الرئيسية / اصدارات جديدة / توثيق معرفي لجحافل الفيلق الأول في حرب الإعلام الأزلية

توثيق معرفي لجحافل الفيلق الأول في حرب الإعلام الأزلية

السيمر / فيينا / الاربعاء 08 . 01 . 2020

د. نضير الخزرجي

كان الإعلام ولازال وسيظل ما بقي في صدر الإنسان نفس يصعد وينزل، سلاح ذو حدين، له أن ينتصف للمظلوم وله أن ينتصر للظالم، وهو سلاح خطير للغاية إذا ما وقع بيد عدو عاقل وسلاح أخطر إذا ما وقع بيد صديق جاهل، فالأول يذبح الأمَّة من الوريد إلى الوريد بسلك حريري وهي تبتسم، والثاني يشنقها عيانا وجهارا بحبل مفتول وهو ضاحك فرح يحسب أنه يحسن صنعا، وكلاهما على الأمَّة خطير، فالعدو العاقل فاعل قاهر يملك بيده مفتاح التأثير على الأمَّة وجهّالها، والعدو الجاهل منفعل مقهور لا يملك من أمره قيادها يدور ما أدار العدو عجلة الإعلام.

ولما كان الإعلام قوةً، فهو أداة لأغراض كثيرة يتم التعامل معه وبه وفق معطيات ومراد من يمسك بمقبضه، فربما كان الإعلام سلاحا عقائديا أو إقتصاديا أو سياسيا او عسكريا أو اجتماعيا، ولهذا تعددت وسائله حسب مناحي الحياة قد تجتمع الأغراض في وسيلة إعلامية واحدة أو تتعدد بتعدده، وقد يكون لكل وسيلة جهة مسؤولة وقد تكون الجهة مسؤولة عن كل الوسائل وبمجموعها تهدف إلى تحقيق المراد، وقد يكون هذا ظاهر المراد  واضحا لكل صاحب بصر، ولكن باطن المراد لا يكون واضحا إلا لصاحب بصيرة، ولهذا تعمد وسائل الإعلام التي يحركها العدو العاقل إلى خلق جو كبير من التجهيل والتعتيم وصرف الحقائق عن مسارها سعيا الى زيادة رقعة اصحاب البصر الذين تحركهم خيوط الصورة على حساب أصحاب البصيرة الذين يدركون المخاطر التي تتربص خلف الصورة.

والحرب سجال بين الإعلام العاقل القاهر والإعلام الجاهل المقهور، والقليل من الإعلام الصديق العاقل الذين يدرك المخاطر وله أن يكون قاهرا للإعلام القاهر أو كحد أدنى ندًّا له يملك قابلية مواجهته دون أن يتأثر به أو أن يترك لمداده أن يشوه العقل الجمعي للأمة، ولأن الإعلام القاهر يدس السمن بالعسل، فإن القليل من أبناء الأمَّة من يعي هذا الواقع المر، ولهذا تحث أدبيات الإسلام على اهمية التسلح بالوعي لمواجهة العدو باعتبار أن الإعلام هو الفيلق الأول المتقدم التي يتحرك به العدو في عرصات المواجهة لاستغلال الآخرين، فهو يلبس الحق بالباطل، وينزع المظلوم عن رداء حقه ويلبس الظالم رداء حق الآخرين، من هنا قال الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)، فكلما اقترب المرء من الواقع وخبر خطوات العدو عاقلا كان أو جاهلا، اقترب من الحقيقة ولم يتشابه عليه البقر.

ذاكرة إعلامية

وتحتفظ الذاكرة البشرية بحوادث تاريخية حاكية عن عمق الفجوة بين طبقات الأمة التي يوجدها الإعلام المضلل فيصبح النبي محمد (ص) الذي هو قمة الإدراك والأخلاق مجنونا!: (وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) سورة الحجر: 6، ويصبح إمام المتقين وترجمان القرآن وأمير المؤمنين عاصيا تاركًا للصلاة، إذ كان أهل الشام في حرب صفين يقاتلون جيش المسلمين الذي لا يصلي إمامهم حتى قال قائل منهم في وجه أصحاب علي (ع): (فإني أقاتلكم لأنَّ صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي وأنتم لا تصلون أيضا) تاريخ الطبري: 3/95 في حوادث سنة 37هـ، وعندما أغتيل يعسوب الدين راح  أهل الشام يقيمون الأفراح بمقتل تارك الصلاة حتى إذا نفذت إليهم الأخبار من شقوق جدار الإعلام المضلل بأنَّ خليفة المسلمين قُتل بسيف المرادي الخارجي وهو في محراب مسجد الكوفة، راحوا يتساءلون فيما بينهم تساؤل المستغرب المخدوع: (أوَ كان علي يصلي)!

