الرئيسية / مقالات / الفيلسوف المرزوقي وثقافة الاسترزاق

الفيلسوف المرزوقي وثقافة الاسترزاق

السيمر / الثلاثاء 12 . 07 . 2016

صالح الطائي

محمد الحبيب المرزوقي، أو أبو يعرب المرزوقي رجل مدع من دولة تونس العربية الشقيقة، من مواليد مدينة بنزرت سنة 1947م، يدعون أنه فيلسوف ومفكر عربي.
ويقولون إن له توجها فلسفيا إسلاميا في إطار وحدة الفكر الإنساني تاريخيا وبنيويا.
ويتوهمون أنه نجح في التأسيس لفلسفة عربية معاصرة، لا تناصب الدين العداء وإنما تتفيء بظلاله، وتسترشد بتوجيهاته.
ولهم فيه أقوال وآراء لم تخضع للأسف إلى موازين الاختبار لتتبين حقيقتها ويُعرف جوهرها ومعدنها وأصلها، بل على خلاف ذلك هناك عشرات المؤشرات على أثرها السلبي على الأمتين العربية والإسلامية، بما يدل على أنه منافق أفاك، فمن يقرأ كتاباته، يجد له وجوها كثرا: دكتور … سياسي … فيلسوف … مفكر… رجل دين عروبي إخواني، لا يمكن لها أن تجتمع سوية إلا لدى من يحسن النفاق ويجيد اللعب على الحبال والتلون حسب المطلب.
فهو العلماني ظاهرا بحيث لا يتردد في مدح السياحة وما تدره من أرباح، وفي ذات الوقت لا يخجل من قول: “وتعلمون أن السياحة في الحقيقة بغاء سري”. قال ذلك في مداخلته في مؤتمر حركة النهضة بقصر المعارض بالكرم في 16 يوليو 2012، لكي يسترضي الإسلاميين في الحركة، ويتمكن من بناء قاعدة جماهيرية بين صفوفهم تمكنه من تحقيق أمنياته بكرسي الحكم بعد أن كان قد رشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 عن قائمة حزب حركة النهضة وفاز بمقعد في المجلس الوطني التأسيسي. وعُيّن مستشارا لرئيس الحكومة حمادي الجبالي.
والمعروف أن حركة النهضة التي ينتمي لها حركة سياسية دينية إخوانية سلفية كانت تعرف سابقا باسم (الجماعة الإسلامية) ثم عرفت باسم (حركة الاتجاه الإسلامي) قبل أن يتحول أسمها إلى (حركة النهضة) وتمثل الحركة التيار الإسلامي (الإخواني) في تونس منذ تأسيسها عام 1972.
كانت الحركة قد أعلنت عن نفسها رسميا في 6 حزيران 1981، ولكن الاعتراف الرسمي بها كحزب سياسي لم يتم إلا في 1 مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشي الثانية، بعد اندلاع ما يعرف بالربيع العربي في تونس في 17 كانون الأول 2010، والظاهر أنها كانت محاولة استرضاء.
في انتخابات عام 2011 ، فازت الحركة بتسعة وثمانين مقعدا من أصل مائتين وسبعة عشر، أي حوالي 42% من المقاعد بدعم مالي وإعلامي من السعودية وقطر، ولكنها لم تتمكن من ممارسة الحكم إلا من خلال الائتلاف مع حزبين آخرين، وذلك حتى 2014. بمعنى أنها كانت تشعر بنصف نصر لا بنصر كامل يطلق يدها في شؤون البلاد والعباد، وأنها ستبقى عاجزة عن تحقيق النصر الكامل بسبب طبيعة المجتمع التونسي المنفتح، وهذا بالذات أقصد الشعور بعدم الجدوى؛ هو الذي دفع المرزوقي إلى تقديم استقالته من المجلس في 6 آذار 2013، واعتزال السياسة. وهذا تخمين جيد لأن الحركة حلت في انتخابات عام 2014 في المرتبة الثانية.
