الرئيسية / مقالات / الأردن: الاقتصاد يترنح والاصلاح في صحراء التيه

الأردن: الاقتصاد يترنح والاصلاح في صحراء التيه

السيمر / فيينا / الخميس 24 . 06 . 2021 

د. لبيب قمحاوي/ الاردن

ماذا لو أفاق الاردنيون في يوم قد يكون قريباً واكتشفوا انهم ببساطة غير قادرين فعلاً على دفع مستلزمات الحمل الضربيي للدولة لأنهم ببساطة لا يملكون دخلاً يمكنهم من فعل ذلك، واكتشفت الدولة في المقابل أنها قد استنزفت نفسها وأضاعت كل مصادر الدخل الأخرى من خلال إنعدام ثقة الآخرين بها والانفاق الجائر وغياب التخطيط والفساد المستفحل وبيع أصول الدولة وخدمة الدين الخارجي المتفاقم والتي أصبحت تفوق مجمل الناتج القومي الأردني (106%) ناهيك عن امتصاص معظم السيولة النقدية لمؤسسة الضمان الاجتماعي وجزءاً لا باس به من احتياطي البنوك المحلية من خلال الاقتراض الحكومي المحلي من تلك البنوك؟

ماذا عندما يكتشف الشعب أن سياسة الهبات والأعطيات والمكارم لقطاعات معينة بهدف شراء الولاآت والذمم وخلق سراب الامن والاستقرار لم ولن تنجح في علاج أمراض البلد الاقتصادية كونها عبارة عن مسكنات آنية هدفها إرضاء البعض مع أنها تؤلم الكثيرين وتظلمهم، وأن الهبات والمكارم لا يمكن أن تكون بديلاً عن التخطيط الاقتصادي السليم ومشاريع التنمية الحقيقية، كما أنها لن تٌشكل حتى مدخلا لحل مشاكل الأردن الاقتصادية في الوقت الذي تستنزف فيه تلك الهبات والمكرمات موارد البلد دون أي عائد؟

السقوط والانهيار الاقتصادي إذا ما حصل، لاسمح الله، سوف يصيب الجميع بلا تمييز. والأردنيون بدؤا يشعرون مؤخراً بوطأة وخطورة هذا الاحتمال وعمومية آثاره خصوصاً مع جائحة الكورونا وتفاقم المصاعب الاقتصادية وازدياد التحديات المرافقة لها من بطالة شاملة للجميع وغلاء متزايد في الأسعار، وشح في دخل المواطنين، وتوحش متزايد في تطبيق سياسة الجباية، ولا داعي لإعادة ذكر وتكرار الأمراض الاقتصادية والسياسية التي تعصف الآن بالدولة الأردنية و التي تتطلب إصلاحاً فورياً وجدياً .

الأصل هو منع الفساد بأشكاله المختلفة وعدم الاكتفاء بمحاكمته عندما يتم إكتشافه. ومع ذلك فما زال السؤال قائماً : ماذا حصل لمليارات ومئات الملايين من الدنانير التي تبخرت واختفت تحت قبة الفساد في الفوسفات والبوتاس والملكية الأردنية وميناء العقبة وغيرها كثير؟ ماذا حصل لأموال الخصخصة وأين ذهبت؟ أين الشفافية في كل ما تم من بيوعات لاستثمارات الشعب الأردني؟ ماذا حصل للعوائد الجمركية المفقودة بالمليارات وخصوصاً قضية عوني مطيع؟ القائمة تطول والهدف هنا هو الاشارة وليس الحصر أو الدخول في التفاصيل تجنباً للألم الذي قد ينتج عن ذلك . وفي نفس السياق يتساءل المرء فيما إذا تمت مساءلة أو محاكمة أي مسؤول رفيع على سوء ادارته لمهام حكومته أو وزارته أو المؤسسة التي يديرها ؟ ومع أن سوء الادارة هو شكل من أشكال الفساد، إلا أن المساءلة في هذا السياق سوف تنحصر في مبدأ سوء الادارة تحديداً وليس شعار الفساد بمفهومه المالي، نظراً لتفاقم هذه المشكلة والانهيار الملحوظ في كيفية ادارة مؤسسات الدوله نتيجة لسوء اختيار المسؤولين وغياب أي مقاييس حقيقية تحكم التعيين الوظيفي للمناصب العليا بعيداً عن الواسطة والاسترضاء، ناهيك عن غياب الشفافية والعلنية في عملية الاختيار وانعدام تكافؤ الفرصة بين المواطنين بشكل عام .

