الرئيسية / الأخبار / أبو مهدي.. شيخ المجاهدين ومهندس التحرير

أبو مهدي.. شيخ المجاهدين ومهندس التحرير

متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية / السبت 06 . 02 . 2016 — أطلّ أبو مهدي المهندس على شعبه، بشيْبته البيضاء المصبوغة بملح تراب العراق، مجاهداً قبل أن يكون سياسياً، وفدائياً قبل أنْ يكون مقاتلاً تقليدياً، آثر غبار المعارك، على الكراسي والقصور، تاركا ترفها لسياسيي المنافع، وقادة الهزائم..
إطلالته منذ صفحات الجهاد في العهد البائد، الى قتال التكفيريين منذ 2014، ترسم له صورة البطل المحرّر الى جانب رفاقه في الجيش والحشد الشعبي، بلغ بمبدئيّته وتواضعه، ما لا يُبلغ بالخيـل والجنود، مجسداً لنسق جديد من القيادات الشعبية المتجاوز لنمطية الزعامات العسكرية والسياسية التقليدية، الى التأثير المعنوي المباشر في دفع المقاتل إلى تحرير نفسه قبل الأرض، فأنتجـت له همّته وفطنته حبّ الجنود، وأهالي المناطق المحررة.
ولم يكن منهجاً قتالياً نمطياً، هذا الذي أرسى له المهندس في جبهات القتال، القائم على التمهّـل والمباغتة واحتفار الخنادق كتفا الى كتف مع العسكـر، لاستنبـاط الحيلة، والتدبيـر للجولات القتالية، مسخّرا تجربته القتالية الطويلة في الأهوار والصحارى طيلة عقود، حين قاتل نظام الدكتاتور المخلوع، في حرب عصابات، اختصرت الطريق إلى انتصارات على آلة الحرب الصدامية.
ولم يقضّ مضجع الإرهاب اسم كاسم أبو مهدي، مهندسُ طرْد داعش من الكثير من المناطق، بعدما فرض أسلوبا في التحرير والجهاد، يستمده من إيمانه بشجاعة الإمام الحسين (ع) وصبره في معركة الطف، حين جابه جيشا عاتيا من تكفيريين، هم أسلاف الإرهابيين الجدد.
لكن هذا الرجل، الحامل لعبأ الحرب، والكاظم للغيض من هول ما عايشه من أهوالها، لم يظهر في يوم بمثل ما يتوقعه المرء من قائد صنديد، تعلو صدره النياشين، وتحفل كتفاه بالرتب، بقدر ما كان بين المقاتلين، مقاتلاً بسيطاً يجلس على الحصير، ويفترش الأرض، وينام بين أولئك الذين يحرسوه اكثر مما يحرسون انفسهم، لانهم احبوه ووثقوا به.
على أن هذا الإنسان الذي رأى بعينيه ما فعله الأشرار في أبناء طائفته من قتل وتهجير وانتهاك للحرمات وهدم للأضرحة المقدسة، لم يدخل قلبه الحقد على الآخر، فلم ينتقم، ولم يألّب طائفياً، رغم استفزازات أقوام تحشّـت أجوافها بكبريت الكراهية، بل فاجأ الخصوم الذين قاتلوه بالعفو عنهم اذا ما كفّوا، ودحض “طائفية” المعركة، بإعلانه تعاون العشائر “السنية” للتحرير وبسط الأمن، حتى استتبّ له تحرير تكريت بالسياسة والحرب معا.
لحية بيضاء، تحيط بوجهٍ بشِرِ، ملامحه الحلم والصبـر والوقار، تُذكّر المقاتلين بهيئة الرجال المؤمنين، وقامة باسقة تذكّر بقامة ابي الفضل العباس(ع)، وبدلة قتال بسيطة، خالية من ترف المظهر التقليدي، كما يقول مقاتل، ذلك إن هذا الرجل المخضرم، المؤمن، يحق لمقاتليه أن يصفوه بهذا النبل، بعدما غرفوا من بحر إيمانه بآل البيت.

بيوغرافيا
بيوغرافيا شيخ المجاهدين، ليست نمطيّة، فمِن قتال الدكتاتور إلى قتال الذين تناسلوا منه، من تكفيريين، وعملاء. ولابد في هذه الحال، من تقسيم مسيرته إلى عدة مراحل، كلها تشترك في خصلة واحدة، وهي الجهاد، حتى تقطّعت النصال على النصال.

