الرئيسية / مقالات / أثر الممارسة الديمقراطية في تكريس دور المدرسة العمومية؟/4

أثر الممارسة الديمقراطية في تكريس دور المدرسة العمومية؟/4

السيمر / الاحد 11 . 09 . 2016

محمد الحنفي / المغرب

إهداء
إلى زوج الرفيق / الفقيد عرش بوبكر، المناضل الطليعي الذي كرس حياته في التفاني في تعليم أبناء الكادحين.
إلى تلاميذه في ربوع هذا الوطن.
إلى رفاقه الذين لا زالوا على قيد الحياة.
من أجل الوفاء إلى الرسالة التربوية التي وقفت وراء انفراز ثلة من المناضلين الأوفياء من الذين قضوا، ومن الذين لازالوا على قيد الحياة.

مفهوم المدرسة العمومية:
وبعد وقوفنا على مفهوم الديمقراطية، بمضامينها المختلفة، وفي علاقته بالحرية، والعدالة الاجتماعية، ووقوفنا على مفهوم الممارسة الديمقراطية، بمضامينها كذلك، وفي علاقتها مع ممارسة الحرية، وممارسة العدالة الاجتماعية، نصل إلى المفهوم الثالث، الذي يعنينا في موضوع: “اثر الممارسة الديمقراطية في تكريس دور المدرسة العمومية”، من منطلق أن المدرسة العمومية إطار مصغر للمجتمع المتصور، ووسيلة للتسريع بعملية التحول المتواصل في المجتمع القائم على توظيف المعرفة العامة، والمعرفة العلمية الدقيقة في العمليات الإنتاجية، والخدماتية، القائمة في المجتمع.
وما دمنا نقف أمام مفهوم المدرسة العمومية، فإننا نجد أنفسنا، كذلك، أمام مصطلحين: مصطلح مدرسة، ومصطلح عمومية.
فالمدرسة هي الإطار: المكان المخصص للدراسة، التي تستهدف في تقديم المعارف المختلفة للأجيال المتعاقبة، بطريقة منتظمة، وبواسطة عمل منتظم، انطلاقا من برنامج محدد، ومتدرج من الأدنى، إلى الأعلى، انطلاقا من مراحل محددة، ومتدرجة بدورها، لإتاحة الفرصة أمام إعداد الأجيال في مختلف المستويات الدنيا، والمتوسطة، والعليا، بواسطة أطر متخصصة، ومتناسبة، ومناسبة لمختلف المستويات، وصولا إلى إعداد الأطر الإنتاجية، والخدماتية، ولإعداد مختلف المؤهلات التي تحتاج إليها المؤسسات الإنتاجية، والخدماتية، ولممارسة مختلف المهن التي يحتاج إليها المجتمع، دون أن تتعارض مع المقومات البيئية، والجغرافية، والتاريخية، والاجتماعية، والإنسانية.
والمدرسة الإطار لما ذكرنا، لا يمكن أن تنشأ إلا في محيط معين، بأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ولا يحضر فيه إلا الإنسان التلميذ، الذي يحتاج إلى وسط تربوي / تعليمي / تعلمي، تشرف عليه هيأة تربوية / تعليمية ، تعلمية، تملك من المؤهلات، والقدرات والكفاءات، ما يمكنها من أداء مهامها، في تفاعل مع الأجيال المتعاقبة.
والمدرسة الإطار، لا يمكن أن تقوم بمهامها إلا إذا كانت الممارسة التربوية فيها ممارسة تربوية ديمقراطية.
والممارسة التربوية الديمقراطية، لا بد لها من مجموعة من المقومات:
المقوم الأول: أن تكون هذه المدرسة شعبية، مفتوحة أمام جميع أبناء الشعب المغربي، دون استثناء، ودون استحضار للفوارق الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسة، تستقبل التلاميذ دون اعتبار لجنسهم، أو عرقهم، أو لغتهم، أو دينهم، وعلى أساس المساواة فيما بينهم.
والمقوم الثاني: أن تكون المدرسة ديمقراطية. وديمقراطيتها تأتي من خلال مساهمة الأطراف المعنية: الهيئة التربوية / التعليمية / التعلمية، والآباء، والجماعات المحلية، والسلطات الوصية في تدبير أمرها، وفي تسييرها، بناء على ما يتقرر في هيأة التدبير والتسيير بطريقة ديمقراطية، وسعيا إلى جعل المدرسة الديمقراطية مرتبطة ارتباطا عضويا بمحيطها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وأن تساهم الإطارات المعنية بالعملية التربوية / التعليمية / التعلمية: المدرسون، والتلاميذ، والإدارة التربوية، والمراقبة التربوية، في إنجاح العملية التربوية / التعليمية / التعلمية في جميع مراحلها، حتى تؤدي دورها لصالح الأجيال الصاعدة.