لقد رافق مسار إضعاف المؤسسات الدستورية والعامة للدولة الأردنية ابراز وتعزيز دور العشائر كبديل لمؤسسات الدولة وركيزة لدعم النظام . وقد ادى استمرار هذا النهج والمغالاة في تطبيقه إلى تطور العشائرية لدى البعض بحيث أصبحت مفهوماً اقصائياً وبديلاً لمؤسسات الدولة . وكما أوضح الاستاذ حسني عايش في مقاله ” بين العشيرة والعشائر فرق كبير ” فإن الفرق بين الاثنين فعلاً كبير جداً . فالعشائر هي تاريخياً عماد الدولة الأردنية وجزء هام وأصيل من مكونات المجتمع الأردني وهي تجسيد للمفاهيم العربية الأصيلة ومدعاة للفخر والاعتزاز، في حين أن العشائرية هي نهج وفلسفة اقصائية تسعى الى استبدال المجتمع ومؤسساته والعودة بالتالي بالدولة ومؤسساتها الى نقطة بداية تكوين الدولة . والعشائرية بذلك لا تنتقص فقط من دور الدولة ومؤسساتها، ولكنها تطرح نفسها كبديل لها دون أن تمتلك ما يؤهلها للقيام بذلك خصوصاً وأن العشائرية لا تمتلك من المقومات والركائز ما يجعل منها خياراً وطنياً وبديلاً عن مؤسسات الدولة . لا أحد يريد إنهيار الدولة الأردنية ولا أحد يسعى الى ذلك . الدولة الأردنية هي الوعاء الحاضن لجميع الأردنيين وهي بذلك ليست ملكاً لأحد سواء أكان حاكماً أم محكوماً . ولا يملك أى شخص أو مجموعة مهما كانت صفتها صلاحية تجيير الدولة كحق حصري لمجموعة بعينها أو لشخص أو اشخاص بعينهم مهما كان العذر أو الحجة وراء فعل ذلك .

المطلوب ليس اعادة تشكيل الدولة الأردنية ولكن العودة بها وبمسارها ودستورها لحقبة الازدهار السابقة والتي كان من المأمول أن تزداد ازدهاراً وليس العكس . إن عملية الارتقاء بالدولة ومؤسساتها لا تأتي من خلال التفتيت والاقصاء والاضعاف بل من خلال التجميع ودعم وتقوية مؤسسات الدولة وعدم اختزالها بالمؤسسة الأمنية مما سوف يخلق حالة عامة من الارباك المؤسسي والفوضى وانعدام الأداء والشفافية وبالتالي إنعدام إمكانية المحاسية . وكما هو معروف فعندما تصبح مقدرات الدولة محصورة في رأس أشخاص قلائل ويتم اختزال مؤسساتها الدستورية بمؤسسة واحدة، فإن الدولة تسير في طريق مجهول ولكن عواقبه بالتاكيد وخيمة .

الاصلاح مثل العلاج يفقد مفعوله إذا ما تفاقم المرض. والدعوة الى الاصلاح تفقد معناها في حالتين : الأولى إذا ما جاء متأخراً، والثانية إذا ما أوكلت عملية الاصلاح لأولئك المسؤولين عن الخراب أصلاً، وفي كلتا الحالتين يصبح مسار الاصلاح بلا طائل .

إن اللجوء الى خيارات الالتفاف على الإصلاح أو خلق وهم الاصلاح كبديل عن الإصلاح الحقيقي، ومحاولة الحكم ممارسة اسلوبه التقليدي في شراء الولاآت أو الصمت والقبول من خلال الأعطيات والمكرمات، بما في ذلك الأعطيات المنصبية والشرفية مثل عضوية لجان الاصلاح، مع ترك مفاتيح القوة والقرار داخل مثل تلك اللجان لبعض أركان النظام، هو أسلوب قد عفا عليه الزمن وأصبح مفضوحاً وممجوجاً في الوقت نفسه . فالعبث بعواطف ورغبات المواطنين هي من علامات الافلاس السياسي وغياب أي رغبة صادقة أو نوايا حقيقية للإصلاح . والنتيجة المحتومة لذلك معروفة . الاصلاح الجزئي المنقوص سوف يكون هو النتيجة في أحسن الأحول كوسيلة للإلتفاف على الاصلاح الحقيقي الشامل والجدي والفعال، والسبب معروف لأن فاقد الشئ لا يعطيه ولا يستطيع أن يعطيه حنى لو أراد ذلك ولوعن مضض .

*مفكر عربي

2021/06/21

اترك تعليقاً