قبل سِفر الخروج
الاسم جمال جعفر محمد علي آل ابراهيم، من مواليد البصرة القديمة “محلة السيمر” في 1954.
في 1973 دخل الجامعة التكنولوجية في بغداد، وتخرّج منها في 1977 , وبعد إكمال الخدمة الإلزامية، نُسّب إلى المنشأة العامة للحديد والصلب في البصرة، ليعمل مهندساً مدنياً، واجهد نفسه في الدراسة ليحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية.
انتمى إلى حزب “الدعوة” الإسلامية، في مرحلة الدراسة الإعدادية، في بداية السبعينيات، في وقت تعرّض فيه الحزب الى حملة اعدامات بحق أعضائه في كافة مدن العراق، حيث عايش المهندس إعدام قادة الحزب من أمثال الشيخ عارف البصري في حادث اطلق عليه “شهداء قبضة الهدى”.
وشملت حملة الإعدامات، المهندس أيضا، والتي تعاظمت مع توسع قواعد حزب الدعوة بين الجماهير، لاسيما بين الطلاب، حيث شنت السلطات في 1979 حملة إعدامات واسعة بين صفوفهم، وبات المهندس مطلوباً لمحكمة الثورة، سيّئة الصيت، وذلك لمشاركته في احداث رجب بعد اعتقال آية الله الشهيد محمد باقر الصدر، و تزامن ذلك مع تسلم الطاغية صدام الحكم في عام 1979، واستشهاد آية الله محمد باقر الصدر.
وعلى رغم أهوال الجهاد هذه، ومطاردات السلطات له، لم يغفل المهندس دراسة “مقدّمات الحوزة”، في مكتب آية الله العظمى السيد الحكيم في البصرة.

سفر الخروج من الوطن
اضطر المهندس إلى الخروج من العراق في 1980 إلى الكويت، مستشعرا ملاحقة سلطات صدام له، ما اضطره إلى السفر الى طهران والاستقرار هناك، لينضمّ إلى فيلق بدر متدرّجاً في منصبه من مقاتل إلى قائد للفيلق.
وفي 1985، أصبح عضواً في المجلس الأعلى الإسلامي، بعدها عضوا في قيادة المجلس، التي تتكون من ثمانية أعضاء بقيادة الشهيد محمد باقر الحكيم، فكان يمارس عمله سياسيا في المجلس، و عسكريا في فيلق بدر.

