السيمر / السبت 23 . 09 . 2017
عبد الجبار نوري
المقدمة/البحث في مثل هذا الموضوع الحساس والمهمْ لكونهِ لهُ علاقة مباشر بالسلة الغذاية للشعب وتداعيات خطرة في العناصر الأقتصادية وأبعادها المستقبلية ، ويعد الأستيراد والتصدير العمود الفقري للأقتصاد القومي والوطني ، فقد تعرضت السياسة الأقتصادية في البلاد قبل 2003 ألى صدمات ومشاكل وأختلالات نجمت من الحروب العبثية وأكتساح الكويت والحصار الأقتصادي على الشعب العراقي أذ بان النظام الشمولي الصدامي ، وما تعرض لهُ البلاد بعد 9 نيسان 2003 من أخفاقات وفشل في أدارة البلد برمته بما فيه السياسة الأقتصادية من عشوائية في غياب سياسة أقتصادية ممنهجة ومبرمجة لوضع البلاد والعباد على السكة الصحيحة ، ولا شك أن جميع هذا الكم من الكبوات والأختناقات الأقتصادية تتطلب جهداً وطنياً تحت شعار ولاء وطني بدل الولاء الكتلوي والفئوي الحزبي بشأن الأقتصاد العراقي وتشخيص أمراضهُ والبدأ بالمعالجة الوطنية الرصينة في تقديم حلول أو مقترحات (بديلة ) لمواجهة مقوماتها وتفاعلاتها الرئيسة ، وأن العراق تحوّل إلى مستهلك كبير للمنتج الزراعي رغم أمتلاكهِ كل العوامل الرئيسة لتجعلهُ البلد الزراعي الأول في المنطقة .
والأمر الخطير الواضح اليوم هو أغراق السوق العراقية بكمٍ هائل من المنتجات من دول الجواروالعالم( أيران بالدرجة الأولى وتركيا بعدها ودول الخليج ومن الصين ) ، وليس بالضروري أن تكون البضاعة جيدة المهم هنا الربح فقط ، وبلغت نسبة المنتجات المستوردة 96 %أنها نسبة خطيرة فعلاً بجعل الأقتصاد العراقي مرتهن وأسير سياسات الدول الخارجية ، بسبب السياسات الخاطئة التي تبنتها الجهات الحكوميةالمختصة في أدارة هذا القطاع وغياب الدعم والمساعدة ، والعراق يستورد أكثر من 75% من المنتجات الزراعية من أيران ثم تركيا ومصر والسعودية ، يقدر مبالغ الأستيراد السنوية للعراق ب( 30 ) ملياردولار وحو رقمٌ خيالي بالنسبة لأية دولة نامية .
مميزات الأقتصاد العراقي بعد السقوط
/أقتصاد أحادي ريعي في الأعتماد على النفط بنسبة96% ، يعتبر العراق دولة ريعية منذ تأسيسه في عشربنات القرن الماضي وقد تبدوكلمة الريعية تبشر بالنماء والأزدهار ولكنهُا مسكناً مؤقتاً في تلبية الحكومة لمتطلبات الناس بسهولة ، فغياب التخطيط الأستراتيجي بعدم أمتلاك الدولة للخطط الأقتصادية المستقبلية . – قلة الخبرة وراس المال والكفاءة وخاصة في القطاع الزراعي .- الأرث الثقيل من المسؤوليات المستلمة من النظام الشمولي السابق من مغامرات القائد الرمز الذي أوقع العراق تحت البند السابع لأجتاحه الكويت ودفع المبالغ المليارية التعويضية لها .- أرتفاع مؤشرات التضخّمْ النقدي بسبب الكساد الأقتصادي وأنتشار البطالة وأرتفماع نسبة المديونية مع مظاهر الفسادالأداري والمالي . – التلاعب بمصير الأحتياطي النقدي وكميات الذهب ومزاد العملة وتبييض الأموال والتي هربت أكثر من 480 مليار دولار منذ2003 لحد الآن .- عدم خضوع جميع المنتجات المستوردة إلى ضوابط ضريبية وكمركية .- قلة مساهمة القطاعين الصناعي والزراعي في الأقتصاد العراقي الحاضر والمستقبل حيث تكون مساهمة الصناعة 1% والزراعة 3% .- ضعف العامل الأستثماري في عموم البلاد ، وفوبيا رأس المال في أقتحام هذا المجال وهو المعروف أصلاً بأنهُ جبان .