والمقوم الثالث: أن تكون البرامج الدراسية من وضع جميع الأطراف المعنية، وبطريقة ديمقراطية، حتى تستجيب للحاجيات الآنية، والمرحلية، والإستراتيجية للشعب المغربي، وفي جميع جوانب الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.
والمقوم الرابع: هو ربط المدرسة بالتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى تكون منتجة لصالح المجتمع، وحتى تساهم في عملية التحول الإيجابي الذي يعرفه الواقع.
والمقوم الخامس: هو احتضان المدرسة من قبل المجتمع، وصيرورتها مقصدا لجميع أبنائه، لدورها الإيجابي، ولتفاني أطرها في تقديم الخدمة التربوية / التعليمية / التعلمية كما يجب.
وفي حالة تحقق هذه المقومات في المدرسة، فإنها تصير مدرسة عمومية.
والعمومية هي المصطلح الثاني الذي يصادفنا في مفهوم المدرسة العمومية. وهذا المصطلح يحيلنا على ما هو عام. والعام كل ما هو مشترك بين الناس الذين يعيشون في مكان واحد، وفي زمن واحد لا يتأثر إلا بعملية تحول الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والقانوني، كما هو الشأن بالنسبة للعادات، والتقاليد، والأعراف، وغيرها، مما يتأثر به من يعيش في نفس المكان، وفي نفس الزمن، وفي ظل قيام نفس النظام السياسي، الذي يعتمد تنظيم حياة الناس بنفس القوانين، ويشرف على تنظيم نفس الاقتصاد، بنفس القيم السائدة في المجتمع.
ويدخل في إطار العام القوانين التي يخضع لها جميع الناس، في ظل قيام نفس الدولة، والبرامج التعليمية المعتمدة في المدارس العمومية، وطريقة العلاج المتبعة في مختلف المؤسسات الصحية، وكل الوسائل المعتمدة في النقل العمومي، والمقاييس المعتمدة في تشغيل الناس في مختلف المناصب، وفي مختلف المؤسسات العمومية.
ويدخل في إطار العام، كذلك، جميع القوانين الدولية التي توجه التشريعات المحلية في جميع أنحاء العالم، كما هو الشأن بالنسبة للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، التي يمكن أن تصير ملزمة لجميع الدول، ولجميع الحكومات، ولجميع الناس في جميع أنحاء العالم.
وانطلاقا من كلمة العام، يمكن النسبة إليها بكلمة العمومي، لأن العام مأخوذ من عم: أي أن العام يصير متاحا لجميع الناس، بقطع النظر من انتماءاتهم الطبقية، والعرقية، واللغوية، والدينية، ومؤنث العمومي العمومية، التي تصير وصفا للموصوف بالتأنيث، وهو ما يعني أن المشترك بين جميع الناس قد يكون مذكرا، وقد يكون مؤنثا.
ومادامت المدرسة مؤنثة، فإن وصفها يكون بالمؤنث، كما هو الشأن بالنسبة لجميع الأسماء المؤنثة.
وبذلك نصل إلى أن مفهوم المدرسة العمومية يعنى: أن المدرسة تقدم الخدمة التعليمية لجميع أبناء الشعب، على أساس المساواة فيما بينهم في الحقوق، والواجبات، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تقتضي تقديم نفس الخدمة بنفس الحصص في نفس المستوى التعليمي إلى جميع تلاميذ المؤسسة، بنفس الطرق المتناسبة مع طبيعة المعرفة المقدمة، وبنفس العملية التربوية / التعليمية / التعلمية، بقطع النظر عن الانتماءات المختلفة للتلاميذ، سعيا إلى احترام مبدأ تكافؤ الفرص.
وهذا المفهوم يرتبط بالممارسة الديمقراطية، كما يرتبط بممارسة الحرية، وممارسة العدالة الاجتماعية، حتى تصير المدرسة العمومية مصدر للقيم النبيلة المتقدمة، والمتطورة، والهادفة إلى تحقيق المجتمع المتصور على أرض الواقع.

اترك تعليقاً