سِفر العودة
وقبيل تغيير النظام البائد في 2003، وبعد العودة الى الوطن، تخلى عن المسؤولية في قيادة بدر، والمجلس الاعلى، مفضلا الاستقلالية في خدمة الوطن، لكنه حَرَص على ديمومة العلاقة مع جميع الأطراف السياسية، ليمارس دوره في العملية السياسية الجارية في العراق، وكان له شرف المشاركة في تشكيل الائتلاف الوطني الموحد، والائتلاف الوطني العراقي، والتحالف الوطني الحالي.
وعلى رغم جسامة المسؤوليات السياسية التي تبوأها، آل على نفسه العودة إلى مقاعد الدراسة لدراسة الدكتوراه في العلوم السياسية.
تخلى المهندس عن منصبه داخل البرلمان، وذلك لحين خروج القوات الأمريكية في 2011، بسبب موقفه المبدئي في رفض الاحتلال.
ومنذ احتلال الموصل في العاشر من حزيران 2011، وتشكيل قوات الحشد الشعبي، بفتوى من المرجعية الدينية العليا في النجف، تبوّأ المهندس قيادة قوات المتطوعين من الحشد الشعبي، ليصبح صاحب دور مشهود في التحرير، يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء، جنبا إلى جنب مع قادة الجهاد، ضد التكفيريين وداعميهم في الداخل والخارج.
ولكي لا يكون الحديث إنشاءً، علينا بشهادات المقاتلين، الذين حفروا الخنادق بإشرافه، والتحفوا التراب معه بين العقارب والحيّات، فيقول مقاتل إنّ أبو مهدي المهندس، مقاتلٌ عادلٌ غير منتقم، بالأحقاد على الآخرين الذين يقاتلوه، فلم يتربّص بالمتربّصين بمثل أفعالهم الشريرة، فلم يسمح بحرق مزارع او مداهمة بيوت عنوة، وحذّر المقاتلين من التجاوز على السكان، ما جعله ينال الثقة، عن جدارة واستحقاق.
وبهذا السلوك النبيل، أسّس المهندس لمنهج الفصائل المقاتلة المنضبطة – حيث تجارب العالم عبر التاريخ تشتكي من عدم القدرة في السيطرة التامة على قوات المتطوعين ـ لتكون أول قوات متطوعين في العالم “ملتزمة” بهذا الشكل، وتحت أمرة قيادة واعية لمهماتها، يسيّرها عقائديا، منهج المرجعية الرشيدة،
برَزَ المهندس (المعروف أيضاً باسم جمال جعفر محمد علي)، قائداً في الجبهات، بتوليه قيادة عمليات “كتائب الإمام علي” مضفياً عليها كفاءة قتالية لخبرته الطويلة في القتال، التي امتدت عقودا، وكان قد برز في بادئ الأمر كأحد القتاليين التابعين لـ “حزب الدعوة” العراقي، وتولى بعد ذلك قيادة “فيلق بدر”، وهو الجناح العسكري لـ “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” في العراق، مشاركا طيلة عقود في معارك استهدفت نظام الدكتاتور البائد صدام حسين.
ويروي مقاتل كيف ان المهندس وزّع أدوار المقاتلين، في المناطق المحررة تجنباً للفوضى، وحرصاً على الناس، ومنعاً لسعي الإرهاب، إلى محاولة العودة مرة أخرى، مثلما زرع الثقة في نفوس الناس هناك، وامّنهم على أملاكهم وبيوتهم، في المناطق المحررة، وحتى في المناطق المتنازع عليها الخاضعة للمادة 140، حيث جهود أصحاب النيات السيئة، لا تهدأ في إثارة النعرات القومية والطائفية، وحتى العشائرية.
ورسّخت وجهة نظر المهندس، الانتصار، فهو يرى انه لن يكون كافيا اذا لم يتم الحفاظ عليه، ولن يتم ذلك الا بتعزيز القدرات الأمنية، واستحداث نقاط تفتيش من بغداد، وصولا الى كل منطقة محرّرة جديدة.
وفي احدى مداخلاته، وهو الذي يفضّل العمل على ضجيج الاعلام، وجّه رسالة لأولئك المشكّكين بقدرات الجيش والحشد الشعبي مؤكدا على ان “المجاهدين من أبطال الحشد الشعبي وبالتعاون مع الجيش العراقي كانوا يطبقون الحصار على مدينة تكريت من ثلاثة محاور، وان الحشد الشعبي استفزّ الإرهابيين وجعلهم في وضع نفسي مهزوز”.
إنّ قراءة أفكار المهندس “سهلة”، لان الرجل “واضح” في أهدافه وضوح الشمس، وهذا حال المؤمن الذي لا يساوم ولا يدّعي، بل يقول الحقيقة، فلم يتحدث عن معركةٍ لم تحصل، ولا عن تحريرٍ لم يتم، ولا عن وعدٍ لم يُنفّذ.
وهذه هـي محاسن هذا المجاهد، وأضدادهـا هي المساوئ، التي مسخت وجه خصومه من إرهابيين وسياسيين طائفيين.
وحين تعهّد بالدخول إلى قلب تكريت، صَدَقَ وعده، وأذاق الإرهاب مرارة الهزيمة، وصاح في حواضن الارهاب: أبرزوا إلينـا ولا تحملوا عيالكم علـى الفناء، وهكذا كانت سياسته مع الأقوام التي اشترك أبنائها في مجزرة سبايكر، حيث جلس أبو مهدي عند مذبح المئات من الشباب العراقي، منتحباً لفقد الاحبة، ومصراً على الانتقام العادل من القتلة، ومحذراً من أن “مجاورة السبع والكلـب والحية والثور على طيب الوطـن ونضارة العيش لغدرٍ بالنفس”، فلنحذر من الغدّار، اذا ما أعاد الكرة.
هذا النسق من الأخلاق والسلوك، جعله ينال الثقة بين المقاتلين مثلما كبار القادة العسكريين، ناهيك عن ثقله الكبير بين أقطاب الطبقة السياسية.
وعلى هذا النحو، بشّر المهندس، الشعب العراقي بان عمليات “لبيك يا رسول الله”، لن تتوقف بتحرير مدينة تكريت، وستكون لها صفحات أخرى في الموصل والرمادي.
كما دقّ المهندس، المسمار الأخير في وجه أعداء الحشد الشعبي بقوله ان “الحشد الشعبي هو مؤسسة رسمية تحت امرة رئيس الوزراء”، شاء من شاء وأبى من أبى.
إنّ لسان حال المهندس، لشعبه يقول: أنكم أسرتي ومكان سرّي، وموضع معرفتي، وبكم أعتضـد، وعليكم أعتمد، فلم يعد يهمّه من يدس السم في العسل، فيسعى بغاياته السيئة الى تحريف قانون الحرس الوطني بنسج ثوبه بخيوط طائفية، ينتج عنها جيوشا مناطقية، تتقاتل وتتصارع بأوامر من سياسيي الطائفة والمذهب المُجرّبين طيلة عقود، فقسموا الشعب وأهانوا الامة، فلا مجال لتجربتهم بعد ذلك في الحرس الوطني، ذلك انّ الذي يستخرج السم مـن ناب الحية، فيبتلعـه ليجرّبه، جانٍ على نفسه.
يظل أبو مهدي المهندس، لزمن طويل من الدهر، اسماً خالداً، بعدما جلّل سيرته بهدي أهل البيت(ع)، وانتفض على جبابرة الإرهاب، وهدم أسس بنائهم، وبنى حصـونا من العدل، بديلا لها، على رغم ما استكثـــروا مـــن السلاح والكِراع، حتى اكتسب جميل الذكـر، واغتنام الشكر، من الشعب والمرجعية الرشيدة، على حد سواء.

المسلة

اترك تعليقاً