الرئيسية / مقالات / تعطيل الحركة اليسارية، أي حركة يسارية، لصالح من؟ ولأجل ماذا؟ / 3

تعطيل الحركة اليسارية، أي حركة يسارية، لصالح من؟ ولأجل ماذا؟ / 3

السيمر / الخميس 03 . 03 . 2016

محمد الحنفي

انحراف اليسار يقود إلى التفتيت والتفكيك:
ويمكن أن يصير التفتيت، والتفكيك، مترتبا عن الانحراف الذي تعرفه أحزاب اليسار.
فمنذ مجيء ماركس، وبلورة مفهوم الاشتراكية العلمية، على أساس اكتشاف قوانين المادية الجدلية، والمادية التاريخية، والمحرفون يبذلون كل مافي وسعهم، من أن اجل تحريف المسار العلمي للاشتراكية العلمية، حتى لا يقع حولها الإجماع، ومن أجل أن لا تصير أيديولوجية علمية لجميع الأحزاب اليسارية، التي تقوم أيديولوجيتها على أساس توظيف القوانين العلمية للاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، التي بدون اعتمادها لا يقوم هنا، أو هناك، تحليل ملموس، لواقع ملموس، الذي يعتبر شرطا لمعرفة خصوصية واقع معين، ولمعرفة القوانين المتحكمة فيه، ولمعرفة ما يجب عمله من أجل تغييره. ذلك أن الاشتراكية العلمية، تعتبر مسألة أساسية، لاستيعاب الواقع، والوقوف على الأفكار المعبرة عن مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يتم تفعيل تلك الأفكار، باعتبارها أيديولوجية الكادحين، التي تستقطب حولها كل العاملين في القطاع العام، وفي القطاع الخاص، وجميع الكادحين، والطلبة، والتلاميذ، وغيرهم، بالإضافة إلى الفلاحين الفقراء، والمعدمين، وبناء الأيديولوجية، عندما لا يتم على أساس الانطلاق من الاقتناع بنجاعة قوانين الاشتراكية العلمية: المادية الجدلية، والمادية التاريخية، في التحليل الملموس، للواقع الملموس، تصير الأيديولوجية تحريفية. والتحريفية لا يمكن أن تنتج إلا تفتيت اليسار، وتفكيكه، كالانطلاق من الماركسية اللينينية، ومن المادية المطلقة، ومن الستالينية، ومن الماوية، ومن التجربة الفيتنامية، وغيرها، ليتحول اليسار إلى يسار تحريفي، وإلى تياسر. والتياسر المتعدد الأوجه، ما هو إلا مجموعة من المعاول التي تهدف إلى هدم قوانين الاشتراكية العلمية، التي يبدع موظفوا قوانينها المادية الجدلية، والمادية التاريخية، في تطورهما، تبعا للتطور الذي يحصل في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والعلمي، والمعرفي، والفلسفي، وغير ذلك، حتى يخلو منها المجال الذي يبقى حكرا على التحريفيين، المصنفين في خانة اليسار.
فالمنطلقات التي يعتمدها التحريفيون، هي التي تحول دون تحولهم إلى يسار حقيقي؛ لأته لا يسار حقيقي دون اعتماد الاشتراكية العلمية، كمنطلق لبناء اليسار الذي يتفاعل مع الواقع تفاعلا علميا، ويفعل فيه من منطلق برنامج علمي، في افق تغييره، وتطويره إلى الأحسن، حتى يعمل على إنضاج شروط الاندماج بين مكونات اليسار المختلفة.
ويمكن أن نعتبر عدم الانسجام القائم بين أيديولوجية اليسار، والتصور التنظيمي، هو السبب في التفتيت، والتفكيك، مما يؤدي بالضرورة إلى وجود عدة تنظيمات يسارية، لها نفس المنطلقات الأيديولوجية، ولكن تصوراتها التنظيمية مختلفة، مع أن المنطق الأيديولوجي المعتمد من قبل العديد من التنظيمات اليسارية، لا بد أن يجعل كلا منها يحمل نفس التصور التنظيمي، مع بعض الاختلافات التي لا تتناقض مع الأيديولوجية، القائمة على أساس اعتماد الاشتراكية العلمية كمنطلق. وهو ما يمهد الطريق أمام العمل المشترك، وامام التحالف، وأمام قيام فيدرالية لأحزاب اليسار، في افق إنضاج الشروط الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، لقيام حزب يساري كبير.
