السيمر / الثلاثاء 06 . 06 . 2017
معمر حبار / الجزائر
مرت العشر الأوائل من شهر رمضان، فكانت لصاحب الأسطر قراءات وهو يسمع لإمام التراويح في انتظار العشر الثانية والثالثة بإذنه تعالى، ومنها:
أول ليلة من صلاة التراويح:
1. الإمام شاب يافع في مقتبل العمر، يمتاز بالحفظ الجيد. وقراءة سهلة وطبيعية جدا، وبصوت جزائري أصيل، وبقراءة ورش التي تربى عليها المجتمع الجزائري وقرّاء الجزائر وأهل المغرب العربي منذ قرون. وصلى المقرئ التراويح بـ 10 ركعات، وهي السنة المعمول بها عبر التراب الجزائري منذ قرون، وهو ما كان الجزائري يقوم به منذ عهد بعيد حين كان صبيا، وهو المعمول به في كتب الفقه الأصيلة. والقارىء من تيارت المشهورة بالفرس الأصيل، وبالفارس المقرئ الأصيل.
2. سورة البقرة تحتوي على أخبار بني إسرائيل، وتتحدث عن سيّدنا موسى عليه السلام، وعن كتاب التوراة، وعن فرعون، ما يعني أن المصلي ظل يعبد الله عبر قراءة و الاستماع للأمم الأخرى، وكتب أخرى، وهذا التسامح لا يوجد أبدا في غير الإسلام. وهل سمعت أو قرأت إلى يهودي أو مسيحي يعبد الله ويتقرب إلى الله عبر ذكر أمة الإسلام، والقرآن الكريم، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما أمة الإسلام تقف شهرا كاملا وطيلة أيام السنة تتقرب إلى ربها عبر ذكر الأمم الأخرى، والكتب الأخرى، ورسل بعثوا لأمم أخرى، وهذا من أعظم مظاهر التسامح.
3. سبق للأمم الأخرى أن بشرت بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تعرف صفاته وأوصافه أكثر مما تعرف أبناءها، حتى أنهم قالوا كانوا يشكون في أبنائهم ولا يشكون أبدا في سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثاني ليلة من صلاة التراويح:
1. إنتهى الإمام من قراءة سورة البقرة التي تتحدث عن بني إسرائيل.
2. شرع اليوم في قراءة سورة آل عمران، أي عائلة بأكملها من بني إسرائل، وهي: الجدة، والأم سيّدتنا مريم، والإبن سيّدنا عيسى عليه السلام، ما يدل على سماحة الإسلام في التعامل مع الأمم الأخرى.
3. ما بين سورة البقرة وسورة آل عمران، ثمانية أحزاب وربع متتالية، خصصت لأنبياء بني إسرائيل، وكتب الأمم الأخرى، وعائلات أمم أخرى.
4. في المقابل لا يوجد سورة إسمها آل سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه من أعظم مظاهر التسامح أن يتحدث القرآن الكريم عن عائلة آل عمران ويفرد لها سورة من طوال السور، ولا يخصص سورة لعائلة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثالث ليلة من صلاة التراويح:
1. أنهى اليوم الإمام سورة آل عمران وقرأ جزء من سورة النساء.
2. يبدو لي ولأول مرة في حياتي، أن سورة النساء موجهة للرجال أكثر مما هي موجهة للنساء من خلال العناصر التالية:
3. إحتوت سورة النساء في الجزء الأول على: المكانة السامية لليتيم، وتوزيع الميراث، وقداسة الأنساب من خلال الزواج.
4. الرجل ولكي يحترم المرأة ويعاملها بما تليق من علو وصفاء، عليه وهو القوي الشديد، أن يحترم اليتيم، ويراعي حرمة الميراث، ويقف عند قداسة الأنساب.