الآثار السلبية لتداعيات سياسة الأغراق التجاري
مفهوم الأغراق هو أدخال السلع الأجنبية بسعرٍ أقلْ من سعر تكلفتها أو بأقل من سعر البضائع الوطنية ، وأن الأغراق سلوك تجاري غير عادل ، ربما يرقى إلى عمل تخريبي مقصود ، ويمكن عرض بعض التداعيات المدمر والمؤثرة على الأقتصاد العراقي :
-وصلتْ نسبة سياسة الأغراق في السوق العراقية إلى 95% وشملت آثارها السلبية إلى القطاع الخاص والعام على السواء حيث حيث اصيبت الصناعات العراقية بالشلل التام جراء الأغراق المتعسف أضافة ألى أنها دفعت فاتورات عالية لشراء الوقود ودفع الضرائب العالية وأرتفاع الأيجارات وأجور الأيدي العاملة ، وأزدياد عدد العاطلين وأرتفاع نسبة الفقر .- أنخفاض موجودات النقد الأجنبي الذي هو غطاء للعملة المحلية .- تعرض السوق الصرفي إلى فوضى أستيرادية مما أمتدتْ تلك التأثيرات للنظام السياسي والأقتصادي والزراعي المحلي .- أضطراب الميزانية العامة وتأثيرها المباشر على الخطط المستقبلية لأقتصاد الدولة .- أن الدولة الريعية تبقى رهينة الريع الطبيعي وتختفي فيها الأنشطة الأقتصادية المساهمة في مداخيل الميزانية ، وعدم حدوث أي توسع في القاعدة الأنتاجية للأقتصاد عن طريق التصنيع والتنويع في مصادر الدخل ، وشلْ قدرات الدولة المسؤولة اصلاً عن ضخ المبالغ الكبيرة من رأس المال وتدويرها بالأقتصاد الوطني وأعطاء الأنطباع بالرفاه والأزدهارالأقتصادي .- وكذلك من عيوب الأقتصاد الريعي تمتلك الدولة فوائض كبيرة من رأس المال تحاول بالبيروقراطية الأقتصادية أن تجعل أساليب الأنفاق العام تحت هذه الظروف الملتوية وبالتالي تؤدي ألى نتائج عكسية تعوّق عملية تقدم وتطوّرْ النظام الأقتصادي والأجتماعي . – وكارثة الأقتصاد الريعي تضخ الأموال الطائلة وتستعملها الحكومة كمخدر وأمتصاص النقمة وعدم الرضا بينما في الوجه الآخر تؤدي إلى تشجيع الأستيراد وطرد العملة الصعبة التي حصلوا عليها من النفط .- تعرض الدولة النفطية الريعية إلى أضطرابات أقتصادية ما دامت لها أرتيباط مع السوق العالمية ، وخير مثال هبوط سعر البرميل من ال نفط الخام من 110 دولار أللى أقل من خمسين دولار .- الريع لا ينحسر أثره على المجالات الأقتصادية والأجتماعية والتجارية بل تشمل أخلاقيات العمل في أنتشار الأتكالية وتضخّمْ الجهاز الأداري البيروقراطي ، وعلى الأغلب تنشأ حكومات دكتاتورية وراثية كما هو الحال في دول الخليج للسيطرة الأسرية على هذه الثروة .- حوذل المزارعون أراضيهم إلى مشاريع أخرى حين لم يجدو حلاً فمنهم من حوّلها إلى مخازن وورش تصليح السيارات وآخرين عملوا على تقطيعها وتحويلها إلى أراضي سكنية
الأسباب
– سياسة السوق المفتوح أدى إلى أغراق العراق بسلعٍ رخيصة مبتذلة لا يراعى فيها عامل الجودة ولا الأكسباير ، حتى بعض الأحيان غير صالحة للأستهلاك البشري ، والطامة الكبرى من أن تكون مسرطنة وملوّثة بالأشعاع — طالما يفتقد المستهلك ثقافة السوق وأتباعهِ هوساً شرائياً كانت البضاعة عراقية ام أجنبيةً لربما يرجع إلى أرتفاع الدخل والأنعاش الأقتصادي لديه.- تردي الوضع الأمني في حماية المستثمر ورجال الأعمال والمقاولين من الأبتزاز والخطف والفدية .- الأقتصاد الأحادي الريعي بالأعتماد على النفط بنسبة 96% .- تضر قطاع الزراعة بشكلٍ كبير وواسع بسبب أعتماد البلاد على أغراق السوق المحلية بالمنتوج الأجنبي من الخضروات والفواكه ، وأن العراق يستورد أكثر من 75% من تلك المنتجات الزراعية من أيران وتركيا ومصر تكلف الخزينة العراقية أكثر من 24 مليار دولار سنوياً ، فهذه السياسة الأقتصادية العوجاء حوّلتْ البلد من نافذة لبيع منتوجها الزراعي المحلي الوطني إلى منافذ لبيع المنتجات الزراعية المستوردة ، مما أضطر الكثير من المزارعين بيع أراضيهم في ظل غياب الدعم الحكومي للقطاع الزراعي ، فآلاف الدونمات التي كانت مخصصة لزراعة الرقي والبطيخ والطماطة والخيار منذُ عشرات السنين لم تعدْ منتجة اليوم وغير قادرة على منافسة المنتوج المستورد . – توقف الدعم الحكومي للفلاح بعد 2003 وهو بحاجة ماسّةٍ لوسائل تحسين المنتج الزراعي من بذور محسّنة وأسمدة ومكننة الزراعة وأصلاح التربة وشق قنوات البزل لتصريف ملوحة الأرض ، ولم تستفد الحكومات من فقرات الدسنتور العراقي 2005 الذي رسم هيكل الشكل الأقتصادي العراقي وفق العولمة الحداثوية ، ومع كل الآسف أنّهُ نظام تخبط عشوائي لا هو أشتراكي ولا هو رأسمالي ، وقدرهُ أن يقع تحت تأثير التغييرات الداخلية والأقليمية والدولية . – الحروب الداعشية منذ 2014 ولحد الآن والعراق يستنزف مادياً وبشرياً .