أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / جواب اليقين على سؤال الغافلين ما الفائدة من انتفاضة الحجر و السكين ؟

جواب اليقين على سؤال الغافلين ما الفائدة من انتفاضة الحجر و السكين ؟

مريم الحسن / السعودية

بدايةً و قبل أن أبدأ مقالي أود أن اقدم خالص اعتذاري للشباب المنتفض في ساحات و شوارع فلسطين المحتلة, فكل ما سيلي هذا الاعتذار من كلام لن يرتقي إلى مقامهم و لا إلى مقام إيثارهم, و لن يستطيع أبلغ ما فيه أن يبلغ عتبة المراد منه , لا من ناحية توصيفهم و توصيف بطولاتهم و تضحياتهم و لا من ناحية شرح عظمة انتفاضتهم و أبعاد أثارها و بالتالي كل ما في الابجدية من أوصاف ستقف عاجزة عند محاولات ترجمة الشعور الذي اوجدوه في وجدان الناظر إلى صورهم الوادرة من ميادين انتفاضتهم.
ما معنى أن يثور حامل الحجر على سيل القنابل الخانقة و المسيلة للدموع, و على احتمال أسره و تعذيبه و التنكيل به, وعلى الرصاص المترصد بجسده و الحامل مع أزيزه وَعدين لا ثالت لهما: إما الموت المؤكد إما الإعاقة الدائمة؟
ما معنى أن يثور السكين البسيط الأعزل على قلة الحيلة لينتفض غاضباً هائماً في أزقة و شوارع القدس المحتلة منفذاً لعمليات إستشهادية يظنها قصيري النظر و ضيقي الأفق أنها بلا فائدة ولن تجدي نفعاً أمام السلاح الإسرائيلي النوعي و المتطور تكنولوجياً؟
ما معنى أن يواجه الجسد الأعزل عدوه المدجج بالسلاح من دون أن يبالي إذا وقع هو على الموت أو إذا وقع الموت عليه و لا باحتمالات فشل عمليته إذا انتهت بشهيدٍ فلسطيني و صهيوني جريح سيشفى بعد حين ليعود و يقفز كالقرد في شوارع القدس المحتلة؟
هي أسئلة لن يفهمها إلا مقاوم ..و لن يمتلك أجوبتها إلا مقاوم ..و لن يحرص على استمرار حضور عظمتها في ذاكرة التاريخ و الحاضر إلا جسد مقاوم و فطرة مقاومة و عنفوان مقاوم و صاحب حق أيقن أن ما أُخد بالقوة لن يُسترد إلا بالقوة…
لكن عن أي قوة نتحدث؟
ـ قوة السلاح مقابل السلاح؟ حسناً, إذا وجد السلاح سيكون النصر المؤكد حتماً حليف صاحب الحق ..لأن الحق المجهز بالسلاح و بالإرادة وبالعزيمة هو بلا شك حق منتصر و إن طالت معارك نضاله و الأمثلة على ذلك حاضرة و بكثرة.
ـ قوة السياسة مقابل السياسة؟ إذا تحققت شروط السياسة النظيفة السليمة المتميزة بالنزاهة و بالاخلاق و بالضمير وبالحكمة و…بالقوة و من ثم القوة ؟؟؟ لما لا؟ فلتكن القوة السياسية هي من تعيد الحق إلى أهله.
لكن إذا غابت قوة السلاح أو وُجدت و حوصرت, وإذا وهنت القوة السياسة أو سُممت و أُفسدت..ماذا سيتبقى لصاحب الحق من صنوف قوة يسترد بها حقوقه المغتصبة؟
قوة الصمت و التسليم بأن لا حول له و لا قوة؟ أم قوة التطبيع مع الكيان الغاصب و التسليم بوجوده و نسيان الحقوق؟ أم قوة الندب و العويل و لطم الخدود و الدعاء على من خذلوه و تركوه و خدعوه من عرب و مسلمين؟
لا…المقاوم الحق لا ينتظر وصول الدعم كضوء أخضر ليثور على غاصب حقوقه..بل يثور وحيداً و يقاوم وحيداً بأي وسيلة متاحة أو ممكنة.. بالحجر ,بالسكين ,بدهس المغتصبين ,بقنبلة مولوتوف حارقة , بعبوة بدائية الصنع..يقاوم بأي شيء يقع بين يديه ليُبقي على جذوة مقاومته مشتعلة و يُبقى على رفضه للإحتلال قائماً موجوداً أمام زحف التطبيع, و ليُبقى على نضاله صامداً واقفاً على رجليه المقاومتين حتى و لو انهك جسده المقاوم نزفه الشهيد تلو الشهيد.
المقاوم الحق..يقاوم بالحجر و ينتظر السياسة القوية لتأتي على أقل من مهلها..يقاوم بالسكين و ينتظر تحرير البندقية من أسرها .. المقاوم الحقيقي يقاوم أيضاً بجسده العاري المخذول و المتروك وحده في الساحات من دون أي دعم أو درع يحميه إذا ما شعر أن المؤامرات السياسية تحول بينه و بين بقائه في وطنه و تحريره و بينه و بين حياة حرة و عزيزة, و تحول بينه و بين مده بالسلاح أو حين يشعر بأن سنين كفاحه و صموده تطمسها المؤامرات السياسية و الحروب الناعمة و الخفية و الفتن الطائفية و تخنقها الوعود الكاذبة و الاتفاقيات الخبيثة الزاحفة عليه و على أرضه و على مقدساتها لتبتلعها (و لا من شاف و لا من دري ولا من يحزنون).
