الرئيسية / اصدارات جديدة / حقوق الإنسان في زمن العولمة الراسمالية (كتابي الثالث)

حقوق الإنسان في زمن العولمة الراسمالية (كتابي الثالث)

السيمر / فيينا / الاربعاء 02 . 10 . 2019

صدر عن دار الفارابي – بيروت

يتالف من اربعة فصول 190 صفحة

تعد العولمة ومنذ الحرب العالمية الثانية نتيجة بارزة لتخطيط القادة السياسيين الهادف إلى إزالة الحدود التي تعرقل التجارة بين الدول سعيًا وراء زيادة معدلات الرخاء الاقتصادي واعتماد الدول على بعضها البعض؛ وبذلك تقل فرصة وقوع أي حروب في المستقبل. وقد أدت مساعي هؤلاء القادة السياسيين إلى عقد مؤتمر بريتون وودز والتوصل إلى اتفاقية ( لقد تأسست اتفاقية بريتون وودز سنة 1944وقد ثبّتت سعر الدولار مقابل العملات الاجنبية)من قبل الساسة البارزين في العالم لوضع إطار محدد بالنسبة للشؤون المالية والتجارية الدولية وتأسيس العديد من المؤسسات الدولية للإشراف على تطبيق العولمة كما يجب. وتتضمن هذه المؤسسات الدولية البنك الدولي للإنشاء والتعمير (المعروف اختصارًا باسم البنك الدولي) وصندوق النقد الدولي. وقد تم تسهيل تطبيق العولمة بالاستعانة بما تم التوصل إليه من تقدم تكنولوجي، والذي عمل على تقليل تكاليف التجارة والجولات الخاصة بمفاوضات التجارة تحت رعاية الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الغات)، والتي أدت إلى التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات لإزالة الحواجز والمعوقات المفروضة على التجارة الحرة. بالمقابل يتجه العالم المعاصر نحو مرحلة متقدمة جدًا من العولمة الشاملة، التي تؤسس لثقافة كونية تتجاوز كل الحدود الجغرافية. ولم يعد بمقدور المثقف العربي أن يبقى أسير ثقافات محلية ضيقة بعد أن تداخلت في وعيه جميع الثقافات بشكل لا مثيل له في السابق. وينمو الآن جيل جديد من المثقفين العرب الذين يتشكل وعيهم اليومي عن طريق مقولات الثقافة الاستهلاكية لعصر العولمة. وتكمن معضلة الثقافة العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين في انعدام حرية الرأي والتعبير، وغلبة الكمي على النوعي، وهيمنة ثقافة التبرير على ثقافة التغيير. وهناك شريحة واسعة من المثقفين العرب تخشى مخاطر الانتماء إلى الثقافة النقدية التي تعرّضهم للقمع والاضطهاد.نتيجة لذلك، قاد عجز المؤسسات الثقافية العربية عن القيام بدورها في استقطاب النخب الجديدة من ذوي الطاقات الإبداعية المتميزة لدى النخب الشابة، إلى تهميشها داخل أوطانها مما دفعها إلى اتخاذ مواقف سلبية ضد الدولة ومؤسساتها الثقافية. وأصيبت النخب العربية بالإحباط على المستوى الشخصي، ومنهم من فضّل طريق الهجرة للاستقرار في الخارج. ومع استفحال ظاهرة النزوح الكثيف للمبدعين العرب الشباب تتضاءل الفرص العملية للحوار الثقافي بين العرب أنفسهم ومع مثقفي العالم. وفقد النظام العربي القدرة على توليد مشروع نهضوي جديد يعيد للعرب موقعهم المفقود في الإبداع الثقافي على المستويين المحلي والعالمي.

