الرئيسية / الأخبار / من الموصل الى دير الزور.. أميركا تواصل سياسة الخبث

من الموصل الى دير الزور.. أميركا تواصل سياسة الخبث

السيمر / السبت 22 . 10 . 2016

عمر معربوني

أميركا التي خطّطت وتعمل على تنفيذ مخططها لا تزال قادرة على التحكم بالكثير من مفاصل الصراع الذي كانت تأمل ان تحسمه بوقت قصير، وتؤمن من خلاله هيمنة تامّة على المنطقة وثرواتها، وهو الأمر الذي جوبه من قوى محور المقاومة وغيّر من معالم الصراع ومساره بسبب الإرادة الواضحة والثابتة بضرورة إفشال المخطط وتحقيق الهزيمة فيه.
بإختصار، يمكننا القول ان المخطط الأميركي لم يحقق اهدافه ولكنه لم يصل بعد الى مرحلة الهزيمة، وهوما ينبئ بتواصل الصراع المفتوح والشامل، فمع كل تراجع للمخطط الأميركي سنشهد شراسة اكبر في استمرار اميركا بمتابعة سياساتها ونهجها طالما انها لا تقدم خسارات مباشرة مالية وبشرية، وهي التي تندرج ضمن سياسة الحروب البديلة التي باتت اميركا تعتمد فيها على جماعات تابعة لها في كل بلدان الصراع، وخصوصًا الجماعات التكفيرية المتطرفة التي يشكل الفكر الوهابي اساسًا لها ولو اختلفت المسميات، وهو امر بدأ مع البريطانيين والفرنسيين عندما قدّموا الدعم لجماعة الأخوان المسلمين، وانتقل الدعم لاحقًا الى كنف الأميركيين حيث نذكر كيف تم وضع الأخوان بمواجهة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مصر وبمواجهة الرئيس الراحل حافظ الأسد في سوريا.
هذه الأيام لم يتغير المشهد كثيرًا، حيث تخوض اميركا معاركها بالإعتماد على الجماعات التكفيرية مستخدمة مسميات مختلفة كالمعارضة المعتدلة والحركات الثورية، وما الى ذلك من مسميات ليست إلا اوعية لمادة واحدة، والهدف هو امكانية القيام بالمناورات السياسية لتغيير انماط المواجهة والتمكن بشكل دائم ومستمر من استمرار الإستثمار في الجماعات التكفيرية.
في هذه المرحلة نعيش بدايات انطلاق معركة الموصل، والتي يبدو واضحًا انها تهدف من ضمن اهدافها الى دفع قوات داعش للإنسحاب باتجاه الرقّة ودير الزور، حيث ومن خلال متابعة تقدم القوات العراقية نرى ان التقدم لم يشمل المنطقة الغربية للموصل، ليس المدينة فقط وانما منطقة الموصل باكملها. وهنا لا بد من طرح مسألة بغاية الأهمية، وهي الجهة الفعلية التي تقود العمليات وتنسيق الجهد الناري بما فيه القصف الجوي. فرغم اعلان القيادة السياسية العراقية ان قيادة العمليات هي حصرًا بيد القيادة العسكرية، إلّا ان مجموعة من التساؤلات ترتبط بشكل انتشار القوات وتقدمها تذهب بنا الى طرح العديد من الأسئلة وعلى رأسها سؤال كبير: هل تدرك القيادة العراقية فعلًا الهدف الأميركي بدفع داعش نحو المنطقة الشرقية في سوريا، واذا ما كانت تدرك ذلك فما هي الإجراءات التي ستقوم بها القوة الجوية العراقية بهذا الصدد؟
هنا لا بد من الإشارة الى ان مسرح العمليات واسع جدًا، وان قوات داعش تنتشر على كامل الأراضي التي سيطرت عليها سابقًا ومن ضمنها منطقة الحويجة جنوب الموصل، والتي تعتبر خاصرة رخوة يمكن لداعش من خلالها القيام بمناورات التفاف واسعة يعيق من خلالها تقدم القوات العراقية ويؤمن جذب قسم كبير منها وخصوصًا القوات المرتبطة بمعركة الموصل.
في المباشر، إنّ تعدّد القوات التي تحيط بمدينة الموصل من البشمركة الكردية الى الحشد الشعبي العراقي الى تشكيلات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية يضعنا امام مشهد معقد في منظومة القيادة والسيطرة التي تحتاج الى مستوى عالٍ من الخبرة في تنسيق الجهود وقيادة القوات.
وتبقى المسألة الأخطر المرتبطة بنتائج معركة الموصل هو تسلل اعداد كبيرة من مقاتلي داعش الى سوريا للضغط على منطقة دير الزور بشكل رئيسي، وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الغارات الأميركية الأخيرة على مواقع الجيش السوري، حيث كان مقررًا ان يسيطر داعش بعد الغارات على مواقع الجيش في كامل جبل الثردة، وهو ما لم يتحقق بسبب تدخل الطيران السوري والروسي الذي قام بسرعة بضرب قوات داعش ومنعها من تنفيذ اهدافها.
وعلى هذا الأساس، يبدو ضروريًا تفعيل آليات التنسيق بين القيادتين العراقية والسورية مع القيادة الروسية لإيصال المعلومات عن تحركات قوات داعش واستهدافها، خصوصًا اذا ما علمنا ان المنطقة الفاصلة بين الموصل ودير الزور بغالبها هي مناطق صحراوية وجرداء يمكن للطائرات العمل فيها بفعالية اذا ما تم استثمار المعلومات التقنية للاقمار الصناعية ووسائط المراقبة المتعددة، وهو ما ننتظره لتأمين عدم وصول ارتال داعش المنسحبة من منطقة الموصل باتجاه دير الزور، وهي ارتال تتحرك هذه المرة باعداد قليلة ما يعني ضرورة القيام بجهد استثنائي وجبار.
في كل الأحوال، سيشكل هذا الخبث الأميركي مادة اساسية للجانب الروسي للتدخل الناري واستهداف ارتال وقوات داعش، بما يعنيه ذلك من صعوبات وجهد يتطلبه الأمر.
وفي حال لم ترتقِ الأمور الى المستوى المطلوب، فإننا سنكون امام انتكاسات خطيرة قد تتعرض لها وحدات الجيش السوري في منطقة دير الزور.

*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
بيروت برس

اترك تعليقاً