السيمر/ الاثنين 11 . 12 . 2017
صالح الطائي
صحيح أن بداياتي كانت أدبية بحتة، وأني قرأت الكثير من النتاج الأدبي العراقي والعربي والعالمي، وكتبتُ مقطوعات شعرية، ومقطوعات أدبية أخرى، استحسنها أساتذتي وأصدقائي، إلا أن تحولي إلى البحث في الشأن الديني، أبعدني كثيرا عن الأدب؛ إلى درجة القطيعة، أو قريبا منها بقليل، بعد ان شعرت أنني بحاجة ماسة إلى قراءة أفكار ورؤى المذاهب الإسلامية والأديان الأخرى، لأتمكن من الإلمام بالمواضيع التي سأكتب عنها، فوجدت نفسي أخوض بحرا لجيا لا قرار له، تتلاطم امواجه فتقطع الأنفاس، ولا يكفي العمر كله للإلمام بجميع جوانبه.
ثم بعد أن بدأت بالكتابة فعلا في الفكر الديني، وبعد أن أصدرت مجموعة من مؤلفاتي، تعقدت أموري أكثر، فتخليت كليا عن جميع أنواع الترف الأدبي، لأتفرغ كليا لمجال تخصصي، مع أني كنت أشعر بجذوة أدبية تتأجج في داخلي، تستعر أحيانا، فتدفعني مرة لأصوغ كتاباتي بأسلوب أدبي مستخدما الطباق والجناس والبلاغة، ومرة لأكتب مقطوعات شعرية سرعان ما أمزقها، ربما لأني أشعر بأنها دون المستوى المطلوب، ولا تملك قدرة مجاراة ما ينتجه الشعراء.
ثم بعد أن أصدرت كتابي الثلاثين، وبعد ان أنهكتني القراءة والمتابعة والبحث، وجدت ثمة فسحة أدبية، كنت حينما ألج إليها في دقائق الاستراحة من الكتابة، أشعر من خلالها بنوع من القوة وتنشيط الفكر وتجديد الذاكرة، ونفض الكسل، وهذا ما شجعني على المتابعة حتى بدون إرادتي، حيث كنت أحيانا أتخلى عن القلم، واترك الموضوع الذي بين يدي لأدندن مع نفسي كلمات تشبه الشعر أو هي قريبة منه، وقد استمرت هذه الحال مدة من الزمن، أنجزت خلالها خمسة كتب أخرى، فشعرت أني قدمت مشروعي، ولم يبق سوى تقديم النتائج التي يكفي أن تحتويها أربع او خمس كتب أخرى، بمعنى اني أصبحت قريبا من سن التقاعد، ولكن حبي للعمل وممارستي للكتابة على مدى أكثر من أربعين عاما، أبيا أن اتخلى كليا، مع اني كنت أشعر بالوهن والتعب وربما العجز، فابتدعت طريقة جديدة وهي أنني حينما أشعر بمقطوعة شعرية تطرق عليَّ باب خلوتي وكأنها نوبة من نوبات التيه في المجهول، أبادر فورا إلى كتابتها لأعود إليها في أوقات راحتي، أشذب أغصانها، وأحسِّن كلماتها، وأتعامل مع اوزانها ومعانيها وموسيقاها.
في هذه المرحلة بدأت أعرض مقطوعاتي على بعض أصدقائي الشعراء مثل الدكتور محمد تقي جون والدكتور رحيم الغرباوي، فكانوا ينقدونها ويقومونها ويقترحون إبدال بعض الكلمات وحذف بعض الأبيات، لتتحول تلك المشاريع البسيطة بين ليلة وضحاها إلى قصائد ممكن أن ترى النور وتعلن عن نفسها دونما خوف ولا وجل.
هنا ارتأيت أن أجمعها وأطبعها، فجمعتها وطلبت من الأخ الدكتور الفنان مصدق الحبيب أن يصمم لي لوحة الغلاف، ومن ثم أرسلتها إلى دار ليندا في سوريا، لتخرج مجموعة أنيقة من 56 قصيدة في 159 صفحة تزين غلافها لوحة المبدع الكبير مصدق الحبيب.
أما بعد ذلك، بعد أن تم توزيع المجموعة، فأنا لست موقنا أني سأجازف بإصدار مجموعة أخرى، مع أن مادتها متوفرة تقريبا. لكن ربما سيساعدني على اتخاذ القرار النهائي موقف أصدقائي من الشعراء والنقاد الذين ارسلت لهم نسخا من المجموعة ووعدوني بالكتابة عنها بأقلام محايدة.