الرئيسية / مقالات / 108 الإشكال على المبالغة بالإجهار بالأذان

108 الإشكال على المبالغة بالإجهار بالأذان

السيمر / الأحد 25 . 06 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة الثامنة بعد المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل».

الإشكال الشرعي والأخلاقي على المبالغة بالإجهار بالأذان
تكملة لما سُجِّل على التلاوة العلنية للقرآن، أتناول ما يُسَّجل على رفع الصوت بالأذان. وقبل ذلك لا بد من تأكيد وجوب احترامنا لحرية تلاوة النصوص الدينية لأي دين في الأماكن المخصصة للعبادة، أو حيث يتواجد المؤمنون بذلك الدين وبقدسية تلك النصوص عند أصحابها، ومنها تلاوة القرآن في المحافل الدينية، حيث يكون من الطبيعي أن يُتلى القرآن، وحيث يكون الحاضرون متوافقين ضمنا على رغبة الاستماع إلى القرآن، أو القبول بسماعه، وهكذا بالنسبة لسائر النصوص الدينية، من دعاء، وصلاة، وتواشيح، ومجالس عزاء، أو مجالس ذكر صوفي، أو ما شابه.
عودا إلى موضوعة الأذان. في أغلب البلدان ذات الأكثرية المسلمة، نجد المساجد ترفع الأذان بصوت مسموع، ومسموع جدا، ليس فقط للمتواجدين داخل المسجد، مما يعتبر طبيعيا جدا، بل يذهب الصوت في مداه ليملأ كل الأرجاء القريبة من المسجد، بل وحتى البعيدة نسبيا في كثير من الأحيان. وإذا ما تواجد أكثر من مسجد في منطقة واحدة، وحتى لو بشكل متقارب، نجد الأذان ينطلق من كل تلك المساجد، حتى تختلط وتتداخل وتتمازج أصوات المؤذنين، وتتقاطع عبارات الأذان، بحيث لا يُفهَم منها في كثير من الأحيان إلا الصراخ، أو بدايات العبارة أو نهاياتها.
هذا الأذان على هذا النحو يعد في الواقع مخالفة للشرع – من أجل الالتزام بقاعدة إلزام الملتزم بما ألزم به نفسه -، كما هو مخالفة للذوق العام، وانتهاك للحقوق العامة، ثم إنه لا يملك مبررا معقولا حتى من وجهة نظر الشرع الديني. وهذا ما سأبينه فيما يأتي:
1.الغرض الأول من الأذان هو الإعلان عن دخول وقت الصلاة: وهذا ما لم يعد له مبرر، بعدما أصبح الناس كلهم يستخدمون الساعات اليدوية والجدارية وغيرها، وبعدما أصبح المتدينون يعرفون أوقات صلواتهم الواجب عليهم أداءها، إما بالرجوع إلى تقاويم أوقات الصلاة، أو بأي وسيلة أخرى. والسمارتفون أصبح ينبئك بكل ما تحتاج من معلومات.
2.الغرض الثاني من الأذان هو دعوة المتدينين إلى صلاة الجماعة في المسجد: وهذا يُشكل عليه ما أشكل على الغرض الأول، فالمتدين الحريص على أداء صلاته في المسجد، ينبغي أن يعلم وقت ذهابه إلى المسجد للحاق بصلاة الجماعة. ثم إن الأكثرية ممن يسمعون الأذان في الشوارع أو المتاجر أو الأماكن العامة لا يذهبون عادة إلى المساجد؛ إذن هي دعوة بلا استجابة على الأعم الأغلب، إلا إذا أراد من يُصرّ على رفع الأذان بصوت مسموع إقامة الحجة على من انتهى صوت الأذان إلى أسماعهم، فلم يستجيبوا، كي يكون ذلك سببا من أسباب تشديد الحساب عليهم يوم القيامة، ثم تشديد العقاب الأخروي الذي سينالونه، لكي يزداد يومئذ المؤمنون فرحا وشماتة بعذابهم، وهذا ما لا يسعني التعليق عليه. فالبعض يستمتع بإغاضة الآخرين، من قبيل موتوا في غيظكم، ومن قبيل إنه «للهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنينَ».
3.الغرض الثالث من الأذان هو استحبابه الشرعي أداءً واستماعا: هنا أقول إن من يريد أن يقوم بعبادة مستحبة، فليؤدها لنفسه، ولا حاجة له ليُسمع ويُري الآخرين، لأن ذلك يجعل العبادة رياءً، مما يؤدي إلى بطلانها. أما استحباب الاستماع للأذان، فينبغي أن يقتصر على من يحب الالتزام بهذا التكليف الترخيصي الراجح شرعا، أي المستحب أو المندوب حسب عقيدته هو، أي أن يكون الصوت مسموعا لمن في المسجد، ولا مبرر لإسماع من هو خارج المسجد رغما عنه. ثم هناك تقاطع بين مستحب لا يضر تركه، ومكروه يضر الإتيان به، ألا هو إقلاق راحة الناس، ومخالفة لقاعدة «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ في الإسلام».
