الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(8) / موفق فتوحي، وليد حميد شلتاغ، ياسين النصيّـر ….في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

في السنوية العشرين لرحيل الشاعر الخالد، مبدعون ومثقفون واكاديميون يكتبون:(8) / موفق فتوحي، وليد حميد شلتاغ، ياسين النصيّـر ….في استذكارات ومواقف عن الجواهري، ومنه

السيمر / الثلاثاء 01 . 08 . 2017

رواء الجصاني

دعونا نتساءل، مشتركين، قبل البدء، هل نحن في مناسبة رثاء؟ .. ام انها استذكار لخالد لم يرحل؟… هل رحل ، حقاً، محمد مهدي الجواهري (1898-1997) ؟! وهو القائل:
أكبرت ُ يومكَ ان يكونَ رثاءَ، الخالدون عرفتهم احياءَ؟
– وإذا ما كانت ملحمة – اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، ذلكم هو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، وإن رحلَ، وعن طريق اخرى، هي الفكر والشعر والابداع..
– أما صدحَ – ويصدحُ شعره – كل يوم في قلوب وأذهان كل المتنورين، العارفين دروبهم ومسالك حياتهم ؟.
– أما برحت الاطاريح الاكاديمية، فضلا عن الدراسات والكتابات، والفعاليات الثقافية والفكرية تترى للغور في عوالم شاعر الامتين، ومنجزه الثري؟! .
– الظلاميون ومؤسساتهم، وأفرادهم، وتوابعهم، المتطوعون منهم أو المكلفون ، وحدهم – لا غيرهم – ما فتئوا يسعون، لأطباق صمت مريب عن الجواهري، وحوله، ولا عتاب بشأن ذلك، فلهم كل الحق في ما يفعلون، فالضدان لا يجتمعان : تنوير ومواقف الشاعر الخالد، ودواكن الافكار والمفاهيم …
… في التالي مجموعة مساهمات – ننشرها على حلقات – جاد بها لـ “مركز الجواهري الثقافي” مبدعون ومثقفون وكتاب وأكاديميون، وسياسيون، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لرحيل الجواهري الخالد، في 2017.7.27… وهنا الحلقة الثامنة، مما كتبه الذوات الأجلاء، مع حفظ الالقاب والمواقع: د. موفق فتوحي، د. وليد حميد شلتاغ، أ. ياسين النصيّر..
————————————-
18/ في السنوية العشرين / د. موفق فتوحي (*)
… عايشت الجواهري في براغ لخمسة اعوام في الستينات الماضية، وقد كنا معشر الشباب – آنذاك – محظوظين في ذلك العقد، ونحن مع تلك الشخية العبرقرية، خاصة وانه كان يجالسنا،وكأنه واحدا منابالرغم من فارق العمر، بينه وبيننا، في مقاهٍ عديدة اتذكر منها “سلوفنسكي دوم” و” أُبتسوني دوم” وصالون فندق “باريس”…
لقد كان الجوهري الكبير يتحفنا بارائه، واشعاره، ومن بين ما أتذكر، تلك الجلسة التاريخية التي لا يمكن ان تنسى، مع الدكتورة روز خدوري، وبدعوة كريمة من الرحل الفقيد الكتور رحيم عجينة، وزوجته الاستاذة العزيزة بشرى برتو. وقد ضمت الجلسة ايضا الفقيدين الراحل ثابت حبيب، ومحمود صبري… وقد سجل الدكتور عجينة تلك الجلسة التي انطلق فيها الجواهري بالشعر الوطني والغزلي وغيره. وكم هي ضرورية ان يجرى السعي للحصول على ذلك التسجيل الذي يوثق بعضا من محطات واسفار الشاعر الخالد .
كان الجواهري اضافة لكونه شاعرا فذاً، وطنيا كبيرا، مساندا لقوى الخير والتقدم والتنوير. لقد خلد بقصائده العراق الحبيب، ولعل عصماءه ” يا دجلة الخير” تكفي لتؤشر بعض وطنياته، مثلما تؤشر بعض قوميته الانسانية بقصيدته “الرثائية” لزعيم القومية العربية في حينها، جمال عبد الناصر ، ومطلعها: أكبرت يومكَ ان يكون رثاءَ ، الخالدون عرفتهم احياءَ . اما امميته فلربما نؤشر لبعض منها في استذكار قصيدته عن ستالينغراد، اثناء الحرب العالمية الثانية.
ذلك هو الجواهريالانسان: الوطني والقموي والاممي في ان واحد، ومن هنا رسخ في اذهان الجميع، وليبقى اسمه خالدا على مدى العصور.