وحصل الأمر نفسه مع نجل اليعسوب الإمام الحسين (ع) الذي فرح قطيع من أهل الكوفة وأهل الشام باستشهاده، فهو في نظر الإعلام المضلل زعيم الخارجين على دين محمد (ص) وعندما عرف القوم أنه سبط محمد (ص) وابن فاطمة الزهراء (ع) بدا الذهول عليهم وراحوا يتخبطون بين مصدق ومكذب ويتباكون!

ولا زال الإعلام هو الإعلام أشد وقعا وألمًا، فلنصل السيف أن يقتل إنسانًا ولرصاصة الإعلام أن تسيح دماءً، ومن ذلك واقعة الطف في كربلاء سنة 61هـ، والحرب سجال بين إعلام مضلل يريد بالأمَّة تكبيلها وإخضاعها لسيد قاهر يرتفع عنده الوضيع وينحط عنده الرفيع، وإعلام هادٍ يريد بالأمَّة التحرر من ربقة العبودية والعيش بسلام وأمان.

وتمثل المقالة (أو المقال) واحدة من الأسلحة التي يتمنطقها أصحاب القلم لبيان الحقيقة وإماطة اللثام عن أعين النيام، وفي هذا الإطار صدر حديثا (نهاية 2019م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت كتاب (ببليوغرافيا إعلام وأعلام معجم المقالات الحسينية للكرباسي) من إعداد وتعليق وشرح كاتب القراءة (نضير الخزرجي) في 744 صفحة من القطع الوزيري توزعت على جزأين، فالأول من 353 صفحة والثاني من 391 صفحة مع فهرس للأعلام وآخر لوسائل الإعلام التي ورد ذكرها في الكتاب.

يمثل الكتاب الجديد بجزأيه حصيلة استطلاعات مستفيضة عن وسائل الإعلام التي تناولت في مقالات واقع النهضة الحسينية وبخاصة وسائل الإعلام المقروءة والتي توزعت على خمسة أجزاء من (معجم المقالات الحسينية) للمحقق الكرباسي وضم 382 وسيلة إعلامية ما بين جريدة ومجلة وموقع الكتروني وبلغات مختلفة، احتوى الجزء الاول على تعريف وتوثيق لـ (109) وسائل فيما ضم الجزء الثاني (273) وسيلة، وتوزعت الأدواة الإعلامية للجزأين على البلدان التالية: أستراليا، ألمانيا، أميركا، إيران، باكستان، البحرين، تركيا، الدانمارك، السعودية، سوريا، السويد، سويسرا، العراق، فرنسا، فلسطين، قطر، كندا، الكويت، لبنان، مصر، المملكة المتحدة، النرويج، النمسا، الهند، هولندا، واليمن.

وتحرى التعريف والتوثيق بيان السيرة الذاتية للمؤسس أو رئيس التحرير أو مدير التحرير أو رئيس مجلس الإدارة وأضرابهم.

وصدرت الأجزاء الخمسة في فترات مختلفة، فالأول صدر سنة 2010م في 508 صفحات من القطع الوزيري تناولته بقراءة موضوعية ونشرت في الصحافة يوم 20/12/2010م تحت عنوان: (رحلة الألف كتاب تبدأ بمقال)، وصدر الثاني سنة 2011م في 561 صفحة من القطع الوزيري وتناولته بقراءة موضوعية ونشرت في الصحافة يوم 5/7/2011م تحت عنوان: (ضمائر شاهدة في حضرة المقالة النافذة)، وصدر الثالث سنة 2013م في 620 صفحة من القطع الوزيري وتناولته بقراءة موضوعية نشرت في الصحافة يوم 6/8/2013م  تحت عنوان: (مقالات عابرة للحدود غُدُوُّها عِبرة ورواحُها عَبرة)، وصدر الرابع سنة 2015م في 734 صفحة من القطع الوزيري تناولته في قراءة موضوعية ونشرت في الصحافة يوم 5/1/2017م  تحت عنوان: (قراطيس نجاة .. عَقَلَ حبلُ البيان قليلها وكثيرها ذرته ريحُ النسيان)، وصدر الجزء الخامس سنة 2016م في 765 صفحة من القطع الوزيري وتناولته في قراءة موضوعية ونشرت في الصحافة يوم 20/4/2016م تحت عنوان: (كتابات خارج أسوار الذاتيات تحاكي الفطرة عن قرب).

