أخبار عاجلة
الرئيسية / الأخبار / خطيب جمعة بغداد يحذر من “الأخطار الثقافية” ويدعو لنشر المعرفة والثقافة والوعي الصحيح بين الشباب لمواجهة التحديات الفكرية

خطيب جمعة بغداد يحذر من “الأخطار الثقافية” ويدعو لنشر المعرفة والثقافة والوعي الصحيح بين الشباب لمواجهة التحديات الفكرية

السيمر / الجمعة 07 . 04 . 2017 — حذر خطيب وامام جمعة بغداد السيد رسول الياسري في خطبة الجمعة، مما سماها بالأخطار الثقافية، معتبرا ان الامية الثقافية ليست مشكلة بذاتها وانما الثقافة المستوردة اخطر واشد فتكا في الشباب والمجتمعات، داعيا الى نشر المعرفة والثقافة والوعي الصحيح بين الشباب، معللاً بعض أسباب الأزمة الثقافية هو ولادة ما يسمى (الثقافة المعاصرة) واصفاً بان ولادتها غير طبيعية لأنها نشأت ونبتت وترعرعت في بيئات حضارية أخرى غير بيئتنا ثم نقلت إلى بيئتنا الحضارية.
وقال السيد رسول الياسري من على منبر جامع الرحمن في المنصور ببغداد، إن “الأخطار التي تهدد المجتمع العراقي والعربي والاسلامي كثيرة منها السياسية والاقتصادية والعسكرية والصحية والبيئية والثقافية وغيرها، ولكن الأخطار الثقافية أكثر بلا شك لأنها هي التي تجر علينا سائر الأخطار، وبالعكس الثقافة الربانية الراشدة النابعة من منابع الوحي تقينا وتحفظنا من سائر الأخطار، وقد عرف خصومنا هذه الحقيقة فأخذوا يخططون ويعملون بشكل هادف باتجاه التخريب الثقافي في العالم الإسلامي ثم ينفذون من خلاله إلى سائر أهدافهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها ، لذلك كان علينا أن نعرف هذه الأخطار بصورة دقيقة ونعرف كيف نواجهها ونعالجها”.
واضاف “لم تعد الامية الثقافية مشكلة يجب أن نبحث لها عن حل وإنما نفس الثقافة أيضا تتحول إلى أزمة ومشكلة إذا لم نسلك اليها المسالك الصحيحة الراشدة وأزمة الثقافة أشد من مشكلة الامية الثقافية لأن الامية الثقافية ضعف وعجز بينما الثقافة سلاح وقوة فإذا انحرفت وشطت كانت أخطر من مشكلة الأمية، ثم إن التحول من الفقر إلى الغنى ومن الأمية إلى الثقافة ومن الاستبداد إلى الحرية لا يعتبر تحولا جوهريا من الفساد إلى الصلاح ومن الضعف إلى القوة ما لم يقترن بمنهج صحيح في توظيف الثروة والحرية ونهج راشد في الوصول الى الثقافة الربانية فإن الثقافات الجاهلية أخطر من الأمية الثقافية وإن أخذت عناوين براقة كالحداثة وما بعدها والمدنية وما شاكلها وهذه الأزمات الثقافة هي من أخطر المشاكل التي نعاني منها اليوم”.
وبين الياسري “مما أسس له أئمتنا عليهم السلام هو طريق الوعي للانتهاء بالصراط وإلى رضوان واحاديث النبي واهل البيت تشكل بعدا ثقافيا ومعرفيا هاما يربط بين عالم الدنيا وعالم الآخرة وأن قيمة كل أمة بثقافتها فعلينا أن نلتفت إلى تلك القيمة الأساس، فالثقافة في كل أمة بحكم الحجر الأساس والقاعدة التي تقوم عليها تلك الأمة، فإذا كانت ثقافتها هزيلة وضعيفة كانت بنية تلك الأمة هشة وضعيفة ومنخورة، وإذا كانت ثقافتها قوية وراشدة ومتكاملة كانت الأمة قوية ومتكاملة ومتطورة ومتماسكة في علاقاتها الاجتماعية وقدراتها العلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها”.
