الرئيسية / مقالات / قراءة في صلح الامام الحسن (ع)

قراءة في صلح الامام الحسن (ع)

السيمر / الاحد 22 . 10 . 2017

هند بشير يونس

كل ما كتب عن اهل العراق واهل الكوفة بشأن الامام الحسن وعدم نصرتهم له واضطراره الى قبول الصلح والتنازل عن الخلافة لمعاوية استند فيه الباحثون الى مصادر الاسلاميين القدامى كاليعقوبي وابن الاثير والطبري , وحتى الشيخ المفيد كان يرى نفس الراي وهو ان الامام الحسن لجا الى الصلح لما راى اهل الكوفة لا يطيعونه حتى ان الكثير منهم استحلوا دمه ورغبوا في تسليمه الى معاوية وانهم يحبون الدنيا ويزهدون في الاخرة, السيد المرتضى قال نفس الكلام وكذلك الطبرسي (صاحب كتاب الاحتجاج) واكثر الباحثين الشيعة. والحقيقة ان اراء علماء الشيعة وباحثيهم تستند الى ما كتبه الشيخ المفيد والذي لخص رواية ابي الفرج الاصفهاني في كتابه (مقاتل الطالبيين) مع حذف الاسانيد واسقاط بعض الجمل. وكل هذا روج له الاعلام العباسي. الشيخ الصدوق في كتابه (علل الشرائع) كتب قولا للامام الحسن وهو: (علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع وأهل مكة حين انصرف من الحديبية. اولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل). هذا الكلام يعني ان السبب في صلح الحديبية والسبب في صلح الامام الحسن (ع) هو واحد. بعبارة اخرى: ان الخلفيات التي سبقت الصلحين واحدة والظروف متشابهة. فظروف صلح الحديبية هي ان قريش لم تكتف بحروبها ضد النبي في بدر وأحد وفي معركة الاحزاب وانما كان لها اعلام كاذب اتهم فيه النبي بانتهاك حرمة البيت الحرام والاعتداء على القوافل التجارية الامنة لقريش وسفك الدم في الشهر الحرام وما الى ذلك. ولذا, فازاء هذا الاعلام الكاذب أراد النبي ان يفضح قريش ويبين انها هي المعتدية وانه يعظم البيت الحرام والاشهر الحرم ولا يسفك خلالها دما, وانه بعث لاحياء دين ابراهيم (ع) وتحرير مناسك الحج من البدع التي ادخلتها قريش. ووجد النبي ان افضل طريقة لذلك هو ان يذهب مع المسلمين لاداء العمرة في أشهر الحج محرمين يسوقون معهم الهدي. والمحرم لا يحل احرامه الا عندما يؤدي مناسكه ويذبح هديه. فهو قد ذهب مسالما يبتغي مصالحة قريش. فان رفضت قريش الصلح وصدته عن المسجد الحرام فسيتم فضحها عند حلفائها. واذا قبلت الصلح معه وسمحت له ولاصحابه بان يقضي مناسكه عند البيت فهي مفضوحة ايضا لانها ادعت بان محمدا لا يعظم البيت الحرام. فصلح الحديبية هو في الحقيقة فتح للنبي لانه سيظهر كذب قريش وصدق محمد (ص) لدى حلفاء قريش وغيرهم. وهكذا سيكون صلح الحسن (ع), مع فارق واحد وهو ان معاوية هو الذي طرح مبادرة الصلح. فاذا رفض الحسن الصلح فسيلومه الناس وقسم من الجيش والمنافقين في الكوفة لانه لم يجنح للسلم بعد ان جنح اليه معاوية وسيكون قد خالف الاية الكريمة: (وان جنحوا للسلم فاجنح لها). وسيبدو للناس ان معاوية يرغب في الصلح وان الحسن هو طالب الحرب. كما ان في الصلح راحة لجيش معاوية المتعب, وفرصة جيدة لملاحقة الارهابيين الذين ياتون من العراق. وسيكون بمقدور معاوية ان يدفع خطر الروم البيزنطينيين. والاهم من ذلك انه سيكون بمقدوره التغلب على منهج ال بيت النبي المتمثل بالامام علي والحسن من بعده. المفاجأة الكبرى هي قبول الحسن بمبادرة الصلح. فقد كان يريد فضح معاوية امام اهل الشام واظهاره بانه مفسد في الدين, وان عليا وال بيته هم الهادين الى دين الله مستندين الى كتاب الله وسنة رسوله. والذي شجع الامام الحسن على قبول مبادرة الصلح عدة امور, اولها: انشقاق الشام. فاهل الشام كانوا قد بايعوا معاوية على ان يحكمهم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين. وهذه العقبة خلقت مشاكل عديدة كفقدان الامن على الطرق الخارجية بين ولايات الدولة الاسلامية بسبب غارات جيش معاوية على المناطق الامنة التابعة للامام علي (ع), ومشكلة ثقافة العداء لعلي عند اهل الشام الذين يعتقدون بان عليا شارك في قتل عثمان وانه مفسد في الدين ومخالف لسيرة ابي بكر وعمر, وانه يستحق اللعنة والتبرئ منه ومن شيعته بل قتلهم والتخلص منهم. الامر الثاني الذي شجع الامام الحسن على قبول الصلح هو وجود الخوارج الذين حملوا شعار تكفير الامام علي وشكلوا خلايا اغتيال تستهدف الابرياء مما تسبب في فقدان الامن الداخلي. ففي هذه الظروف كان الصلح مع معاوية هو الانسب وليس الحرب. فالامام الحسن كان بحاجة الى ان يأتي الناس باختيارهم الى طريق اهل البيت. بعبارة اخرى انه كان يريد ان يكسب قلوبهم. وكسب القلوب لا يكون عن طريق الحرب. فأهداف الصلح عديدة وتتلخص في ما يلي: ان تعالج انشقاق اهل الشام, ان تحفظ لاهل العراق واهل الشام اختيارهم وبيعتهم, ان تعرف الشاميين انهم كانوا ضحية اعلام كاذب, ان تفرض على معاوية عدم ذكر الامام علي بسوء, ان تضمن اختلاط اهل العراق مع اهل الشام في اجواء المحبة والامان فيتعرف الشاميون على سيرة الامام علي العطرة, ان تحقق اجواء الامان في الامة كلها وتقلل من تاثير فكر الخوارج التكفيري وتلاحق فرق الاغتيال التي شكلوها, وان تدفع التهديد الذي ياتي من طرف الروم البيزنطينيين والذي كانوا سيستفيدون من قتال المسلمين بعضهم البعض.كل هذه الاهداف لم تكن لتتحقق الا بالتنازل المشروط عن الخلافة. وكان النبي (ص) قد اعد الحسن (ع) لهذه المهمة بقوله: ( ان ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

المصادر:
(الامام الحسن في مواجهة الانشقاق الاموي) -سامي البدري

اترك تعليقاً