إن الرجل وكما يبدو من تاريخه لا يمت إلى العلم بصلة وإنما هو مجرد صياد جوائز من جماعة (الكاوبوي) في الغرب الأمريكي، يبحث عن فرصة سانحة ولا يهمه أن يخلع ثوب العلم ويلبس ثوب (الشطار) إذا دعت الضرورة، عسى أن ينال النجومية والصيت والمكسب، وهو ما اعترف به بنفسه في هجومه على الدكتور عدنان إبراهيم الذي أفحمه في حوار بينهما بقوله: “إن ما يسميه المدافعون عن عدنان إبراهيم رسالة أكاديمية نال بها الدكتوراه كما يزعمون ليست هي إلا الخاصية المشتركة بين كل المترشحين لنيل النجومية والصيت في الغرب مع الجهل التام بمعنى البحث العلمي”(1) ودافع هذا القول؛ الذي لا يمت إلى العلمية بصلة هو النرجسية بالتأكيد، ولاسيما وأن هناك عشرات الأقوال التي أدلى بها في أكثر من مناسبة، تؤكد بلا أدنى شك أن النرجسية تتلاعب بعقله وتؤثر على قراره، ولهذا السبب حاول أكثر من مرة الطعن بالمثقفين التونسيين وتطاول عليهم، ولم يحترم تخصصاتهم، فقال: “ولنا في تونس الآلاف من هذا الرهط الذين يكثرون ترديد كلمة العلم وأسماء العلوم والكتب بعناوينها دون مضمونها، وهم أجهل خلق الله حتى بمقتضى طبيعة دراستهم التي هي في الغالب الآداب العربية أو بعض مبادئ العلوم الطبيعية الغفلة”(2).
إن من يعرف أثر النرجسية على سلوك الأفراد لا يستغرب أن يتخلى المرزوقي عن (أعلميته) الفارغة و(مهنيته) الكاذبة لمجرد أن هناك من هزمه في حوار أو من تقدم عليه في علم، ولذا قال بعد هزيمته على يد الدكتور عدنان إبراهيم: ” وبت لا استغرب ما قاله في حوار متلفز معي بعد أن تعرفت على الكثير ممن يعتبرونه هو وأركون وناصر حامد أبا زيد علماء رغم أنهم أكثر تخلفا حتى من الشيوخ التقليديين والفرق هو في التشرق والتغرب لا غير”(3).
إن عدم احترام بعض الشخصيات العلمية التي تركت بصمة واضحة على الفكر العربي والإسلامي المعاصر لا يدل على نقص في الشخصية فحسب، وإنما يؤكد أن هذا الرجل المدعي، يسعى من وراء ما يكتب وينشر إلى إرضاء بعض الذين اتخذهم أسيادا وأولياء نعمة لكي ينال أعطياتهم، ويفوز برضاهم، ولذا لا نستغرب تهجمه المتكرر على إيران بشكل خاص وعلى الشيعة بشكل عام طالما أن أسياده يكرهون هذين المكونين، ويبحثون عمن يحاول النيل منهما.
إن مجرد وجود هذا التهافت الكبير في شخصية المرزوقي، يسقط عنه جميع الألقاب العلمية التي يتخفى وراءها، فالمفروض بالفيلسوف أن يكون محايدا ـ في الأقل ـ هذا ما تعلمناه من قراءتنا للفلسفة، لكن المرزوقي يبدو متحيزا بشكل لا يتناسب مع اللقب الذي يمنحه لنفسه وهو لقب فيلسوف، فهو بدلا من البحث عن حجج وأعذار لفك طلاسم الخلاف بين الفرقاء والفرق، ولاسيما الفرق الإسلامية، نجده متطرفا قاسيا على التشيع بشكل غير معقول، وقاسيا على إيران دون سواها بالرغم من أن مساوئ إيران، هذا إذا ما كانت لإيران مساوئ، هي أقل بمئات المرات من غيرها، ولنأخذ تركيا على سبيل المثال؛ التي لا زال المرزوقي يتحبب إليها، ويدافع عنها، فهي سبب رئيس من أسباب تدمير سوريا والعراق وليبيا، وهو أمر لا يتمكن من إثبات صدور ما يشبهه عن إيران؛ التي كانت ولا زالت تدعم حركات التحرر في الوطن العربي، وتقدم لحماس أكثر بكثير مما يقدمه لها العرب كلهم، ولكنه لا يذكر تركيا إلا بخير تماما مثلما كان أجداده يتحدثون عن سلاطين آل عثمان الذين أساءوا للعرب والإسلام أكثر من كل الأقوام الغازية، وهذا يعني أنه متحيز كبير لا يعرف الحياد!
إن استمرار المرزوقي بالتهجم على التشيع، يصب في مصلحة أعداء الأمة ويزرع بين مكوناتها الفرقة والكراهية والبغضاء والتنافر، ولو كان المرزوقي يملك ذرة من الإيمان الحقيقي لقال حقا أو سكت بدل أن يهذي ويهجر.

الهوامش
(1) (2) (3) مقال للمرزوقي بعنوان “دكتوراه عدنان إبراهيم – هل هي رسالة علمية أم رسالة ترشح للنجومية في الغرب؟” منشور في موقعه

http://abouyaarebmarzouki.wordpress.com

اترك تعليقاً