الرئيسية / مقالات / 107 التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين

107 التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين

السيمر / الجمعة 23 . 06 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة السابعة بعد المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل».

التلاوة العلنية للقرآن مساس صارخ بكرامة الآخرين

من مقالاتي التي نشرتها باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).

اعتدنا في كل بلاد المسلمين أن نسمع التلاوة العلنية للقرآن، فأنت تصعد التاكسي، وتسمع تلاوة للقرآن، وتمر في الشارع، فتسمع من مكبرات الصوت للمساجد تلاوة للقرآن، وتذهب لتعزي أهل ميت، فتسمع تلاوة القرآن. هنا قد يقول قائل، وماذا يزعجك في كل ذلك، فإن لم يعجبك سماع القرآن، فاذهب إلى البلدان التي لا تسمع فيها تلاوة القرآن، ولا الأذان، ولا مجالس التعزية، لاسيما إنك بكل تأكيد متأثر بثقافة دول الكفر تلك. أقول القضية ليست قضية ارتياح أو عدم ارتياح نفسي لسماع القرآن، أو التواشيح، أو صلاة التراويح، أو مجالس البكاء، أو خطب الجمعة، بل إني أريد هنا تناول الأمر بمقدار ما يتعلق بالحقوق العامة التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، بقطع النظر عن عقيدته، لاسيما أن هناك قاعدة فقهية اعتمدها المسلمون على ضوء حديث نبوي مفاده «لا ضَرَرَ وَلا ضِرارَ في الإسلام». فنحن نعلم أن نسبة عالية من سكان البلدان الإسلامية هم ليسوا من أتباع القرآن، إما لأنهم ينتمون إلى الديانات الأخرى، وإما إلى الأكثرية المرتدة الخائفة ولذا غير المعلنة عن ارتدادها من المسلمين، وبالتالي فهؤلاء لا يؤمنون بأن القرآن كتاب الله، كما يعتقد المسلمون المقتنعون بإسلامهم، مع إننا نقول بوجوب احترام عقائد الناس مهما كانت، هذا الاحترام الذي يلزمنا باحترام من يحب الاستماع إلى القرآن، أو إلى باسم الكربلائي، أو إلى نانسي عجرم، أو مايكل جكسون، أو أم كلثوم، أو فيروز، أو أحمد الوائلي. فالقضية هي ألا تفرض عقيدتك وتفرض ذوقك ومزاجك على الآخرين، فتجعل سماع قرآنك قسريا، شاء الآخرون أم أبوا، وتستغل حياءهم وأدبهم، أو خوفهم من سيف التكفير، أو التسقيط الاجتماعي، من حيث أنك تلوح لهم بسيف القرآن، وسيف الدين، وسيف المقدس. ولكن حتى هذا الإسماع القسري قد لا يكون خرقا كبيرا لحقوق ومشاعر وأحاسيس وأمزجة وقناعات الآخرين، نعم هو خرق بلا أدنى شك، لكنه قد لا يمثل ذلك الخرق الكبير الذي يستوجب إثارة عواصف الغبار من حوله. إنما أتكلم عن النعوت المهينة التي يكيلها القرآن للآخرين، وكيف يجبر القرآنيون الآخرين من أتباع القناعات المغايرة على سماع الإهانات الموجهة إليهم – ولو حسب فهمه لا حسب المعنى الحقيقي، إذا سلمنا بوجود معنى غير الظاهر من النص – بكل خضوع وصغار وخنوع وذل، لكون القرآن كتابا إلهيا مقدسا، ولو حسب عقيدة المعتقدين بذلك. سيسأل بعض غلاة القرآنيين عن موارد الإساءة إلى كرامة ومشاعر الآخرين التي أدعيها. وهنا سأورد بعض الأمثلة، مما يزخر به القرآن بتوزيع ما لا أريد أن أسميه بالشتائم على من لا يؤمن به.
إذا علمنا أن مصطلح «الذينَ آمَنوا» في القرآن يعني المسلمين خاصة، أي الذينَ آمَنوا بالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن وحيا إلهيا، ومن هنا فإن مصطلح «الَّذينَ كَفَروا»، أو «الكافرين»، أو «الكفار» يعني جميع غير المسلمين، أي الَّذينَ كَفَروا، أي لم يؤمنوا، بالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن وحيا إلهيا. لننظر الآن كم زخر القرآن بما يمكن أن يفهم بالشتائم واللعنات على «الذينَ كَفَروا» به، وعندها سنفهم كم يجب على غير المسلم، أو المسلم (المرتد خُفيةً وخِيفةً)، سماع هذه الشتائم ضده، وكم عليه أن يصبر، ويحترم القرآن بكل ما فيه، أو أن يحترم شتائم القرآن له، ولعناته عليه، لأنها شتائم الله ولعناته، تنزّه عن ذلك. لو شتمني أي إنسان، أمن المعقول أني سأقول له: إني أحترمك، وأحترم كل ما يصدر منك، وبالتالي أحترم شتمك إياي، لأن شتمك إياي يمثل وجهة نظر عليّ احترامها، وأحترم كرهك لي، وأحترم لعناتك عليّ، وأحترم ظلمك لي، وقمعك إياي، وتعسفك بي. لو فعلت ذلك مع شاتمي ومهيني وظالمي، سيقول الناس كم ذليل أنت، وكم هي رخيصة كرامة نفسك وعزتها عندك.