ذلك أن على التنظيمات اليسارية، أن تعمل على دراسة واقعها الأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي، في أفق العمل على إيجاد قواسم مشتركة، تعتمد في التسريع بقيام وحدة أيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية، حتى تصير تلك الوحدة التي يجب أن تتحقق على أرض الواقع، من أجل جعل قوة الحزب اليساري الكبير، في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي خدمة مصالح الشعب المغربي، وفي خدمة الوحدة الوطنية، التي تعتر شرطا لوطنية الحزب اليساري الكبير، وإلا، فإنه حزب لا وطني، ولأن مهام الحزب اليساري الكبير، الذي يقوم على أساس الوحدة الأيديولوجية، القائمة على أساس الانطلاق من الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وعلى أساس الوحدة التنظيمية، المنسجمة مع الوحدة الأيديولوجية، وعلى أساس الوحدة السياسية، المعبرة عن قيام التنظيم بالتحليل الملموس، للواقع الملموس، والقيام بإعداد الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، التي يجب أن تمتلك وعيها بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وبذاتها، وبدورها في العمل على حماية المكاسب المتحققة، مع العمل على انتزاع مكاسب جديدة، وبموقعها في عملية الإنتاج، وبدورها في تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية لصالحها، انطلاقا من العمل على إنضاج شروط الارتقاء بالتشكيلة الاقتصادية ـ الاجتماعية، إلى تشكيلة اقتصادية ـ اجتماعية أرقى، والانكباب على بناء النظام السياسي المنسجم مع التشكيلة الجديدة، مع إعداد القوانين المنسجمة مع التحولات القائمة، لترسيخ نظام الحكم، الذي يسعى إلى تحقيقه الحزب اليساري الكبير، والقائم على أساس التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، باعتبارها طموحات الجماهير الشعبية الكادحة.
وما يمارسه بعض المحسوبين على قيادات اليسار، مما لا علاقة له لا بأيديولوجية اليسار، ولا بالتصور التنظيمي لليسار، ولا بمواقفه السياسية، هو الذي يقود فعلا إلى تعطيل حركة اليسار، وإلى التفتيت، والتفكيك، في صفوف تنظيم اليسار، مما يكلف التنظيم اليساري خسارة كبرى: أيديولوجية، وتنظيمية، وسياسية.
وهذا النوع من القيادة اليسارية، لا يمكن اعتباره إلا مريضا بالتطلعات البورجوازية الصغرى، التي يسجن القياديون المذكورون أنفسهم في إطار تلك التطلعات، التي يحرصون على تحقيقها، موظفين، من أجل ذلك، تنظيمات اليسار، محرفين الأيديولوجيات، ومتلاعبين في مصير التنظيم، وفي المواقف السياسية، ولا يهمهم أن يتقدم التنظيم اليساري، أو يتجذر في الواقع، أو يتطور أيديولوجيا، وتنظيميان وسياسيا. وإن ما يهم هذا النوع من القياديين، هو توظيف التنظيم لخدمة المصالح الخاصة، التي يترتب عنها تحقيق التطلعات الطبقية. وبعد ذلك، فليذهب التنظيم إلى الجحيم؛ لأنهم إذا لم يوظفوا التنظيم اليساري من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، يلجأون على توظيف التنظيم النقابي، أو التنظيم الحقوقي، أو التنظيم الجمعوي، والثقافي، والتربوي، أو التنموي، وغيره من التنظيمات المختلفة، التي تصلح للتوظيف، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية.
وهذا النوع من القياديين، هو الذي يقف وراء النزيف اللا محدود، الذي يعرفه اليسار الساعي إلى غرض التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

اترك تعليقاً