واشار الياسري إن “أسباب التبعية السياسية والاقتصادية والتخلف العلمي والإداري والاقتصادي والسياسي البعيدة هي الثقافة لا محالة اذ إن الأمة التي تأخذ بثقافة (وقل ربي زدني علما) تتجاوز لا محالة حالة التخلف العلمي، بينما نجد أن كثيرا من أبناء هذه الأمة الإسلامية ابتعدوا عن هذه الثقافة لذا بدى عليهم حالة التراجع والتردي لأنهم استشعروا الكفاية فضلا عمن لا يرى أهمية للعلم فتجده يحارب العلماء بسبب جهله”.
وتابع الياسري “لقد دعا المرجع اليعقوبي إلى أن يكون هناك يوما عالميا للقراءة في يوم المبعث النبوي الشريف لإعادة الأمة إلى الكتاب لان هلاك الرجال يكون بترك المعرفة النابعة من العلم، وان النساء قد تنشغل مثلا بالموديلات والقضايا الجمالية الظاهرية وتترك المعرفة التي تمنحها خير الدارين وسعادتهما ، كما الأمة التي تأخذ بثقافة (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) تتغلب لا محالة على حالات الاستبداد السياسي والقمعي في علاقتها بالنظام الحاكم ، والأمة التي تتمسك بثقافة الحوار والانفتاح في قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) ، (والذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) ، (وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا) هذه الأمة تتجاوز حالات الانغلاق والانكفاء على الذات وتدخل في ساحة التعامل والتفاعل الحضاري والسياسي الاقتصادي العالمي، وهكذا الثقافة الراشدة هي أساس النمو السوي والتكامل العلمي والاقتصادي والسياسي في كل أمة”.
وكشف الياسري أن “الثقافة كلمة حديثة دخلت أدبياتنا المعاصرة وشاع استعمالها وهي قريبة جدا أو متطابقة مع كلمة المعرفة في أدبياتنا الإسلامية تاريخيا قبل أن يشيع استعمال هذه الكلمة ، وأما كلمة العلم فهي تختلف بالمعنى عن كلمة المعرفة ، فالمعرفة ذات مردود مباشر على سلوك الإنسان بعكس العلم وهذا هو الفارق الأساس بين العلم والمعرفة فتنقلب معرفة الله على سلوك الإنسان الجانحي (النفس) مباشرة فيمنح الإنسان الخشية من عند الله والجارحي (العضوي) مباشرة فيمنح الإنسان التقوى”.
وبين الياسري بانه “لابد أن يفهم المتتبع ان بعض أسباب الأزمة الثقافية عندنا هي ولادة ما يسمى (الثقافة المعاصرة) فإنها في كثير من أوساطنا الثقافية كانت ولادة غير طبيعية لأنها نشأت ونبتت وترعرعت في بيئات حضارية أخرى غير بيئتنا ثم نقلت إلى بيئتنا الحضارية من دون ملاحظة الحاجة والمصلحة والانسجام وأدى ذلك إلى حالة من التناقض الواضح في الجماعات المثقفة عندنا بالثقافات المستوردة”.
واضاف “كان لهذه الحالة الثقافية المتناقضة آثارا سلبية كبيرة في حياة الطبقة من المثقفين منها، افتعال حالة من التقاطع بين الدين والسياسة وبين الدين والعلم وإن كانت لهذه الحالة من التخالف والتقاطع مبرراتها في أجواء بعض الديانات المنغلقة على الثقافات الأخرى بل على العلم أيضا لكن لا مبرر لها إطلاقا في ثقافتنا الاسلامية القائمة على التعارف والانفتاح والعقل والعلم والحوار وأتباع الأفضل، ومن اثارها ايضا انعزال هؤلاء المثقفين عن الجمهور حيث تحولوا إلى الأبراج العاجية المستعلية على الجمهور بدل أن يتعايشوا مع الناس ومن آثار هذه العزلة الثقافية لهذه الطبقة من المثقفين أن الثقافة تحولت من حاجة وضرورة إلى حالة من الترف الفكري وفقدت خصائصها الأساسية ، ومن هؤلاء العظماء الذين تحولوا إلى شاخص في حياة الأمة ومن الذين لم يغبوا عن وعي الأمة وله آثار في حقول علمية متعددة السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدي الذي عاش مع الأمة كي تحيى فكان حيا رغم الطغاة وهو الذي عبر عنه سماحة المرجع دام ظله جوهرة النجف وعزها فخرها وقد صادف يوم شهادته يوم انهيار الطغاة الذين أرادوا تغييبه ، فعلى تلك النخبة المثقفة التأسي والاقتداء به”.
