليومي من الحقول الجنوبية وقبل ان يبدء استخراج وتصدير اي برميل اضافي هو 2،165 مليون برميل يوميا ( م ب ي ) ، وعندما بدء استخراج النفط الاضافي حسب عقود جولات التراخيص ازداد معدل الانتاج اليومي عام 2012 بمقدار255 الف ب ي (تضاف الى 2،165 مليون بي) وفي عام 2013 كانت الزيادة 226 الف ب ي فقط عن سنة 2011،وفي عام2014 كانت الزيادة 353 الف ب ي ، لتصل الزيادة الى 835 الب برميل عام 2015 عما كانت عله في 2011 .
وهكذا اضهرت ارقام وزارة النفط ان مجموع ما صدر في الاعوام الخمسة من نفط الجنوب بلغ 4،655 بليون برميل وكان ضمنه 0،600 بليون برميل من النفط المضاف فقط حسب العقود، واما الكميه المتبقيه وهي 4،055 بليون برميل فهي كانت الكمية المنتجة والمصدرة من خلال شركة نفط الجنوب وبدون العقود الهجينة .
فاذا اعتبرنا ان تكاليف البرميل المنتج عام 2011 قبل اي انتاج اضافي ناتج عن تطوير الحقول هو 2 دولار (وهو ضعف تكليف شركة نفط الجنوب للبرميل عام 2009 ) ، فسيكون تكاليف انتاج 4 بليون برميل المنتج من دون ان تقوم الشركات بانتاج اي برميل اضافي منه هو 8 بليون دولار. وبطرح هذا المبلغ من 47 بليون التي دفعت للشركات كتكاليف لرفع الانتاج، نستنج بان تكاليف ال 0،6 بليون برميل كانت 39 بليون دولار اي ان التكلفة الكلية وبضمنها تكلفة البنية التحتية لانتاج البرميل الواحد المضاف بين اعوام 2011 و2015 كانت 65 دولار وليس 10،5 دولار!!
فهل يستطيع اي خبير من مؤيدي عقود الجولات ان “ينورنا” كيف حصلوا على كلفة 10،5 دولار للبرميل الاضافي؟ ان التفسير الوحيد هو ان تكلفة 10،5 دولار للبرميل المنتج هي ليست على 0،6 بليون برميل اضافي تنتجة الشركات حسب العقود، بل هو يشمل حتى 4 بليون برميل الذي كانت شركة نفط الجنوب تنتجة بكلفة 1 او 2 دولار واصبحة وزارة النفط تدفع للشركات 10،5 دولار بدل من 2 دولار ومن دون ان يكلف الشركات دولار اضافيا واحد. فهل توجد سرقة اكبر من هذه؟ وبعلم الوزارة من دون شك فهم الذين يخدعون ابناء الشعب العراقي عندما يخبرونا انهم يدفعون فقط عن البرميل الاضافي الذي تنتجه الشركات.
ان استمرار المدافعين عن جولات التراخيص بالقول بان العراق لا يدفع اكثر من دولار واحد للشركات عن كل برميل اضافي (وان كان صحيح نضريا)، ما هو الا محاولات للتغطية على الكلفة الحقيقية والارباح الخيالية المدفوعة للشركات والتي تبلغ 7،5 دولار من كل 10،5 دولار تدفعها الوزاره للشركات ككلفة لكل برميل وليس البرميل الاضافي فقط . حيث ان كلفة استخراج البرميل قبل حساب اي من ارباح الشركات يجب ان لا تتجاوز ال3 دولار المساوية ل1 دولار كلفة الانتاج للبرميل بواسطة شركة نفط الجنوب الوطنية عام 2009 ،ومضافا اليه 2 دولار ككلفة استخدام التكنلوجيا الحديثة وتعويض عن التضخم في كلفة انتاج شركة نفط الجنوب.
وهنا يجدر الاشارة بان كلفة انتاج برميل النفط السعودي بواسطة نفس الشركات العالمية مستخدمة التكنلوجية الحديثة مع الارباح حسب ما ذكرت مجلة الايكونوميست البريطانية لا يتجاوز نصف كلفة الانتاج للبرميل لجولات التراخيص العراقية وطبعا فان السعودية تدفع فقط عن البراميل الاضافية على الرغم من الفساد الواسع فيها.(8)
2- وكذلك يجب عدم نسيان الدولار الاضافي التعويضي الذي تدفعه وزارة النفط حاليا الى الشركات عن كل برميل لا ينتج لعدم وجود سوق لتصريفه، كما هو الحال حاليا بسبب قرارات منضمة الاوبك لوقف انهيار اسعار النفط العالمية، اضافة الى الخسارة المالية الناتجة من نسبة الكلفة الثابتة التي يجب اضافتها عن كل برميل غير منتج؟
3- ان النضرة الى الموقف من اتفاقيات النفط الهجينة لجولات التراخيص، يجب ان يجري التعامل معها باعتبارها عملية تخطيط استراتيجي “لسياسية اقتصادية وطنية” وهي ليس مسئلة “خبرة تكنيكية في الصناعة النفطية” فقط كما يحاول البعض تصويرها. ولهذا فان وجهات نضر بعض خبراء النفط العراقيين الذين لا يجب الشك في “خبراتهم التقنية” في عمليات الانتاج والتصنيع النفطي، لا يعني بالضرورة صحة ما يطرحونه في تخطيط السياسة النفطية الوطنية.