- فتح الحدود العراقية على مصراعيها أمام طوفان البضائع الأجنبية مما أدى إلى أغلاق أبواب المصانع العراقية والتي أدت إلى نفاقم أنتشار البطالة والفقر .- أتخام السوق العراقية بالبضاعة الأجنبية ومنتجاتها وفي ظل غياب آليات حماية الصناعة المحلية وتخلف تقنيات الأنتاج ، وعدم فرض قانون ( التعريفة الكمركية ) على البضائع المستوردة ، وتخلي الكثير من المزارعين عن أستصلاح أراضيهم ، أضافة إلى عامل التصحّرْ الذي غطى مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الزراعية .- غياب الطاقة الكهربائية الكافية للتشغيل ، وأنحسار الأمن وخاصة في أطراف المدن حيث وجود الصناعة ، مع قلة الخبرات اللآزمة للنهوض وغياب مشاريع البناء والأعمارحالتْ دون تطوير المنتج العراقي .
المعالجة / – تفعيل دور القطاعات الزراعية وبث الروح في الصناعات المتوقفة خاصة التي تعتمد على المواد الأولية للأنتاج والتصديركالقطن والتمور وقصب السكر . – معالجة الوضع الأمني ومحاربة الفساد الأداري والمالي . – توسيع وتشجيغ فقرة الأستثمار وفتح المجال امام القطاع الخاص بالمشاركة الفعلية في عملية النهوض التنموي بشرط أزالة البيروقراطية والروتين الممل . – تفعيل دور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ووضعها تحت المراقبة في تدقيق المواصفات العالمية على البضائع المستوردة . – ضبط المنافذ الحدودية وتفعيل القوانين العقابية والتأديبية لأجتثاث الرشوة والأبتزاز والفساد ألداري .- الحكومة مطالبة بمنع أستيراد الخضروات ، وألزام جميع المنافذ الحدودية – بما فيها منافذ الأقليم لهذا القرار حماية المنتج المحلي وتشجيع المزارع على الأستمرار بمهنة الزراعة . – دفع مستحقات المنتجين فوراً وبدون مماطلة وتأخير لكي لا تفقد الحكومة ثقتها وهيبتها لدى الشعب العراقي ودعم الزراعة وتنمية الثروة الحيوانية وخلق مجالات تنافسية محلية والسيطرة على السوق والأسعار . – غزو المنتجات الزراعية المستوردة للبلاد وبهذا الشكل المخيف اجبر عدد كبير من المزارعين مغادرة المهنة وكذلك بسبب السياسات الخاطئة التي تبنتها الحكومة المركزية المختصة في أدارة هذا القطاع وغياب الدعم والمساعدة خصوصاً بعد 2003 . – أيقاف هذا المد التجاري المستورد بواسطة تفعيل القوانين الضريبية والكمركية لغرض حماية المنتوج المحلي ، وأعفاء القطاع الخاص من الرسوم الكمركية على المواد الأولية التي تدخل في التصنيع . – وكان لأصدار ( أجازة أستيراد ) عملاً رائعاً من غرف التجارة والمطلوب ألزام التجار جميعاً بأقتناءه والعمل به عند التصدير والأستيراد ونشره بشكلٍ واسع والأهتمام به أعلامياً . – أنشاء مراكز التدريب والتأهيل المهني المستمر وشمول تدريب الأيدي العاملة العراقية وزيادة مهاراتها .- وأعتماد خطة بعيدة المدى للنهوض بأقتصادنا الوطني عموماً وتخليصه من الأحادية .- تحريم الغش الصناعي وفرض العقوبات الرادعة لمن يلجأ أليها .- نشر ثقافة العمل بأحترامه وتقديسه . – وضع حد لسياسة أغراق السوق المحلية بالمنتوجات الأجنبية —- وأخيراً حبذا لو نأخذ بنماذج دولية نجحت في مجال التصدير الزراعي والصناعي والغذائي وتنويع مصادر الدخل ودعم أنتاجنا الوطني —-
المصادر والهوامش
*د/أبراهيم كبه – نظرية التجارة الدولية 1953/ * كارل ماكس-نقد الأقتصاد السياسي- ترجمة أنطون حمصي 1970
*د/أبراهيم كبه-النفط والأزمة العالمية 1956 /* ميزان المدفوعات – وزارة المالية العراقية /*نظرية كينز – أقتباسات بتصرف .