مباحث في الإعلام

لمؤلف دائرة المعارف الحسينية رؤية متفتحة لمفهوم الإعلام وأهميته وخطورته على السواء ثبّتها في مجموعة أبحاث ودراسات انتشرت في أجزاء عدة من الموسوعة الحسينية منها معجم المقالات الحسينية ومعجم خطباء المنبر الحسيني ومعجم المصنفات الحسينية وغيرها، وكذلك ما كتبه من تمهيد أو أحكام في سلسلة كتيبات “الشريعة” من قبيل شريعة الثقافة وشريعة الإعلام وشريعة الكتابة، وجدت في المفيد تقديمها للقارئ الكريم في الجزء الأول من (ببليوغرافيا إعلام وأعلام معجم المقالات الحسينية للكرباسي) وقد استحوذت على 138 صفحة من صفحات الجزء الأول، تابع المحقق الكرباسي عناوين الأبحاث على النحو التالي:

ناقش في: “الإعلام في اللغة والإصطلاح” مفهوم الإعلام من حيث اللغة ومن حيث الإصطلاح ومصاديقه في وسائل الإعلام المتنوعة، مفرقًا في المفاهيم والمؤدى بين الإعلان والإعلام والدعاية.

ويناقش في: “أقسام الإعلام وأكثرها فاعلية” مفهوم الدعاية والإعلام وعلاقتهما بالخطابة بوصفها من أقدم وسائل الإعلام التي تعارف عليها البشر، متطرقا إلى ثلاثي الإعلام والسياسة والإقتصاد بلحاظ ترابط أضلاع المثلث في كل قضية.

وناقش في: “الوسيلة الخطابية” مفهوم الخطابة لغة وإصطلاحا ودورها العميق في استننهاض همم الأمَّة أو تجهيلها بوصفها وسيلة مباشرة بين الملقي والمتلقي، وعلى الدوام كان لكل نهضة أو ثورة رجالها من السياسيين الذين يجيدون فن الخطابة يشدون إليهم الجماهير ويستعدوهم على عدوهم أو منافسيهم.

وناقش في: “الوسيلة التحريرية وحقوق الطبع” مفهوم الكتابة وما ينبثق عنها من كتاب وحقوق المؤلف، واهتمام الرسالات السماوية بالكتب والتدوين والتأليف كون العلم إرث الأمَّة لابد من تقييده بالكتابة حتى يكون محل استفادة الأجيال، بخاصة وإنَّ تراكم العلوم مدعاة إلى التطوير والإبداع.

وناقش في: “الوسيلة الصحفية” المراد من المقال والمقالة، والكلمة، والمحاضرة، والصحف، مركزا في البحث على المقالة التي جاءت متلازمة مع الكتابة والتأليف.

وناقش في: “فن المقالة” ما يتعلق بالنقد، والدراسة، والمناظرة، والمقالة العادية، والعلاقة الثنائية بين فن المقالة وظهور الصحافة التي تم تقسيمها الى جريدة، ومجلة، وفصلية، وحولية، ونشرة، فضلا عن تقسيمات أخرى مثل جريدة صباحية وأخرى مسائية، ومجلة أسبوعية أو نصف شهرية أو شهرية أو في شهرين، وما إلى ذلك.

وناقش في: “الوسيلة الإعلانية” مفهوم الإعلان أو الإشهار لغة وإصطلاحا، وعلاقة الإشهار بالدعاية والترويج لبضاعة فكرية او مادية استهلاكية، ودور الأخلاق والأعراف في تنظيم الإعلان بما يحافظ على الذائقة المجتمعية.

وناقش في: “الوسائل الفنية” مفهوم الفن لغة واصطلاحا وما يقع تحت هذا العنوان العريض من فنون جميلة وتشكيلية وافلام ومسرحيات وتمثيليات ورسم وتصوير وأمثالها، وبيان أهمية استخدام هذه الفنون في ترشيد الأمَّة إلى رسالة النهضة الحسينية ودورها في توجيه حياة الأمَّة نحو الخير والصلاح ودفع الظلم ورفض الطغيان.