(*) اكاديمي وكاتب

19/ في ذكري جواهرينا الخالد / د. وليد حميد شلتاغ (*)
هذه ليست سوى سطور سريعة عن ذكريات ومحطات عجولة، بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لرحيل شاعر العرب الخالد محمد مهدي الجواهري، والتي تصادف في السابع والعشرين من تموز كل عام..
وقد لا اكون مضيفا بهذه المناسبة شيئا جديدا ان قلت بأنني – كما هم ابناء جيلي، وما سبقه ولحقه – وعيّنا، وما زلنا، بأن ذلك الخالد الكبير ليس شاعرا لا يُبزّ وحسب، بل هو سجل وطني باهر لاحداث البلاد، طوال القرن الفائت تقريبا: مبدعا ومؤرخا وسياسيا ومناضلاُ، أمتدت عطاءاته في مختلف مدن وقصبات البلاد ..
ومما زاد من حبنا تقديرنا واعتزازنا بهذا الرمز العراقي الشامخ، اجواء عائلتنا، وخاصة والدي الشهيد حميد شلتاغ، الذي كان يحثنا على قراءة شعره، واستنباط العبر والحكم منه، بعد ان كان يحدثنا عنه وعن نضاله من اجل الشعب . .. كما زاد من ذلك التقدير والاعجاب، ما تعلمناه وتربينا عليه في نشاطاتنا الوطنية والسياسية منذ مطلع السبعينات والى اليوم …
كما لا يفوتني ان انوه هنا ايضا، الى دور بنات وابناء الطائفة المندائية، التي انتمي اليها، في تكريس وتعميق حب الجواهري الخالد، والاعتزاز به، انطلاقا من فكره الانساني الذي لم يحدْ عنه طوال حياته، في اشاعة التآخي بين ابناء الوطن الواحد، والوئام بينهم، دون النظر لاعراقهم او دياناتهم او اجناسهم ومذاهبهم وسواها ..وقد كان للجواهري الرمز علاقت وطيدة مع العديد من وجوه وشخصيات الطائفة، ومنها – مثلا- مع الشاعرة البارزة لميعة عباس عمارة .
وكم هي رائعة تلك المناسبات الشخصية التي ترتبط بالجواهري الخالد، ومعه، ومنها في اواسط السبعينات الماضية في موسكو، حين كنت ادرس هناك، وكُلفت – وبسعادة- ان اساعده وهو في حالة صحية طارئة، اذ أتكأ– بل وقل حملته- على كتفي طوال نزوله من الطائرة الى المدرج، وصالة الاستقبال. وقد كنت في حينها ضمن وفد استقباله في المطار، وعلى مدرجه، ومعه الفقيدان نزيهة الدليمي وعامر عبد الله.
.. كما اتذكر بأعتزاز في هذه السطور، القرب منه، ومن ابنائه خلال فترة وجودي – السياسي ايضا – في دمشق خلال الثمانينات… اما في كردستان، ونحن في قوات الانصار الشيوعية، فقد كان الجواهري بعض زادنا الروحي، شعرا ونضالا. واتذكر هنا ايضا ذلك اللقاء الحميم الذي جمعنا مع الفقيد الكبيرعزيز محمد، سكرتير عام الحزب، في احدى مواقع النضال بكردستان، اذ راح يتحدث عن “جواهرينا” مطولا، شعرا ومواقف وشؤوناً عديدة اخرى. وكم شعرنا بحبه له ولنضاله ومسيرته وقصائده …
اخيرا، وسأتوقف هذه المرة من موقعي الراهن، سفيرا للعراق في براغ، المدينة التي احتضنت الجواهرى في غربته اليها، فبادلها الحب اضعافاُ شعرا: ثناء وتغزلاُ، فهي التي اطالت الشوط من عمره كما يقول عنها في احدى قصائده.. اقول من موقعي هذا بأنني اجهد الان، مشاركاً مع الاخرين، لاحياء السنوية العشرين لرحيل شاعرنا، وبما يليق به من استذكار جليل، وكم اتمنى ان يتكلل مسعانا بالنجاح. .