فيجب ان لا ننسى بان الغالبية العضمى من كبار الخبراء التكنيكيين النفطيين في العالم هم يعملون بشكل مباشر او غير مباشر في شركات النفط العالمية الكبرى (ومن هنا كسبوا خبرتهم) او مرتبطين بها مصلحيا، وبالتالي فان ارائهم تمثل في الكثير من الاحيان مصالح الشركات العاملين فيها او المرتبطين بها مصلحيا ولا تمثل المصالح الوطنية للبلدان التي تملك النفط كجزء اساسي من ثروتها الوطنية ،كما هو الحال في معضم دول العالم الثالث وبضمنها عراق ما بعد الاحتلال الانكلو/ امريكي.
4- ان كون عقود جولات التراخيص الاربعة ليس بعقود الخدمات الفنية بل هي اقرب الى عقود المشاركة في الانتاج، يجعلها عقود غير شرعية وفق المادة 111 من الدستور العراقي، اذ لم تعرض على مجلس النواب للموافقة عليها وبالتالي فهي عقود باطلة.
فلذا يجب على كل عراقي وطني العمل على الغائها واستبدال بعضها بعقود بشروط الخدمة الفنية الحقيقية وهو في احسن الاحوال لا يتجاوز عقود اتفاقيات جولة التراخيص الاولى او بعضها فقط، مع الغاء جميع اتفاقيات جولات التراخيص الثلاث الاخرى باعتبارها غير شرعية ولا حاجة وطنية او اقتصادية عراقية لها، وهذه العقود لم تعقد الا لضمان السيطرة الغربية على مستقبل الدولة العراقية من خلال استمرار السيطرة الكاملة على مواردة الاقتصادية، ان لم ينجحوا في التقسيم الثلاثي للعراق.
4- ان العراق يحتاج الى جيل جديد من الاقتصاديين الشباب الوطني غير المرتبط مصلحيا بشركات النفط العالمية، ياخذ على عاتقه ان يدرس بعمق سياسة عراقية وطنية لاخراج الاقتصاد العراقي من التبعية للاقتصاد الغربي وتحويله من بلد ذو اقتصاد “ريعي” متخلف الى اقتصاد وطني صناعي منتج بعيدا عن المصالح الشخصية والطائفية .
ان جيل من الاقتصاديين العراقيين وطني شجاع وشاب لا يحمل الكثير من سلبيات “البعض في جيلنا” من الاقتصاديين والمهندسين المتقدمين في السن والمثقلين بالكثير من المصالح والارتباطات الشخصية والمصلحية بالشركات سيكون قادر بالتاكيد على رسم سياسة اقتصادية طاقة عراقية وطنية.
اننا باختصار بحاجة الى” حشد شعبي وطني ” في الاقتصاد السياسي.
5- ان نوعية اتفاقيات جولات التراخيص الاربعة هي في الحقيقة تمثل انعكاسا حقيقيا لنوعية العملية السياسية الجارية في العراق، سواء في الفساد الهائل المرتبط بتطبيقاتها الواقعية او بارتباطاتها وتبعيتها للاقتصادات الغربية، وهي احد الاسس الاقتصادية لضمان بقاء العراق تابعا للاقتصادات الغربية لل30 عام القادمة.
انني كنت تطرقت في مقالات سابقة عام 2011 وبالارقام (3) الا انتشار الفساد المالي بشكل واسع جدا في شركات النفط العالمية لمشاريعها في العالم الثالث وبضمنها العراق ونيجيريا والخليج حيث بينت منضمة الشفافية العالمية بان الشفافية في مشاريع العالم الثالث في شركة BP البريطانية لم يتجاوز 14% وشركة النفط الصينية 1% (وهما المتعاقدين على حقلي الرميلة) ، وEni الايطالية 20% وتوتال الفرنسية 11% وشيفرون الامريكية 8% ولوك اويل الروسية 15% واوكسن الامريكية 10% وسننكيل النيجيرية 0% وهذه جميعها شركات وقعت مع وزارة النفط على عقود ضمن جولات التراخيص، وباختصار فان وزارة النفط في بغداد قد اعطىت “جك مفتوح” لمجموعه نادرة من اللصوص ،وهذا بعيد كل البعد على ادعاءات الوزارة بالشفافية .