والآن دعونا نقوم بجولة سريعة في البعض القليل من النصوص القرآنية، التي يمكن أن تعدّ – لا أقل حسب ظاهر المعنى – انتهاكا لكرامات الآخرين وعقائدهم ومشاعرهم، أو ما سميته بشتم غير المسلم (الكافر)، بل والمسلم الشاكّ (المنافق)، والمسلم غير الملتزم (الفاسق).
«إِنَّ الَّذينَ كَفَروا من أَهلِ الكِتابِ وَالمشرِكينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالدينَ فيها، أُولئكَ هم شرُّ البَرِيةِ». هنا ينعت كل غير المسلمين «الَّذينَ كَفَروا»، سواء كانوا من «المُشرِكينَ»، أو من «أَهلِ الكِتابِ»، أي مسيحيين أو يهودا، أو أتباع أي دين، أو كانوا مؤمنين لادينيين، ناهيك عن الملحدين، كل هؤلاء ينعتون بأنهم «شَرُّ البَرِية»، أي أسوأ وأخبث خلق الله أجمعين، ثم يتوعدهم الإله القرآني بمصيرهم الخالد: «في نارِ جَهَّنَمَ خالدينَ فيها». أقول إذا كنتُ معنيا بمن ذكرهم هذا النص، فلماذا عليّ أن أقبل بسماع هذه الشتائم المشحونة بغضا وكراهة وعداوة. نعم لو كان المسلمون يقرأون قرآنهم لوحدهم في بيوتهم أو مساجدهم، أو ضمن دوائرهم الخاصة، فلهم أن يستمتعوا بشتم غير المنتمين إلى دينهم، ولكنهم يُسمعونهم هذه الشتائم ليل نهار عبر الفضائيات والإذاعات ومكبرات الصوت للمساجد وفي مجالس التأبين والبرلمانات. تصور يُتوفّى شخص ما، فأذهب لأقوم بواجبي الاجتماعي والأخلاقي بتعزية ومواساة ذويه، فيُسمعونني شتما وسبابا ولعنا عبر قرآنهم. هل هذا يا تُرى من الأدب والأخلاق واللياقات الاجتماعية؟
وهذا نص آخر: «ساءَ مَثَلًا القَومُ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا وَأَنفسَهُم كانوا يَظلِمونَ، مَن يَّهدِ اللهُ فَهُوَ المُهتَدي، وَمَن يُّضلِل فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرونَ، وَلَقَد ذَرَأنا لجهَنَّمَ كَثيرًا مِّنَ الجنِّ وَالإِنسِ، لَهُم قُلوبٌ لّا يَفقَهونَ بِها، وَلَهُم أَعيُنٌ لّا يُبصِرونَ بِها، وَلَهُم آذانٌ لّا يَسمَعونَ بِها، أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ». تصور بعيدا عن كل عبارات ثقافة كراهة الآخر المغاير في العقيدة، يذهب هذا النص إلى مستوى لا يسعني وصفه من الشتم، بحيث يصف غير المؤمنين به بـ(الأنعام) والبهائم والحيوانات. لماذا يجب على الآخرين قبول تلقي هذه الإهانات؟
«إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ، خَتَمَ اللهُ عَلى قُلوبِهِم وَسَمعِهِم وَعَلى أَبصارِهِم غِشاوَةٌ وَّلَهُم عَذابٌ عَظيمٌ». لماذا، ألمجرد أنه لم يقتنع بالإسلام؟ حتى لو كان الإسلام دين الله حقا، فما ذنب من لم يوصله عقله إلى الاقتناع بصحة ذلك، حتى لو كان ذلك لقصور في ذهنيته؟
أما وصف الآخر المغاير بالقرد والخنزير والكلب، فانظر إلى هذه النصوص: «وَلَقَد عَلِمتُمُ الَّذينَ اعتَدَوا مِنكُم فِي السَبتِ فَقُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ»، «قُل هَل أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكَ مَثوبَةً عِندَ اللهِ مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ وَجَعَلَ مِنهُمُ القِرَدَةَ وَالخنازيرَ وَعَبَدَ الطّاغوتِ، أُولئِكَ شَرٌّ مَّكانًا وَّأَضَلُّ عَن سَواءِ السَّبيلِ»، «فَلَمّا عَتَوا عَمّا نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قرَدَةً خاسِئينَ». هذه النصوص تصف اليهود بالقردة والخنازير. هل يقبل المسلمون أن ينعتهم الآخرون بأقل من هذا بكثير؟ حتما سيرعدون ويزبدون ويتهسترورن إلى أبعد الحدود.
