السيمر / السبت 02 . 02 . 2019 — رغم ما قدمته التكنولوجيا الحديثة من إيجابيات أسهمت في تسهيل الإجراءات والتعاملات الإنسانية بعد أن كان الروتين الممل والقاتل مسيطرا على حركة إدارة المؤسسات الخدمية، إلا أن المواطن العراقي ما يزال يعيش دوامة الانتظار في طوابير طويلة لأنه لا يملك واسطة أو لا يستطيع توفير ثمن “الرشوة” اللتين من شأنهما أن تسرعا في إكمال طلبه. ومنذ سنوات أعلنت الجهات الرسمية عن توجهها نحو الحكومة الإلكترونية التي من شأنها أن تنتشل المواطن البسيط من كل هذه الفوضى، وتحولها إلى إجراءات مبسطة مختزلة الكثير من الوقت والجهد. لكن إعلان السلطة القضائية القيام باتخاذ إجراءاتها لإطلاق مشروع الزواج الإلكتروني أثار الكثير من الجدل وردود الفعل، بين مؤيدين اعتبروه خطوة مهمة لتخفيف الضغط على المحاكم ومعارضين ساقوا عدة أسباب لرفضهم. يقول القاضي وائل عبد اللطيف إن عقود الزواج -ومن ضمنها الزواج الإلكتروني- يجب أن تكون بصيغة مسموعة ومطلقة من قبل القاضي الذي يقوم بتزويج الطرفين. وأضاف أن هذا لا يتعارض مطلقا مع مشروع الزواج الإلكتروني الذي يدعو إليه مجلس القضاء الأعلى، لأن ما يجري فيه إجراءات إدارية بحتة الغاية منها توفير الوقت والجهد وتخفيف الضغط على المحاكم إضافة إلى أنها جزء من مشروع الحوكمة الإلكترونية. وهذا المشروع سيختصر على المواطن أسابيع وربما أشهرا من الانتظار في طوابير طويلة -يقول عبد اللطيف- ليتمكن من خلاله إكمال إجراءاته وهو في بيته “فنحن مع أي مشروع يسهل عمل المواطن سواء تعلق باستخراج أوراق رسمية أو زواج إلكتروني أو إنجاز معاملات، باعتبارها حالة حضارية صحية سليمة”. ورغم أن العمل بمشروع الزواج الإلكتروني كجزء من نظام حكومي إلكتروني متكامل طرح كمقترح عام 2003 فإن الظروف العامة للبلاد واستشراء الفساد بأغلب مؤسسات الدولة وبطء إجراءات وزارة العلوم والتكنولوجيا عطلت العمل به حتى يومنا هذا. ويطمئن القاضي المواطنين بأن الأوراق الإلكترونية ستأتي عند القاضي وسوف يدققها قبل إتمام العقد، أي أن الزواج الإلكتروني لا يتم إلا بحضور الزوج والزوجة، وبعد التأكد من أوراقهما الرسمية قبل البت بهذا الزواج. باحثون اجتماعيون اعتبروا حضور مفردة “الإلكتروني” مع الزواج نوعا من استثارة الرأي العام. وقال الباحث الاجتماعي علاء الصفار إن ظهور الزواج الإلكتروني في بلد شرقي -تحكمه تقاليد محافظة بحكم تكوينه الاجتماعي التقليدي- من شأنه أن يثير أسئلة كثيرة بحاجة إلى شرح. وقدم شرحا للآلية التي تحدد طريقة هذا الزواج، معتبرا ما أثير من لغط حوله وخلق هذه الهالة كان بسبب عدم الإلمام بحيثيات الموضوع وتفاصيله، فتم تقديمه على أنه زواج عبر قنوات افتراضية بعيدة عن التقاليد المتبعة في مجتمعنا. الصفار اعتبر أن ردود أفعال المجتمع المبالغ بها نوعا ما جاءت بسبب التصريحات “المفزعة” التي يطلقها سياسيون وبرلمانيون إزاء القضايا المختلفة دون دراسة الموضوع بشكل كامل من جميع جوانبه، وخاصة وأن مثل هذه المواضيع على تماس مباشر بالمواطن وحياته الخاصة ومستقبله الأسري وعلاقاته الاجتماعية. مواطنون أبدوا رفضهم التام لمثل هذه القرارات لعدة أسباب أبرزها عدم توفر الفرصة للقاضي من أجل سماع الإيجاب والقبول من الطرفين العاقدين، وصعوبة التأكد والتحقق من أهلية المقبلين على الزواج، إضافة إلى صعوبة معرفة توفر الشروط القانونية اللازمة للمتعاقدين عبر المجال الإلكتروني، ولأن مجلس عقد الزواج ليس طبيعيا. وقال المواطن إياد الجبوري إنه لو صح القول إن هذا القرار سينفذ بالفعل وسيتم عقد الزيجات إلكترونيا فإنه لن يقبل بهذه الطريقة، مفضلا الانتظار في طوابير طويلة على أن يتم “خدش القيم” بحسب تعبيره. وطالب بالبحث عن مشاكل أكثر أهمية بالنسبة للمواطن، والعمل على حلها، فالمجتمع بات يعج بالسلبيات وبحاجة لمن ينتشله منها. خطوة صحيحة غير أن مواطنا آخر أبدى ارتياحه بعد أن اطلع على المشروع بشكل كامل، معتبرا إياه “خطوة في الاتجاه الصحيح”. ويعتقد أن ما يتم إلكترونيا مجرد إجراءات إدارية داخل المحاكم، وفي الواقع فهي مجرد استمارة إلكترونية يتم ملؤها من قبل المتقدمين المؤهلين طالبي الاقتران والزواج، لتلافي الإجراءات الروتينية والضغوط التي تعاني منها المحاكم. ورغم رسائل الطمأنة التي يرسلها مختصون هنا وهناك، فإن الشارع العراقي لا يزال متخوفا من تطبيق الفكرة، وهو بحاجة لمزيد من الوقت حتى يتأكد أنه زواج مكتمل الأركان ولا يتم العقد فيه إلا بحضور القاضي والطرفين مع الشهود. أما التحذيرات التي تطلق فهي مجرد محاولات لعرقلة إنشاء مشروع الحكومة الإلكترونية، كما يرى بعض العراقيين.