اضافة لذلك فان الفساد المالي المتزايد في وزارة النفط والذي بلغ حاليا حدا بتعيين “كريم حطاب” وكيل لوزير النفط وهو شخص كان قد حكم بالسجن مرتين بتهم الاختلاس وقد اطلق سراحه بعد صدور عفو عام في سنة 2014 عن الكثير من اللصوص والمجرمين المحكومين والمدانين في المحاكم العراقية وكان هو واحد منهم حسب ما نشر اخيرا وبالوثائق في بعض الصحف العراقية وبضمنها “عراق اليوم”. وهنا يجدر الاشارة الى فضيحة اخرى وردت في التقرير المرسل الشهر الماضي من مكتب وزير النفط حول منح مصفى ميسان الى شركة “ساتاريم” التي كان قد اعلن افلاسها وصدرت احكام بحقها في المحاكم الاوربية، وكانت الوزارة على علم كامل بفضائح هذة الشركة.
6- انما جرى في السنوات الثماني الماضية منذ ان منحت شركات النفط العالمية السيطرة الكاملة على ما يقارب 95 % من نفط الجنوب والوسط من خلال الاتفاقيات الهجينة لجولات التراخيص، و100% من نفط الشمال ضمن اتفاقيات المشاركة في الانتاج للاقليم، اصبح من الواجب علينا العمل على ايجاد استراتيجية وطنية لاستغلال موارد الطاقة وطنيا ترجعنا الى ما كنا عليه عام 1979؟
ان هذا يفرض علينا ضرورة النضرة العميقة والاخذ بنضر الاعتبار ان ما جرى في الاتفاقيات الهجينة لجولات التراخيص ما هو الا نجاحا غربيا ناتج من احتلال العراق عام 2003 ، وهو مكمل وغير منفصل عن رجوع اكثر من 15،000 جندي امريكي وبريطاني وفرنسي واسترالي والماني وايطالي وكندي ونيوزيلندي وغيرهم ضمن المساعي الامريكية لاعادت الاحتلال المباشر للعراق المتمثل في اكثر من 8 قواعد عسكرية مع السيطرة الكاملة على الاجواء العراقية باسم محاربة داعش او حراستها كما اصبحت اغلبية الشعب العراقي واثقة منه.
فان ثبت لنا منذ عام 2014 اننا كنا بحاجة ماسة الى حشد شعبي وطني للتخلص من ارهاب داعش ومن ثم الانتقال لمحاربة وطرد قوات الاحتلال الاجنبية المسمات بقوات التحالف، فاننا بالتاكيد حاليا بحاجة لفكر ومخطط اقتصادي وطني لتخليص ثروات العراق من السيطرة الكاملة عليه من قبل الراسمالية الغربية المتوحشة، وذلك بالنضال لالغاء اتفاقيات المشاركة في الانتاج التي وقعها مسعود البرزاني وحكومة اقليم كردستان والاتفاقيات الهجينة للحكومات الكونفدرالية الطائفية في بغداد.
*المهندس منير الجلبي- محلل في محاور الطاقة
……………..
مصادر:
1- Munir Chalabi: Iraqi Oil: What is hidden inside the Oil Contracts from the 1st and 2nd Bid Rounds?
2- A Critical Look at Iraq’s Oil Contracts، By Munir Chalabi
http://iraqieconomists.net/en/category/content/oil-policy/page/5/
3- Munir Chalabi: Iraqi Oil: Transparency and Corruption
4- – مقالات منير الجلبي حول جولات التراخيص في Znet :
https://zcomm.org/author/munirchalabi/?post_type=znetarticle
https://zcomm.org/author/munirchalabi/?post_type=znetarticle
5- نضره موضوعية على عقود النفط- منير الجلبي:
http://burathanews.com/arabic/studies/191325
6- مقارنة بين عقود المشاركة بالإنتاج وعقود الخدمة- احمد موسى جياد
7- نبيل جعفر عبد الرضا *: التراخيص النفطية—قيود جديدة على الاقتصاد العراقي
. نبيل جعفر عبد الرضا *: التراخيص النفطية—قيود جديدة على الاقتصاد العراقي
8- سعد الله الفتحي*: آلام النفط في العراق
http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2015/12/22/آلام-النفط-في-العراق#0
9- فؤاد قاسم الأمير *: ملاحظات حول دراسة “الخسائر والهدر في قطاع الطاقة”
فؤاد قاسم الأمير *: ملاحظات حول دراسة “الخسائر والهدر في قطاع الطاقة”