السيمر / الاثنين 03 . 07 . 2017
ضياء الشكرجي
هذه هي الحلقة الثانية عشر والمئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث سنكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل».
تدريس الدين للكاتب منذر عبد الكريم
نشرت باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
ابتداءً ومراعاة لأمانة النقل أقول إن مقالتي هذه جاءت نتيجة قراءتي لمقالة للكاتب منذر عبد الكريم تحت نفس العنوان |«تدريس الدين»|، وحيث أني ممن يرفضون درس الدين ودرس التاريخ الإسلامي بصيغته المعروضة في كتب التدريس في البلدان العربية والإسلامية، استفزتني مقالة الكاتب منذر عبد الكريم، لأدلو بدولي، مستفيدا من المعلومات المذكورة في المقالة المذكورة، جاعلا النصوص المقتبسة من مقالته بین خطین قائمين |هكذا|.
يشير الكاتب إلى تقرير دولي يشير إلى المناهج الدراسية في العراق، ويسجل إشكاله على |التحيّز الطائفي|، مما فيه استفزازا لمشاعر السُنّة، حيث يعالج الشيعة بحسب ظنهم مشكلة التحيز الطائفي لصالح القراءة السنية للدين والتاريخ، التي سادت في المناهج الدراسية السابقة، فاستبدلوا التحيز الطائفي السني بتحيز طائفي شيعي. وهذا بكل تأكيد كما يقرر الكاتب |يؤسس لنزاعات مستقبلية أسوأ مما مضت. والتقرير يتناول بالتفصيل الكثير من الاتهامات للحكومة العراقية كنتيجة لتركيزها على الإسلام الشيعي، أي الإسلام من وجهة نظر شيعية، والذي يبرره مؤيدو المناهج الحالية| من الشيعة، بدعوى أنها |تعكس بدقة هوية العراق|، مما يعني أنهم يريدون للعراق أن يكون ذا هوية شيعية، باعتبار أن الشيعة يمثلون الأكثرية التي تتفاوت ما بين 55% و75%، غير مكترثين بمشاعر ومقدسات الـ25% أو لعله الـ45% من مسلمي العراق، ويدعون إن شيعنة مناهج التدريس هذه تمثل |تصحيحا لتحيّز سُنّي في التعليم الديني سابقاً|، وكأن الطائفية لا تعالج إلا بطائفية مضادة. وبقطع النظر عن الرؤية السنية أو الشيعية، فإن تدريس الدين، وتدريس التاريخ الإسلامي له من دون أدنى شك انعكاساته السلبية والخطيرة، لأنه يثير الحساسيات الطائفية بين السنة والشيعة من جهة، ومن جهة أخرى يؤسس لثقافة كراهة الآخر غير المسلم، والذي يكيل المسلمون له شتيمة (الكافر)، لأن (الكافر) وفق الفهم الإسلامي، هو كل من لا يعتنق الإسلام دينا، وهذا ما يتجسد من خلال المثل الذي ينقله الكاتب عن |مراسلة معهد الحرب والسلام (IWPR) في واشنطن، حيث تقول: إن زهير جرجيس، وأحمد محمد (كلاهما يبلغ العاشرة من عمره)، وهما غالباً ما يلتقيان بعد المدرسة ليستمتعا بألعاب الڤيديو. وعلى الرغم من أنهما يتمتعان بصداقة كل منهما، إلا أن أحمد يتساءل ما إذا كان عليه ذات يوم أن يقتل صديقا له. الولدان يذهبان الى مدرسة واحدة، ويشتركان في جولة الذهاب والإياب من البيت الى المدرسة أو بالعكس في حدود منطقتهما ببغداد، لكن ذويهما لا يشتركون بدين واحد، فعائلة زهير مسيحية، بينما عائلة محمد مسلمة. لكن المشكلة هي أن الدروس الدينية في الفترة الأخيرة، تركت عليهما آثارها، فأحمد يتساءل: ما الذي ينتظر صداقته مع زهير؟ والسؤال في إطار افتراضات بعض الآباء يبدو صعباً ووجيهاً في الوقت نفسه، لا باعتبار الحقيقة، لكن باعتبار المستجدات التي طرأت على المجتمع العراقي في مرحلة ما بعد الاحتلال. يقول أحمد بصراحة: «عندما أدرس أننا يجب أن نقاتل الكفار باسم الجهاد، أفكر مع نفسي: هل سأقتل زهير ذات يوم؟ معلمنا يخبرنا أن الإسلام يحرّم علينا إقامة صداقات مع الكافرين». ولكون زهير مسيحيا، فإنه لا يحضر دروس الدين، التي تركز حصريا على الإسلام. وبأي شكل من الأشكال فإنه يشعر أن دروس الدين قد آذت موقفه أو هيئة شخصيته في المدرسة. إنه يشعر بذلك فعلا، وربما بمثل ما يشعر به البالغون، إن لم يكن يتلقى كل شيء بحساسية طفلية شديدة، يمكن أن يكون تأثيرها في نفسه كبيراً جدا. وبعد انتهاء حصة الدين – يقول زهير – إنه يشعر، كما لو أنه مرفوض من قبل زملائه. أما خلال وجوده في الصف، فيشعر أنه وحيد. ويضيف: «عندما يكون جميع أصدقائي في الصف، علي أن أكون خارجه»|. وهذا نموذج لما يمكن لدرس الدين أن يلعبه من دور تخريبي مرعب في زرع – لا أقل – بذور العداوة المستقبلية بين أبناء الوطن الواحد، وبين أبناء الوطن الكبير (الكوكب الأرضي). فالمناهج الدراسية الجديدة في العراق، وكما يبدو، إذا صحت المعلومات الواردة في المقالة، تؤسس للكراهية الدينية بين المسلمين وغير المسلمين، والطائفية بين الشيعة والسنة. وهذا ليس مقتصرا على العراق، بل هو شأن مناهج تدريس الدين، التي تدرس أطفال المدارس الجهاد وفتوحات المسلمين في صدر الإسلام وفي عهود الخلافة الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية لبلاد (الكفار)، وإلى غير ذلك مما يؤسس لثقافة كراهة الآخر، ولثقافة التكفير والعنف والجهاد والإرهاب.
|يقول التقرير إن الأغلبية الواسعة من العراقيين مسلمون، ولهذا فالمدارس تعلم قضايا الدين الإسلامي من عمر 6 الى 18 سنة. أما أطفال الأقليات الدينية – مثل المسيحية – فلهم الحريّة بترك دروس الدين، لكنهم لا يحق لهم دراسة دينهم في مدارس تموّلها الحكومة.| وهذا انتهاك دستوري واضح، حيث إنه يناقض مبدأ المساواة في حقوق المواطنة، ويناقض مبدأ تمتع أبناء جميع الأديان بكامل حرياتهم وحقوقهم، بما في ذلك حق تعلم الدين. ولو إن تدريس الدين للأطفال عموما يعتبر انتهاكا هو الآخر للطفولة، واعتداءً استباقيا لحق اختيار عقيدتهم بفرض عقيدة الأبوين أو عقيدة المجتمع. ثم يواصل التقرير بالقول: |وحتى سنة 2003، كانت المناهج الدراسية تعكس معتقدات الطائفة السُنّية التي ينتمي إليها الرئيس السابق صدام حسين. ويشير التقرير الدولي إلى أن العرب السُنّة هم أقلية في العراق وعدد نفوسهم يتراوح بين ربع إلى خمس العدد العام للسكان.| وحتى لو كانوا 10%، فإن استفزاز أي مكون في مقدساته أمر مرفوض، أقول هذا رغم إيماني باللادينية، وأتطلع إلى خلاص الإنسانية من خرافات وعصبيات وتطرفات الأديان كافة بلا استثناء، هذا لكوني لادينيا راسخ القناعة في اللادينية، وفي نفس الوقت في الإيمان العقلي الفلسفي، ولكني في نفس الوقت وكعلماني أؤمن بحرية الإنسان في العقيدة والرأي، شرط عدم تبني عقيدة أو إيديولوجية تأمره أو – لا أقل – تبيح له الاعتداء على حريات الآخرين، بما في ذلك حرية الاعتقاد المغاير لعقيدته، وحرية تحوّل أبناء دينه إلى دين آخر، أو إلى الإيمان اللاديني، أو حتى الإلحاد.
فمن حق السنة أن |تتركز اتهاماتهم ضد المناهج الدراسية على أنها تركز بشدة على الإسلام الشيعي، طائفة أغلبية السكان العرب، وتُفرض من قبل معظم سياسييها الأقوياء، بضمنهم رئيس الوزراء نوري المالكي [وقت كتابة المقالة].| ووزير التربية [وقت كتابة المقالة] خضير الخزاعي معروف بتطرفه وتخلفه الديني والطائفي، فتطرفه مركب ثلاثي، كشيعي طائفي، وكمتدين متزمت، وكإسلامي متطرف، وبالتالي عندما يكون على رأس هكذا وزارة حساسة وخطيرة مثل هذه العقلية، لا تكون النتائج إلا بما يحصل، ولو أتيحت له الفرص، بما هو أسوأ بكثير مما يحصل وحصل حتى الآن لفعل.