المقاوم الحقيقي ينتفض و يسترخص حياته في سبيل أرضه و كرامته و مقدّساته و يحوّل جسده إلى سلاح يمشي على قدمين لتستلم انتفاضته زمام الأمور إذا ما لمس أن القييمين السياسيين على قضيته إما منقسمون حول مفهوم السيادة و الوطنية و الحقوق و التحرير , إما منبطحون أمام العدو, إما خائنون و متآمرون معه, إما ملتهون بأوهام خرافية و منخرطون في حروب أخرى تدور في بلاد اخرى ؟؟؟ و هنا سأكتفي بهدا القدر من التلميح السياسي و لن أزيد عليه …لأن انتفاضة اليوم بحاجة لدعمٍ عاضٍ على جرحه يعاضد صمودها و استمرارها و ليس إلى تنظير سياسي لن يخدم إلا تشتيتها و تفتيت وحدتها العابرة للإنقسامات السياسية و القافزة فوق هفوات و انجرافات و انزلاقات ماضي بعض القيادات الحزبية؟؟؟؟…و حمق السلطة التي تظن نفسها حاكمة و هي تحت الإحتلال ؟؟؟.
ما يلفت انبهار المراقب للانتفاضة الثالثة هو أعمار الإستشهاديين, إن بلاغة الكلام تقف عاجزة عند توصيف عظمة المشهد و توصيف هذه الورود الثائرة و هذا الدم البرئ المضحي و هذا العزم المرتسم على الوجوه التي لم تبلغ الحلم بعد أو بالكاد بلغته, و هذا البأس المرعب الذي سكن قلوبهم و شعّ منها كنور سطع فأعمى أبصار الخونة قبل أبصار الأعداء و أخرس شفاه المحبين و الداعمين…أرهب العدو فزلزل أمنه و أمانه و حوّل ربيع نومه في العسل إلى كوابيس خوف و رهاب من اي طفل فلسطيني يتجول آمناً في شوارع القدس , و أربك المتخاذل الفلسطيني و المتواطئ مع الإسرائيلي فأظهره سليب الحيلة و كمن أسقط في يده, و أبهر كل عشّاق فلسطين و المدافعين عنها فأدهشهم و أفرحهم و من ثم أعجزهم فأبكاهم من قلة الحيلة.
هؤلاء المنتفضون جلّهم ما دون العشرين من العمر, هم أطفال…رغم كل ما أظهروه من مواقف رجولية و بطولات يعجز الرجال على الإتيان بمثلها, إلا أنهم يبقون أطفال…و هنا يقفز السؤال المحير إلى ذهن المراقب, ما الذي يدفع بفتى لم يتم العشرين من عمره إلى أن يثور وحده؟ ما الذي يدفع به إلى طعن مستوطن صهيوني و هو يعلم انه مقتول بعدها لا محالة؟ ما الذي يدفع به إلى كل هذا الإيثار؟..ما يميز هذا المقاوم الفتي عن باقي المقاومين من مختلف الفصائل المقاومة و في مختلف البلدان المقاومة أنه غير محمي بالتدريب العسكري..و أكاد أجزم أيضاً انه غير منظم حزبياً أو سياسياً..إلا أن غضبه و جسده و قبضته وطعنته و دمه الإستشهادي ينطقون كلهم بجملة سياسية واحدة لا غير ” ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة”…فطرته المقاومة الصادقة فهمت لوحدها ما عجز عن فهمه كل سياسيّ بلده و كل السياسيين العرب الذين لم يفهموا من عملهم في السياسة إلا لغة المناصب و المراكز و الألقاب و كسب المال و الرشاوى و…الشهرة على حساب القضية, .فنسوا الغاية من عملهم السياسي…و نسوا فلسطين.
أنها انتفاضة الأمل, و انتفاضة الصبح الذي طال انتظاره…ربما أنا أغالي بتعظيم آمالي لكنني أثق بهذا المقاوم الشاب الفتي و أثق بانتفاضته و أثق بقوته على التغيير و على تصميمه الراكض نحو التحرير, و قبل هذا كله أثق بالله سبحانه و تعالى و بعدله و بحكمته التي تمهل و لا تهمل… فهل هي المصادفة أن تنطلق الانتفاضة النقية البريئة الطاهرة في فلسطين بالتزامن مع الانتصارات المؤكدة الذي بدأت تلوح بيارقها في سوريا المقاومة الأبية, و بالتزامن مع بوادر انتصارات المقاومين في اليمن و الصامدين في وجه العدوان الصهيوخليجي عليهم , و بالتزامن مع انتحار مملكة الإرهاب السياسي و بدء انهيار حكم قبيلة آل سعود؟..لا أظن أن في الأمر مصادفة…بل هي حكمة إلهية…و رسائل ربانية منه إلى رجاله المقاومين الصابرين العاملين و إلى أبطاله المرابطين في القدس بأن صبح الفرج بات بفضل سواعدهم و صدق مقاوماتهم و ثبات نهجهم جداً قريب.

بانوراما الشرق الاوسط