أما تكفير المسيحيين واليهود وإهانتهم فكثيرة جدا في القرآن، منها: «لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ هُوَ المَسيحُ ابنُ مَريَمَ»، «لَقَد كَفَرَ الَّذينَ قالوا إنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ»، وغيرهما.
أما المنافقون، أو هكذا ينعتهم القرآن، فهم كل المسلمين بالولادة، الذين ينتابهم الشك بإلهية الإسلام، أو يحسمون أمرهم في رفض الإسلام دينا، ولكنهم لا يجرؤون على الإفصاح بعقيدتهم، فيُضمرون الكفر بالإسلام، ويُظهرون رغما عنهم الإيمان به، تقية، وليس نفاقا، ولهؤلاء سهمهم الأوفى في شتم ولعن القرآن لهم؛ نذكر بعض الأمثلة لذلك: «بَشرِ المُنافِقينَ بِأَنَّ لَهُم عَذابًا أَليمًا، الَّذينَ يَتَّخِذونَ الكافِرينَ أَولِياءَ مِن دونِ المُؤمِنينَ، أَيَبتَغونَ عندَهُمُ العِزَّةَ، فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَميعًا»، «وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ، أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها، فَلا تَقعدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ؛ إِنَّكُم إِذَن مِّثلُهُم، إِنَّ اللهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا»، «إِنَّ المُنافِقينَ يُخادِعون اللهَ، وَهُوَ خادِعُهُم، وَإِذا قاموا إلَى الصَّلاةِ قاموا كُسالى، يُراؤونَ النّاسَ، وَلا يَذكرونَ اللهَ إِلّا قَليلًا، مُذَبذَبينَ بَينَ ذالِكَ، لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ، وَمَن يُّضلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبيلًا»، «إنَّ المُنافِقينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النّارِ، وَلَن تَجِدَ لَهُم نَصيرًا»، «وَعَدَ اللهُ المُنافِقينَ وَالمُنافقاتِ وَالكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها، هِيَ حَسبُهُم، وَلَعَنَهُم اللهُ، وَلَهُم عَذابٌ مُّقيمٌ»، «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنافِقينَ، وَاغلُظ عَلَيهِم، وَمَأواهُم جَهَنَّمُ، وَبِئسَ المَصيرُ»، «لِيُعَذِّبَ اللهُ المُنافِقينَ وَالمُنافِقاتِ وَالمُشركِينَ وَالمُشركاتِ، وَيتوبَ اللهُ عَلَى المُؤمِنينَ والمُؤمِنات، وَكانَ اللهُ غَفورًا رَحيما».
وهناك مصطلح قرآني آخر هو الفسق، والفاسقون قد يكونون مسلمين، ولكنهم مسلمون غير ملتزمين، أي عُصاة بمعيار الإسلام، فالقرآن مليء بشتم ولعن الفاسقين وتوعدهم بالعذاب، أستغني عن سرد تلك النصوص، وغيرها تجاه كل المغايرين في الاعتقاد أو الالتزام.
ما أوردت لا يمثل إلا غيضا من فيض. أما إذا جاء الرادّون عليّ بآيات أخرى، تعطي معنى آخر للكفر، أو تبيّن أن هذه النصوص غير موجهة للجميع، بل لقسم محدود من الكفار والمنافقين والمرتدين والمسيحيين واليهود وغيرهم، ممن سيتبين أنهم يستحقون كل ذلك، ولو افترضنا أن هذا الجواب كان مقنعا، فأقول إن الذي يسمع الشتائم، أو ما يُفهَم منها أنها شتائم موجهة إليه، لا يسعه أن يقرأ القرآن كله، ليستخرج منه معنى آخر غير الذي فهمه من سماعه تلك الآيات البينات في حقدها عليه. ثم إني أعرف كل الإجابات، صدّقوني، وقد فسّرت القرآن، وحاضرت فيه لعشرات السنين، حتى اكتشفت الحقيقة، أو ما بدا لي أنها الحقيقة، من خلال القراءة العميقة والمتدبرة والعلمية لعقود من عمري، وبإمكاني أن أورد تلك الآيات والنصوص، ولكن الذي يثبت عدم إلهية القرآن – كما تبين لي وللكثيرين غيري جليا وبفهم محكم غير متشابه، وبدرجة تتاخم القطع واليقين – هي أكثر بكثير من نصوص التفسير الآخر والتبرير والاعتذار.

01/09/2009

اترك تعليقاً