|ويقول التقرير إن الكثيرين من المعلمين يمارسون تعديلاتهم في الصفوف الدراسية، مشيرين إلى القليل من أجزاء المنهج الدراسي، والذي يمكن أن يتعارض مع آرائهم أو آراء الكثير من التلاميذ. وثمة من يقول إن الصفوف الدراسية قد تشهد مناقشات عنيفة، تشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مناهج التدريس، كمعالجة قضايا غير المسلمين، أو الالتزام بفريضة الجهاد، المفهوم الذي يحمل الكثير من المخاوف بسبب النزاعات الأخيرة في العراق. وينقل التقرير عن معلمة إسلامية قولها: «كل مسلم عليه الالتزام بفريضة الجهاد، ويعني ذلك قتال الكفار». وتصف الكفار بأنهم أولئك الذين لا يؤمنون بالله أو بالنبي محمد. وعن معلم دراسة ابتدائية في بغداد| ينقل التقرير عنه أن تلاميذه |غالباً يسألون: هل قتل الأميركان أو اليهود يمكن أن يكون حقيقة إثماً؟ ويتساءلون أيضاً: لماذا تُطلق على المقاتلين الدينيين تسمية إرهابيين؟ ويؤكد تلميذ ابتدائية على أن المجاهدين لهم جنّات النعيم، ويتساءل دائماً ما إذا كان الكثيرون من إرهابيي اليوم المدفوعين بالمفاهيم السيئة المتشدّدة لمعاني المبادئ الإسلامية «يُعدّون مجرمين إذا ما كانوا يعلمون حقاً بما يفعلون». ويفكر تلميذ بعمر السبع سنوات، بأنه سيكون في المستقبل مقاتلاً دينياً. وقال ببساطته: «سوف أقاتل الأميركان لأنهم يهود وكفار». وأضاف: «سوف أنتصر أو أموت شهيداً». وتقول تلميذة بعمر التسع سنوات، والتي ترتدي حجاباً وردياً ضمن زيّها المدرسي، إنها ستنفذ جهادها الخاص بدعوة صديقاتها الى وضع الحجاب على رؤوسهن».| ويذهب نائب سني إلى القول: |«إن الجهاد يجب أن يُعلَّم للتلاميذ، طالما أنه مفهوم مركزي في الإسلام. ويرى المنتقدون أن الوزارة قد أكملت هدفها، بتقديم المفهوم الشيعي في التعليم الديني.| وتبرر نائبة إسلامية |عن المجلس الأعلى الإسلامي بنصوص دستور سنة 2003 في محاولة لدعم مضامين المناهج الدينية، فتقول بهذا الصدد: «إن هناك مادة في الدستور تقول لا يجب أن تكون هناك قوانين تتعارض مع المفاهيم الإسلامية».| وتقصد النص للمادة الدستورية الإسلامية الأصولية الذي يقول: «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، ومع تحفظنا الشديد على هذه المادة المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية، نقول إن تطبيق هذه النائبة الإسلامية الجاهلة لهذه المادة ينم عن جهل بفهم نصوص الدستور، ولكن جهل المتدينين مبرر ومبارك ومقدس، فجاهل متدين عندهم خير من عالم متحلل من الدين، حتى لو كان أشد وأنقى إيمانا بالله وأكثر توحيدا وتنزيها له منهم.
أخيرا أقول إن مجتمعاتنا في العالم المسمى بالإسلامي، لا يمكن أن تواكب روح العصر، وتتحول تحولا ديمقراطيا، ما لم تحرر عقولها من سجون النصوص الدينية. ورحمة بعقول أطفالنا وبمستقبلهم وبمجتمعات الغد، لا بد من إلغاء درسَي الدين والتاريخ الإسلامي، أو إعادة كتابتهما بلغة علمانية تنزع القداسة عن المقدسات الموهومة، وتنتزع كل معاني التطرف والتعصب وإيحاءات احتكار الحق وثقافة كراهة الآخر والنفس الطائفي من قراءات سنية أو قراءات شيعية للدين وللتاريخ.
28/11/2009
[إضافة بعد سبع سنوات من كتابة المقالة: إذن هذا كله كان حجر الأساس لظاهرة داعش، التي احتلت الموصل في حزيران 2014، ثم احتلت بعدها ما مجموعه ثلث مساحة العراق، ومارست فريضة الجهاد، قتلا بأبشع صوره، للشيعة والإيزيديين والمسيحيين، حتى طالت السنة أنفسهم. إذن قوى الإسلام السياسي وقوى الطائفية السياسية من الطائفتين، هي التي ساهمت في تمهيد الأرضية لداعش، ودروس الدين هي بذرٌ لبذور الفكر الداعشي بصيغ أخرى.]12/11/2016