4.الغرض الرابع من الأذان هو الإجهار بالعقيدة: فالأذان يشتمل على الشهادتين (عند الشيعة مع إضافة الشهادة الثالثة)، مما يعد نوعا من التظاهر أو الإشهار بالعقيدة، أو الإعلان عنها. وهذا يتعارض تعارضا شديدا مع مبدأ قرآني مهم، ألا هو مبدأ وجوب التعامل بالعدل مع الآخر المغاير في العقيدة، بل وحتى مع الآخر الذي تكون العلاقة بين المسلمين وبينه علاقة عداء وتباغض شديدين، بحكم النص القرآني «وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ على أَلّا تَعدِلوا، اعدِلو، هُو أقربُ للتقوى»، وشرط العدل – كما هو بديهي – هو التعامل بالمثل والتكافؤ بالحقوق والواجبات. هذا يعني إن المسلم إذا منح نفسه حق الإجهار بعقيدته بقول «أَشهَدُ أَلّا إِلهَ إلَّا الله، أَشهَدُ أَنَّ مُحَمداً رَّسولُ الله»، ليُسمِع من يعتقد بذلك ومن لا يعتقد به، شاء أو أبى، أحبّ أو لم يُحبّ السامع سماعه، فيجوز تطبيقا لمبدأ العدل القرآني المشار إليه آنفا لغيره، أن يؤذن بصوت مسموع بعبارة «أشهد ألا إله إلا الله، لا أشهد أن محمدا رسول الله»، أو بقول «أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدا ليس رسول الله»، أو «أشهد ألا إله إلا الله، لا أشهد أن أحدا رسول الله»، أو «أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألّا أحد رسول الله»، أو «أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن العقل رسول الله»، كما يجوز للمسيحي أن يؤذن بصوت مسموع بقول «أشهد أن الرب اليسوع ابن الله»، وأن يؤذن الملحد بعبارة «أشهد ألا وجود لله». إذن منح المسلمين أنفسهم حقا يُسلَبُه الآخرون هو نقض للمبدأ القرآني المشار إليه. فإذا كانوا قد خالفوا القرآن من أنفسهم وليس برخصة من دينهم، فهذا نقض لدينهم، وأما إذا خالفوه بأمر قرآني آخر، أو بأمر نبوي، ناسخ لتلك القاعدة، فهذا إقرار بأن دينهم ينقض بعضه بعضا، مما يجعل من المحال نسبته إلى الله، تعالى وتسامى وتنزه عن ذلك.
5.الأذان مخالفة لقاعدة «لا ضَرَرَ ولا ضرارَ في الإسلام»: حيث إن الأذان بصوت مبالغ بارتفاعه، بل كل حالات المبالغة برفع الصوت أو (الصراخ المقدس)، سواء بتلاوة القرآن، أو صلاة الجماعة الجهرية، وصلوات التراويح في ليالي رمضان عند السنة، ومجالس العزاء واللطم والدعاء عند الشيعة، وخطبة الجمعة، والمواعظ والخطب الدينية الأخرى، من الأمور التي تُقلق راحة الكثيرين من الناس، لاسيما المرضى والمسنين والأطفال، خاصة فيما يتعلق بأذان الفجر، وهذا – حتى بفتوى بعض الفقهاء منهم المرجع الراحل محمد حسين فضل الله – يُعَدّ من المحرمات، لأنه يخالف قاعدة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»، لما يتسبب ذلك من ضرر بيّن. بشكل خاص يمثل أذان الفجر، الذي ينطلق في سكون الليل، فيفزع الأطفال، ويقلق راحة المسنين والمرضى، فما يكون فجرا شرعيا، هو ليل عرفي.
6.مخالفة الأذان لمبدأ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة: على ضوء النقاط الخمس آنفة الذكر، نجد أن رفع الصوت بالأذان بشكل مبالغ به، يُعَدّ – كما هو الحال مع الكثير من سلوكيات كثيرة أخرى للمتدينين – نقضا لمبدأ وضعه القرآن لهم، ألا هو «اُدعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحسَنَةِ». باعتبار أن ذلك يشكل سلوكا مُنفِّرا، ومن شروط الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هو استخدام أدوات الجذب والتحبيب، لا أساليب التنفير والتمقيت.

04/05/2012

اترك تعليقاً