وتابع الياسري “ومن آثار هذه الثقافة أن مثقفينا فقدوا حالة الأبداع والتنظير واستقروا على النقل والتقليد والترجمة وأصبحوا يرددون في حقول علمية وثقافية من أمثال علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الحضارة وعلم النفس الاجتماعي وأمثال ذلك نظريات وأفكار ينقلونها ويترجمونها ولا يسعهم أن يضاهونها وينتقدونها ويقومونها ويضيفوا لها وسبب ذلك أن مثقفينا في الغالب يعدون أنفسهم تلاميذا تجاه هذه الأفكار والثقافات وخيرهم من يتخرج منها ويفهمها فهما صحيحا ويكون بينهم وبين النقد والتقويم مسافة شاسعة لذا تجد أن المرجع اليعقوبي يرجع الأمة الى ماضيها العريق في كل جوانبه ومنه الحقل المعرفي لأنه بمثابة المصدر الذي يستمد منه وآخر ما تكلم به دام ظله هو تعرف المسلمون على أمريكا قبل كولومبس بعدة قرون وحاول أن يثبت ذلك تاريخيا مستفيدا من الروايات وأسماء بعض علماء الطائفة الذين عاشوا في القرن الخامس والسادس الهجري وكانت أسماء بعضهم أمريكا وما أريده كشاهد يرتبط بموضوعنا الذي طرحناه هو ما ذكره سماحة المرجع دام ظله قائلا: (وهنا قد يتساءل البعض بأنه حتى لو ثبت أن المسلمين سبقوا في الوصول إلى الارض الامريكية فماذا نستفيد من ذلك في حاضرنا المتخلف المهزوم والمأزوم؟ والجواب: أن المعرفة أثمن شيء في الوجود بغض النظر عن اثارها المنظورة وأن هذه الحقيقة تبين عظمة تأثير الدين الإسلامي في نفوس أتبا عه ودفعهم للرقي والازدهار والحضارة وما تخلّف المسلمون إلا عندما تخلفوا عن دينهم وتعاليمه النبيلة السامية ، فهذه الحقائق تعيد للمسلمين ثقتهم بأنفسهم وتحفّزهم على العودة إلى دينهم”.
وختم الياسري خطبته بالثول “نستنتج إذن أنه بسبب هذا الدور القوي المؤثر للثقافة في حياة الأمة نجد أن أعداء الإسلام وأنظمة الاستكبار العالمي عندما يخططون لاحتلال العالم الاسلامي ونهب ثرواته الطبيعية وفرض نفوذهم السياسي والاقتصادي على المسلمين يبدأون بعمليات تخريبية واسعة في ثقافة المسلمين لاستبدالها بالثقافة المادية وهو ما لفت سماحة المرجع دام ظله له النظر قبل الاحتلال وفي بداية الاحتلال كذلك ، لا لأن الغربيين رسل ثقافة ابدا فإن مهمة القيادات الغربية تنتهي عند آبار النفط، ولكن لأنهم يعلمون جيدا أن الثقافة الاسلامية هي العقبة الاولى التي تحول بينهم وبين فرض نفوذهم وسلطانهم على العالم الإسلامي ولا يتم لهم التقدم في أقاليم العالم الاسلامي إلا بعد تخريب ثقافي واسع في بلاد المسلمين وعبر بعض العملاء في كثير من الأحيان وبوسائل متعددة ومنها وجود المتطرفين من قتلة وارهابيين”.

اترك تعليقاً