من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء. إن حالة التشوه الفكري في مجتمعنا تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة. إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية و الديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا و مثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد “المواطن”، فالخطابات السياسية المعاصرة “كمؤشر” لم تعط هذا الفرد أو تؤمّن له ما قالت أنه يستحق من كرامة و رعاية و احترام، الديمقراطية وحقوق الانسان مفهومان مختلفان بكل وضوح ,بينما تهدف الديمقراطيه الى منح القوة الى الشعب بصورة جماعية. والمشاركة تدفع في اتجاه تكريس الثقافة والممارسة الديمقراطية التي تبقى  بحاجة إلى بناء اجتماعي شامل ومتكامل تمتزج فيه الحركة النقابية والجمعوية والحركات الاجتماعية بالمبادرات الفردية والجماعية المنظمة و الفاعلة، سلوكا وممارسة في الحياة العامة. ونقصد بالمشاركة في الحياة العامة، مساهمة الأفراد في تدبير شؤونهم وإبداء الرأي حولها، والقيام بالمبادرات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة سواءا محليا أووطنيا. وحق المشاركة يندرج ضمن الحريات السياسية الأساسية، غير أن هذا المفهوم، يتجاوز كون أن المشاركة هي مجرد حق، بل هي ممارسة فعلية وثقافة حقيقية في مواجهة ثقافة الإقصاء والتهميش المؤديتين إلى عدم الاهتمام بالامور العامة من قبل الافراد، وهو ما يفرض حاجة تثبيتها بكل المجتمعات من خلال تربية النشء على الديمقراطية على أسس التكوين والتأطير والتعبئة والانخراط، باعتبار أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للمساهمة في تدبير الحياة العامة، والمشاركة مع الاخرين في التدبير العمومي، واختيار ممثليهم، وتقييم أدائهم، بل ومحاسبتهم سواء خلال طول فترة الولاية ، او بتجديد الثقة فيهم أو اختيار ممثلين آخرين مكانهم. جاءت الدساتير والإعلانات الدستورية التي عرفتها أغلب الدول النامية في عصرنا الحاضر مشوبة بالكثير من أوجه النقص والإختزال والتضييق لمجالات التمتع بالحريات الأساسية والحقوق المدنية ، وقد تجلى ذلك فى إحالة العديد من النصوص المتصلة بها الى المشرّع القانونى بدعوى تحديدها أوتنظيمها ، على الرغم من كونها حقوقا أصلية سامية لا يجوز رهنها بتوجهات السلطتين التشريعية والتنفيذية . كما تجلى ذلك أيضا فى تقييد هذه الحريات  والحقوق بإشتراط توافقها مع عبارات من قبيل قيم المجتمع و المصلحة العامة و سلامة البناء الوطنى و الأمن القومى.. الخ ، دون تعريف أو تحديد للمقصود بتلك العبارات المطلقة التى استخدمت فى تبرير الإنتقاص من حرية الإنسان والإفتئات على حقوق المواطنة وفضلا عن ذلك ، فقد تخلّف المشرّع الدستورى عن مواكبة التطور المتلاحق للمبادىء والأحكام والمعايير الدولية المتصلة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية ، كما تجاهل الكثير من إلتزامات الدولة بموجب المواثيق والعهود والإتفاقيات الدولية التى صادقت عليها فى هذا الشأن ، وذلك على الرغم من أن هذه الإلتزامات تعلو على ما عداها فى التشريعات الوطنية . وفى كل ذلك لم يجد هذا المنهج الإلتفافى حرجا فى القفز على ماذهب إليه الفقه الدستورى من أن النصوص الدستورية لا تنشىء الحريات وإنما تكشف عنها فحسب ، وأن النص عليها فى الدستور يتوخى أن تكون فى منأى عن الإعتداء عليها من جانب أى من السلطات ، وأنها ليست فى حاجة الى صدور تشريع يضعها موضع التنفيذ ، وعلى نفس المنوال جرى تجاهل العديد من المبادىء والتوصيات التى أطلقتها هيئات سياسية ومدنية وقانونية عديدة فى مجال الإصلاح الدستورى والتشريعى للنصوص الدستورية المتصلة بالحريات . وهكذا تعزز الإعتقاد العام بأن النظم السياسية التى  تعاقبت على حكم البلدان العربية مثلا وجدت فى النصوص الدستورية المعيبة والمكبلة للحريات ولفرض وصايتها وتسلطها على حرية المجتمع وأفراده ؛ فأصبحت حرية الرأى والتعبير وتداول المعلومات والحق فى الإتصال والتجمع والتنظيم مكبلة ومقيدة ، واستنادا لها شُرّعت القوانين الإستثنائية سيئة السمعة التى لاحقت المعارضين والمدافعين عن الحرية. أن الأضرار التى ترتبت على تكريس هذه المنظومة التشريعية لم تتوقف عند استباحة الحريات الفردية التى تعد أصل الحريات جميعا ، أوانتهاك الحريات العامة والحقوق المجتمعية للمواطنين ، وقد تصيب كيان المجتمع كله بالجمود والإنكماش وتضعف قدرته على مواجهة مختلف أشكال الفساد والتسلط ، وعلى تجميع طاقاته وتوظيفها فى معارك البناء والتقدم . وقد شهدت عدة دول إنقلابات عسكرية وصراعات على السلطة بطرق غير ديمقراطية ، وظهرت فيها بشكل خاص قوى وجماعات داخلية وخارجية سمحت لنفسها باللجوء إلى القوة والى العنف الذي أهدر أرواح الآلاف وأستنزف الطاقات فإزدادت بذلك حالة حقوق الإنسان سوءاً, وفقد الفرد الطمأنينة والمجتمعات الإستقرار بل الرؤية والبوصلة مما أشاع المزيد من الإحباط والعزوف المتزايد عن المشاركة في الحياة العامة ودفع المواطنين للبحث عن حلول فردية أوالخنوع الى ما هو قائم أو الإغتراب وفقدان الهوية أو التطرف والغلو حتى أصبح الحال يوصف بالإنحطاط في وقت نحن بأمس الحاجة إلى نهضة وإصلاح شامل. وقد جاء النص على هذه الحقوق صراحة في معظم الدساتير، (الفصل الخامس من الدستور المغربي، والمادة 6 من الدستور الأردني، والمادة 7 من الدستور اللبناني، والمادة 40 من الدستور المصري، والمادة 3 من الدستور الإيطالي ,وكذلك الدستور العراقي لعام 2005نص على هذه الحقوق . ولا يتأتى قيام دولة الحق والقانون التي تصان فيها الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين إلا بضمانة سياسية تتبلور من خلال ديمقراطية حقيقية تكون فيها إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، كما تؤكد ذلك الفقرة 3 من المادة 21 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان؛ ويعني ذلك أن يكون الشعب هو مصدر السلطات، وصاحب السيادة في تحديد مصيره، وبناء مستقبله، وفق ما يريده ويرضاه، ويستجيب لطموحه وتطلعاته. وتُقر مبدأ سيادة الشعب معظم الدساتير، سواء في الدول الديمقراطية العريقة، أو في غيرها، ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى الدستور الفرنسي الذي ينص على أن «السيادة الوطنية ترجع للشعب، الذي يمارسها بواسطة ممثليه، وعن طريـق الاستفتـاء» (المادة 3)، وينص الدستور الإيطالي على أن :« السيادة ملك للشعب» (المادة 1)، وينص الدستور التونسي على أن « الشعب التونسي هو صاحب السيادة» (الفصل3)، وينص الدستور المصري على أن «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات» (المادة 3)، وينص الدستور اللبناني على أن « الشعب مصدر السلطـات وصاحب السيـادة» (مقدمة الدستور).                      

اترك تعليقاً