المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — توقع صندوق النقد الدولي قيام السعودية بإنفاق جميع احتياطياتها المالية خلال السنوات الـ 5 القادمة، وذلك في ظل هبوط أسعار النفط بأكثر من النصف منذ منتصف العام الماضي.
وأشار الصندوق في تقريره المتعلق بالشرق الأوسط الذي نشره الجمعة 23 أكتوبر/ تشرين الأول إلى أن عجز الميزانية في الاقتصاد السعودي من المتوقع أن يبلغ في العام الحالي 21.6% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و19.4% في العام القادم.
ويرسم التقرير صورة قاتمة للضغوطات المالية التي تواجهها الرياض والتي تشكل عائدات النفط نحو 95% من إيراداتها، حيث سترغم على البحث عن موارد مالية لدعم الإنفاق أو تقليص النفقات في ميزانيتها.
وكانت السعودية – أكبر مصدر للنفط في العالم – سجلت آخر عجز في عام 2009 عندما هبطت أسعار النفط لفترة قصيرة بسبب الأزمة المالية العالمية.
وقامت السعودية بسحب نحو 70 مليار دولار خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة من استثماراتها في جميع أنحاء العالم، وذلك لسد العجر في الميزانية. بالإضافة إلى تراجع احتياطياتها المالية بنحو 80 مليار دولار مع بدء انخفاض أسعار الخام النفط، التي انخفضت منذ يونيو/حزيران 2014 بنحو 60% بعدما بدأ الإنتاج العالمي المرتفع يصطدم بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لتصل إلى 654.5 مليار دولار.
وستواجه السعودية تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة على المدى البعيد في حال بقاء أسعار النفط عند مستويات متدنية لفترة طويلة. وتوقع تقرير النقد الدولي حدوث تراجع في كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية للسعودية على مدار عامي 2015 و2016. وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية في هذا البلد ستشهد حالة من الانكماش والتأثر السلبي على مختلف الأنشطة، نظراً للدور الذي يلعبه الإنفاق الحكومي في الاقتصاد، واعتماد القطاع الخاص في غالبية أنشطته على هذا الإنفاق.
وفي وقت سابق لفت مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية بحاجة إلى إجراء تعديلات مالية كبيرة وإعادة هيكلية قد تستمر عدة سنوات.
والسؤال المطروح: هل يكمن تراجع مؤشرات الاقتصاد في السعودية بانخفاض أسعار النفط في السوق العالمية فقط، أم أن هناك اسباباً أخرى لهذا التراجع الملحوظ. يمكن الاجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
1 – العدوان المتواصل على اليمن منذ سبعة أشهر الذي شنته السعودية بالنيابة عن أمريكا والكيان الاسرائيلي والدول الغربية الحليفة لهما والذي كلّف الاقتصاد السعودي عشرات المليارات من الدولارات حتى الآن.
2 – الاستمرار بسياسة السحب من احتياطيات النقد الأجنبي التي تتبعها الحكومة السعودية لتغطية عجز الموازنة بسبب تراجع الإيرادات العامة في ظل إنهيار أسعار النفط.
3- دعم الجماعات الارهابية والمتطرفة لمهاجمة العديد من دول المنطقة لاسيما العراق وسوريا.
4 – افتقار النظام السعودي لخبراء اقتصاديين قادرين على انتشال اقتصاد البلاد من الهاوية.
5 – مافيات غسيل الأموال التي نخرت الاقتصاد السعودي من خلال تنفيذ مشاريع غير مجدية بهدف تحقيق أرباح عاجلة بالاتفاق مع سماسرة الشركات العالمية المعروفة.
6 – عقد صفقات ضخمة لشراء اسلحة بعشرات المليارات من الدولارات مع العديد من الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا وألمانيا بالاضافة إلى روسيا، وكان آخرها شراء أربع سفن حربية من أمريكا بقيمة 11 مليار دولار.
7 – تمويل السعودية لكثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية لمهاجمة دول اقليمية لاسيما إيران وسوريا وقوى المقاومة، وإضعاف الكيانات السياسية التي لا تأتمر بأوامرها خصوصاً في العراق ولبنان وذلك من خلال دفع مبالغ طائلة لأحزاب وشخصيات مؤثرة في المنطقة لتنفيذ هذه السياسة.
8 – الفساد المالي الشديد الذي تدار به الأمور الاقتصادية في السعودية خصوصاً بعد تسلم ولي ولي العهد محمد بن الملك سلمان لإدارة شركة “أرامكو” التابعة للحكومة.
9- البيروقراطية المتفشية بين الأمراء السعوديين خصوصاً من الجيل الثالث الذين استحوذوا على اقتصاد البلاد من خلال تأسيس شركات خاصة بعيداً عن الرقابة.
ولمواجهة هذه التحديات وغيرها حثّ العديد من الخبراء الاقتصاديين السعودية التي تنتج نحو 10.5 مليون برميل يومياً على بدء حوار مع منتجي الخام داخل منظمة “أوبك” وخارجها كروسيا للحد من حجم إنتاج النفط لتحقيق استقرار الأسعار، محذرين إياها من أنه إذا لم تتخذ هذه الخطوة فإن أسعار النفط ستواصل انخفاضها ما سيكون له تأثير سلبي على الميزانية السعودية لاعتمادها بشكل كبير على عائدات النفط كما أسلفنا.
وفي ضوء تقرير صندوق النقد الدولي یمکن القول أن الاقتصاد السعودي في طريقه إلى الانهيار خاصة أن التقرير لم يشر إلى أن توقعه مبني على سيناريو أو احتمال، بل على أرقام تفرض نتائج، حيث توقع أن تشهد الصادرات السعودية مزيداً من التراجع، لتصل إلى 236 مليار دولار بنهاية 2015، وبذلك تكون قيمة التراجع قد بلغت 107 مليارات دولار بين العامين 2014 و2015، وبنسبة تصل إلى 31%. ويعتقد معظم المراقبين أن هذا التراجع يعود بدرجة عالية إلى طبيعة هيكلية الاقتصاد السعودي التي تظهر تبعيته للخارج بشكل كبير.