5. والرجل الذي يدوس على اليتيم، ويتعدى على قسمة الميراث، ولا يراعي حرمة الأنساب، لا يمكنه إلا أن يكون ظالما للمرأة متعديا على حقوقها ولو صلى وصام وحج.
6. ضعف المرأة ورقتها من ضعف اليتيم، وقداسة الميراث، وحرمة الأنساب، فكان لا بد على الرجل أن يراعي الحرمات الثلاث في كيفية التعامل وطريقة التوزيع، ليعرف قدر المرأة ومكانتها وحرمتها.
7. المرأة مطالبة أن تكون عونا للرجل في عدم أكل حق اليتيم، وعدم التعدي على حق الرجل أو المرأة في الميراث، وأن لا يتعدى على قداسة الأنساب.
8. المرأة إذا أعانت الرجل في التعدي على الحرمات الثلاث، فلا تلومن إلا نفسها إذا كانت أول من يتعرض لظلم ونهب وسطو هذا الرجل الذي رضيت به حين أهداها مال اليتيم ظلما، وحين تعدى على ميراث غيره عدوانا.
رابع ليلة من صلاة التراويح:
1. مواصلة الجزء الثاني من سورة النساء، وابتداء من “والمحصنات من النّساء…”.
2. الذي نعرفه منذ أمد أن قوامة الرجل بالإنفاق ، واليوم ولأول مرة في حياتي أعرف أن قوامة الرجل أن لا يأكل أموال الناس بالباطل، وأن لا يتعدى على الأنفس، ولا يتعدى على نصيب المرأة ويحترمه ولا يتجاوزه، وأن يؤتي كل صاحب نصيب نصيبه، وهذا هو الرجل الذي يستحق القوامة، وما عداها فهو أصغر من أن ينال القوامة على المرأة، لأنه يتعدى على المال، والحقوق.
3. من كتم الشهادة فهو بخيل، وتلك أحط درجات البخل المذمومة “الذين يبخلون ويامرون الناس بالبخل..”.
4. الأصل في التحية – أية تحية -، أن تحي أحسن منها أولا، وإن لم يستطع المرء حي بمثلها “وإذا حيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا”.
5. تكمن عظمة الصلاة في أنها تقام والمعركة قائمة، وإذا ما انتهت واصل المرء ذكر الله على الهيئة التي يستطيع، وإذا استتب الأمر وساد السلام أقيمت الصلاة بالشكل المعروف “فإذا قضيت الصلاة…”.
6. سلاح الشيطان في أنه يعد ويمني، ومن كان كذلك فهو شيطان “يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا”.
7. يحذّر الله تعالى من التعدي على حقوق المرأة اليتيمة، ويؤكد على إعطائها حقها كاملا غير منقوص، وقدر المرأة ومكانتها من احترام الرجل للمرأة عموما ولليتيمة على وجه أخص، وتلك من علامات الرجولة والقوامة.
8. تمثلت قداسة بيت الزوجية في كون سورة النساء تطرقت وبالتفصيل إلى: حرمة المرأة، وقداسة الزواج، وحرمة الأنساب، وضرورة المحافظة على بيت الزوجية، وبذل الجهود في الإصلاح بين الزوجين، وإحترام الزوجين، وعدم التعدي بالخصوص على حقوق المرأة من مال ومهر ونسب، وفي السطر الأخير يتحدث القرآن الكريم عن الخلاف بين الزوجين وحين تغلق كل المنافذ والأبواب “وإن يتفرّقا يغن الله كلاّ من سعته وكان الله واسعا حكيما”، ما يدل على أن الأصل في الزواج هو الديمومة، والثبات، والاستقرار، وما عداه فهو طارىء على الزواج، ليس من أصول الزواج أبدا.
خامس ليلة من صلاة التراويح:
1. أختتمت سورة النساء بالتأكيد على حرمة الميراث بالتفصيل، وقد سبق أن تعرضت السورة للميراث من قبل، ما يدل على أهميته وخطورته.