وناقش في: “السياسة والإعلام” فن استخدام الإعلام وتسيير عجلته، من قبل أنظمة إسلامية وراسمالية وإشتراكية ووجودية وإلحادية وأمثالها من منظومات فكرية وعقيدية أممية ومحلية، لكون الأعلام سلاحًا يتحرك حيثما تحركه اليد القابضة إن خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌ، وفي الأمثال: (المرء مقتول بما قتل به إن خنجرا فخنجر، وإن سيفا فسيف).

وناقش في: “السلطة الإعلامية” كيفية استخدام رسول الإسلام محمد (ص) للإعلام في هداية الأمَّة إلى ما فيه خيرها في الدارين عبر الأسلوب العملي، والأسلوب الخطابي، والأسلوب الإنشادي، والأسلوب الدعوي.

وناقش في: “الثقافة ودورها في الإعلام” مكنون الثقافة بوصفها بوصلة للمرء مهما كان موقعه الإجتماعي والعلمي، لأن العلم في نظر الكرباسي يختلف عن الثقافة، فقد يكون الإنسان البسيط مثقفا واعيا، وقد تغيب الثقافة عن العالم الفاهم، فلكل علم أو عمل ثقافته، فللمشي ثقافته وللأكل ثقافته وللحوار ثقافته، لأن الثقافة هي مصدر الاخلاق والآداب والكمال والترفع، والعالم المثقف هو قدوة علميا وسلوكيا، والعامل المثقف هو قدوة عمليا وسلوكيا، وهكذا في كل وظيفة عملية أو عملية.

وناقش في: “الهدف من الإعلام” المراد من الإعلام المتثمل في أهم نقاط رسالته: نشر الصلاح بين الأمَّة ودفع الفساد، وخدمة الشعوب والأمم مثلما هي رسالة الأنبياء، واستجلاب رضا الله الذي وهب الإنسان فن الإبداع.

وناقش في: “الإعلام الإسلامي والرسل الإعلامية” الرسائل التي بعث بها نبي الإسلام محمد (ص) إلى الرؤساء والملوك وشيوخ القبائل يدعوهم إلى الواحد الأحد ونبذ الأعراف الجاهلية المظلمة.

وناقش في: “أهمية الإعلام” الفرق بين الإعلام الصادق والإعلام الكاذب باعتباره الحربة التي بها تقاتل جيوش النور جيوش الظلام، وبالعكس.

واستعرض في المبحث الأخير: “مصداقية الإعلام الإسلامي” المسائل الفقهية ذات العلاقة المباشرة بالإعلام وما ينبغي أن يكون عليه الإعلام الإسلامي، كما جاء في “شريعة الإعلام” في 82 مسألة فقهية.

وقبل الولوج في بيان الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية التي تناولت المقالات الحسينية حسب الحروف الهجائية يتابع الكتاب في أحد عشر مسألة : “دائرة المعارف الحسينية والإعلام” لينتهي في خلاصته أنَّه: (رغم هذا الكم من الإعلام، أعتقد أن التعاطي الإعلامي مع دائرة المعارف الحسينية من قبل المؤسسات الإعلامية ليس بالحجم المطلوب ولا ينسجم مع موسوعة معرفية كبيرة صدر منها حتى اليوم 116 مجلداً من نحو تسعمائة مخطوط، تتناول نهضة الإمام الحسين (ع) في كل شاردة وواردة، لمؤلف واحد أكبَّ منذ عام 1987م على التحقيق والتأليف، ولا زال قلمه بإذن الله جارٍ  كتيار جارف يسابق الزمن، له في كل باحة علم موضع قدم).

في الواقع فإن الكتاب يقدم خدمة جليلة لأصحاب الشأن من الإعلاميين والكتاب والموسوعيين وغيرهم للوقوف على تاريخ كل أداة إعلامية وردت في معجم المقالات الحسينية والسيرة الذاتية لأصحابها، والكتاب كما يقول الأديب اللبناني الأستاذ عبد الحسن الدهيني في كلمة الناشر: (بحق هو موسوعة إعلامية نظرًا لإحصائه هذا الكم الكبير من وسائل الإعلام لاسيما المواقع الإعلامية في الإنترنت، وهو عمل جبار لما يتطلبه إحصاء هذه المواقع من جهد ووقت وبحث وتواصل مع المعنيين).

الرأي الآخر للدراسات- لندن

اترك تعليقاً