(*) اكاديمي وسفير.

20/ عن الجواهري/ ياسين النصير(*)
الحديث عن الجواهري هو الحديث عن ثلاث قضايا مهمة:
الأولى: إضافة البعد الوطني لأغراض الشعرالعمودي.
الثانية: هل تكتب قصيدة الجواهري ثانيَّة من قبل شعراء العمود؟
الثالثة: أطلقتُ على الجواهري: النهر الثالث، وسرقت الكلمة دون توثيق.
المعروف إنَّ أغراض الشعر العربي، خاصة شعر العمود محددة وهي :الفخر، الرثاء، الهجاء، المدح، الوصف، الإعتذار، الحكمة، الحماسة، الزهد . وثمة أغراض ثانوية أخرى . هذه الأغراض لم نجد من بينها الغرض الوطني، والغرض الوطني ليس الغرض السياسي فقط، إنَّما هو النضال عن طريق الشعر وطنيًا. ميزة الجواهري أنَّه أضاف لأغراض الشعر ثيمَّة معاصرة، وهو ما يجعل قيامة الشعر العمودي في حاضرتنا الثقافية الحداثوية مبررًا. ودون ذلك لم نجد قيامة للشعر العمودي في الحاضرة الثقافية لدى يعض الشعراء إلا الغزل والمدح، وهما من أكثرالأغراض شيوعًا في مرحلة بروز الشخصيات المؤثرة التي تعتبر امتدادًا لثقافة الجاهلية والإسلامية. البعد الوطني في الشعر يتجاوز الشخصيات إلى الوطن ككل، قضاياه ومواقفه، وما يكون عليه مستقبلًا.
الثانية : لا تكتب قصيدة الجواهري لثانية، لا في ديباجها ولا في موضوعها، فثمة اقتران بين الوطنية والفنية، فانتهت عنده، لأنها ليست من الشعرية العمودية فقط، إنما هي الشعرية الوطنية فنيًا، وهذه ميزة تجعلها قصيدة مكتفية بذاتها فأغلقت الباب على غيرها من التوجه للمنحى ذاته، لذلك لا احد يعيد إنتاج قصيدة الجواهري، كما لا أحد يعيد إنتاج قصيدة السياب. فالمبدعون الكبار يغلقون النوافذ على أنفسهم.
الثالثة: من أطلق عليه النهرالثالث هو أنا، وليس غيري، وذلك في مقال نشر لي في جريدة الحياة اللندنيـــة بعيد وفاته بأسابيع، ولم أجد من تسمية للجواهري بـ”النهر الثالث” قبلي، وأرجو أن أكون على خطأ في هذا، ربما لم اقرأ كل ما قيل. المهم ليست التسميَّة، هي المعنية، وإنَّما المعني هو جريان حضور الجواهــــري في الحياة العراقية وفي الثقافة. مجرى النهر الثالث ثقافيًا واجتماعيًا ووطنيا، هو المعني بالنهـــرالثالث، إلى جوار نهري دجلة والفرات. فالجواهري كان تيارًا من الحضور الملفت في كل محافــــل المفاصل الوطنيّة ومواقفها، فتسميته بالنهر الثالــث، هو ديمومة جريان مواقفه الوطنية في الثقافة العراقية وحتى بعد وفاته.

(*) ناقد وباحث

* يتبع / مع تحيات مركز الجواهري www.jawahiri.net

اترك تعليقاً