2. سورة المائدة تتحدث عن بني إسرائيل، أي المسلم يعبد الله بقراءة والاستماع للأمم الأخرى، وهذا عين التسامح ولا يوجد في الأمم الأخرى.
3. الخطاب الموجه لأهل الكتاب، ولليهود، والنصارى كثير، مقارنة الخطاب الموجه للذين آمنوا، ما يدل على التسامح الجلي الواضح.
4. من صفات اليهود البارزة نقض العهد، والقلوب القاسية، وتحريف الكلم عن مواضعه “فبما نقضهم ميثقهم…”، والجبن ” قالوا ياموسى إنّ فيها قوما جبارين وإنّا لن ندخلها حتّى يخرجوا منها…”.
5. لايقال للكريم “أذكر نعمتي عليك”، فهو يذكرها ويثني على صاحبها في السر والعلن، وفي حضرته وغيبته، وحين بلغ اللؤم ببني إسرائيل مداه، وتنكرهم لفضل الله عليهم ذكّرهم قائلا “اذكروا نعمة الله عليكم”، وهو عتاب لكل لئيم ينكر فضل الله عليه.
6. أعجبني الغراب وهو يعلم الإنسان “كيف يواري سوءة أخيه”، وأحزنني الإنسان الذي لم يتعلم الدرس وظلّ يكشف سوءة أخيه.
7. “يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم…”، ما بال العرب يصطادون إخوانهم وهم في الأشهر الحرم.
سادس ليلة من صلاة التراويح:
8. قرأ الإمام قوله تعالى: “أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”، المائدة – الآية 96
9. أقول: ما بال أمتي تحتل المراتب الأخيرة في “أُحِلَّ لَكُمْ”
10. وتحتل المراتب الأولى عالميا في ” وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ”.
11. ثامن ليلة من صلاة التراويح، كانت هذه الملاحظة:
سابع ليلة من صلاة التراويح: أنهى الإمام قراءة سورة الأنعام، بعدما أنهى قراءة سورة البقرة، وسيقرأ في الأيام القادمة سورا عديدة تحمل أسماء حيوانات
نعبد الله بأسماء سور لحيوانات، فالمرء يعبد ربه بما أراد الرب لا العبد.
ثامن ليلة من صلاة التراويح:
1. “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”، الأعراف – الآية 96. إذا سأل المرء ربه ليسأله البركة لأن البركة رزق، والبركة تحمي الرزق وتديمه بإذن ربها.
2. “وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”، لأعراف – الآية 150. من أبسط قواعد الأخوة أن لا يشمت الأخ بأخيه أمام أخيه أو عدوه، خاصة حين يتعرض في سبيل أخيه لما يسىء ويكون عاجزا عن الرد، ومن لم يستطع نصرة أخيه فلا يضيف على العجز شماتة الأخ، فإنها أنكى مما تعرض له على يد الآخرين.
تاسع ليلة من صلاة التراويح:
1. ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، الأنفال – الآية 45. ” وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، الأنفال – الآية 46. عوامل النصر: الثبات، وعدم التنازع، أي الجانب النفسي الداخلي مقدم على غيره، والعنصر المادي إنعكاس لنفس ثابتة وعدم التنازع.
2. ” الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”، الأنفال – الآية 66. الأمة الإسلامية وهي في أضعف حالاتها يمكنها أن تنتصر على عدو يفوقها ضعفين. إذن في أي حالة نحن الآن؟. وفي أي هوان نحن الآن؟، ما دام الجميع والأقل عدد ينتصر على الأمة ويمّرغ أنفها في التراب.
3. ما ميّز سورة الأنفال أنها إحتوت وصف عدّة غزوات وذكر الحروب والقتال، والغرض الأساسي هو حماية الدولة وخيرات المجتمع، وليس السعي وراء الأنفال والغنائم، فتلك نتيجة لسعي ودفاع وليس غاية تجيّش لها الجيوش وتقام لأجلها الحروب.