متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / الأربعاء 11 . 11 . 2015 — قارنت مقالتان في مواقع التواصل الاجتماعي، بين رمزيْن ثقافيّيّن عراقييّن، هما المطرب كاظم الساهر، والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، باعتبار ان كلاهما عاصر حقبة النظام البائد، وكلاهما لم يتمكن من التخلص من عقدة التبعية له، وادراك عمق المعاناة التي تسببّها نظام صدام لشبعه، وما رافقها من الذل والهوان والقتل والتشريد طوال عقود.
بل انّ كلا الشخصيتين لم يبديا تعاطفاً منذ 2003 مع الآلاف من ضحايا الإرهاب، الذي تسبّب فيه دول إقليمية مجاورة للعراق، دعمت الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
ويرجع متابعون، هذه المواقف المريبة لكل من الساهر وعبد الرزاق إلى “الارتزاق”، كما اعتادا على ذلك في حقبة نظام صدام، اذ مدحا النظام ليس إيمانا بسياساته، بل لخشيتهما من انقطاع المال والجاه والنوافذ الإعلامية عنهما. وقد تكرّر المشهد بعد 2003، اذ عاش كلاهما بين أحضان دول الخليج ولابد لهما من مجاراة مواقف تلك الدول لكي يستمرا في سياسة الارتزاق وجني الأموال، لاسيما كاظم الساهر.
يقول الكاتب الأردني باسل رفايعة في وصف الشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، بانه الشاعر الذي مدح الطغاةَ والمجرمين وسقط في أوساخِ التاريخ.
يضيف رفايعة: لا تشفعُ له البلاغةُ ولا الايقاعُ الموزون. فهو يتخلّى عن نوبةِ حراسته الشريفةِ للحياة، للجَمال، لقيَمِ الحقّ والعدل، ويسهرُ عندَ رأسِ المهيب الركن، بحثاً عن هيبةٍ ونفوذ ومال، فقد استعذبَ قربَ الديكتاتور وعطاياه، ولم يُصغِ لآلام المعذّبين والضحايا والأطفال.
لا يُصبحُ الإنسانُ شريفاً لمجردِ موته. لا يُصبحُ الشاعرُ عظيماً لأنَّه تقدَّم في السنِّ، فماتَ عجوزاً بأمراضِ الشيخوخة. عبد الرزاق عبد الواحد ماتَ كهلاً، وماتَ عشراتُ الآلاف من العراقيين فتياناً وشباباً بيد الطاغية صدام حسين الذي أفنى الشاعرُ عمره وقصيدته في البحث عن قافيةٍ تليقُ بـ”عبدالله المؤمن” وعن صورةٍ شعريّةٍ تُقاربُ بينه وبين “نبوخذ نصَّر” و”صلاح الدين الأيوبي”.
مدحَ عبد الرزاق جرائمَ صدام، وهو يفتحُ المآتمَ في بيوت العراقيين. كيفَ يرى الشاعرُ الجماجمَ ويظنها سلالمَ لمجدِ الديكتاتور، ولا يرى الأزهارَ النازفةَ في حدائق بابل.
ماتَ عبد الرزاقُ، ولم يعرف الحصَّةَ التموينيةَ في سنواتِ الحصار، فقد كان لديه كثيرٌ من النبيذِ والكافيار. ولم يعرف أوجاع الأمهات حين يدهم فدائيو صدام منازلهنَ ويهتكون النومَ والحُرُمات.
ماتَ الرجلُ، وقبله ماتت الأراملُ العراقياتُ من فرط الدموع والفجائع. فلا أسفَ إلا على شهداء العراق، وعلى القصيدةِ حين تنحني وتلثمُ حذاءَ القتلة.
أنت تتصفّح الآن الموقع الأصلي، المسجّل رسمياً وقانونياً، وليس الموقع المزوّر لسعد الأوسي، المدعوم من أموال العراق المسروقة على أيدي خميس الخنجر وعائلة الكرابلة.
وعلى ذات المنوال كتب فاضل أبو رغيف كيف ان المطرب العراقي كاظم الساهر عاش بين التقمص والنكران.
يقول أبو رغيف متحدثا عن تجرية شخصية له مع المطرب: أنا ممّن شهد بزوغ نجمه بفترة حرجة من عصر الطاغية جرذ العوجة النافق صدام، فقد عَملْت كل أجهزة الثقافة والأعلام البعثية حينها بدعمه، وذلك حين رأت به مواصفات التماهي والميوعة والمشاعر (المفتعلة)، فكان لساناً ينطق بالدعم والتزمير للطاغية، فكانت أغنيته الداعرة الأولى بتمجيد الطاغية (هلة يا لناذر عمره)، وأردفها (أثبت يا عكال الراس)، ثم بـ (الخير والفرح)، فكان حقا دعامة حماسية تدفع باتجاه ترسيخ مفهوم (الوطنية المقنعة)!.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها من عام 1988، لبس الساهر ثوبا و برقعا جديدا مليئا بـ(التغنج والتميع)، وأخذ لونا وأسلوبا جديدا، ولكن هذه المرة على نحو أحياء الحفلات (الماجنة) للكسيح المقبور عدي، وبهذه الفترة سمحت الأجهزة الأمنية المخابراتية السابقة له ولأول مرة أن يحيي حفلاته خارج العراق وهي على نحو (فخ) للعراقيين بعد مناغمة غربتهم وضرورة عودتهم لأحضان الوطن ليلاقوا مصيرهم المحتوم بين أقبية المخابرات والأمن العام البعثي الصدامي.
ومن هنا نشأت البذار الأولى لظهور ظاهرة جديدة بالغناء العراقي ذات الإيقاع السريع مما لم يألفها المتذوق العراقي، وحط رحاله بنمط جديد من الملبس والزي بصورة فضفاضة مزرية، ولم يكن أحد من عقلاء وأدباء ومفكري العراق من أن يبدي رأيه بالساهر، لأنه أن جرب حظه وأطلق عقال لسانه منتقدا له، سيلاقي مصيرا حتميا من “الكسيح” عدي. واللافت للنظر أن كاظم الساهر أبتعد عن أداء لون من الغناء لم يقدر أن يؤديه وهو المقام العراقي، كون المقام العراقي فيه صعوبة لا تتوفر بأي مؤدي عابر، فيجب أن تتوافر بمؤديه عدة شروط فنية لا يمتلكها الساهر.
انّ أكثر من ثلثي هذه الشروط لا يملكها الساهر هذا، وهناك خصيصة مهمة يجب أن تتوافر لأي مغني أو منشد، وهي التعايش المجتمعي ببلده، لا أن يبرق لنا أغانيه الجاهزة من (الرفاهية والنعيم)، كون المعاناة تخلق الأبداع، والمتتبع لسلوك الساهر من الناحية السيكولوجية، سيدرك فورا ودون حاجة لفراسة أو إحاطة لعلوم فرويد أو بافلوف أو بريغستون، أن الساهر مصاب بعدة وعكات نفسية تعكسها حركاته الغريبة جدا، الرجل أراد أن يتلبس القباني ففاته أن يحسن أن يبحث عن ذاته الضائعة بدءا.
الساهر أخطر تأثيرا من عبد الرزاق، لأن عبد الرزاق يخاطب فئة الكبار، والساهر يناغم عقول الشباب ليزرع روح الضغينة.
والساهر الذي لم يجد غضاضة في أية مناسبة، أن يعبر عن رأيه بحبه للطاغية وعدم ندمه على تمجيد الطاغية، لا بل أنه يفخر أنه زامن العصر الذهبي لأبي الليثين عداي وقصي.