السيمر / فيينا / الأربعاء 06 . 10 . 2021 —— يرى الطبيب النفسي وعضو لجنة “سوفي” (Sauvé) تييري بوبي -بعد أن استمع إلى العديد من الشهود- أن هناك تشابها كبيرا بين الجرائم ضد الأطفال التي ترتكب في الكنيسة وتلك التي تُرتكب داخل الأسرة، لا من حيث طرائق إسكات المعتَدَى عليهم فقط، بل أيضا من حيث استخدام القوة الروحية والسلطة الأبوية لارتكاب هذا العنف.
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية ذكرت أن زلزالا حلّ بالكنيسة الكاثوليكية الفرنسية وسيتخطى حتما حدودها، مع إصدار لجنة تحقيق مستقلة حول التعديات الجنسية على الأطفال تقريرا مروعا أفاد بوقوع أكثر من 216 ألف طفل وشاب ضحايا رجال دين كاثوليك في فرنسا بين عامي 1950 و2020.
وأوضح رئيس لجنة التحقيق جان-مارك سوفيه لدى عرضه التقرير أمام الصحافيين أن هذا العدد يصل إلى “330 ألفا إذا أضفنا المعتدين العلمانيين العاملين في مؤسسات الكنيسة الكاثوليكية” من معلمين في مدارس كاثوليكية وعاملين في منظمات للشبيبة وغيرهم.
ولإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع، استضافت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية هذا الطبيب النفسي، وحاورته سيلين راستيلو؛ ليؤكد -بعد التحقق من عدد كبير من الحالات- أن الكنيسة والأسرة تتفقان في آلية الإسكات، لأنه من الصعب جدا على المجني عليه أن يدرك كونه ضحية عنف، وحتى عندما يدرك ذلك فليس من السهل التحدث عنه، لأن مرتكب الفعل يتمتع بسلطة عليا يحترمها المرء بلا حدود، كسلطة الآباء واحترامهم، خاصة أن الكاهن أيضا يخاطب بالأبوة.
الحديث مخاطرة
وإذا فكر المرء -كما يقول الطبيب النفسي- في الحديث عما تعرض له، فإن ذلك يؤدي إلى تحطيم كثير من الأشياء في الأسرة، كما أن في ذلك مخاطرة شديدة، لأنه قد لا يصدق أو ربما يُطلب منه التزام الصمت حتى ولو صدق في ما قال، ولذلك فإن آليات “الإسكات” تزيد بشكل كبير من العزلة والضيق والشعور بالذنب أيضا، لأن الطفل وضع ثقته في هذا الشخص.
ونبّه الطبيب إلى أن هذه الجرائم تختلف عما سواها من جرائم قد يرتكبها أشخاص غرباء ضد الأطفال، لأن المجرم في هذه الحالة جزء من الدائرة المقربة للطفل، وقد قاد بعض الكهنة وظائف إجرامية حقيقية على مدى عدة عقود داخل الكنيسة، تعود إلى كبار المفترسين الجنسيين، علما أن ذلك لا ينطبق على الجميع، ولكنه كان موجودا بالفعل، مما يطرح سؤالا ملحا: كيف كان هذا ممكنا؟ وما النظام الذي سمح بذلك لسنوات عديدة؟
وعند حديثه عن جلسات الاستماع للضحايا التي حضرها مع القاضي أنطوان غارابون، قال تييري بوبي إنهما فكرا كثيرا في الإطار الذي تجري فيه هذه المقابلات التي لم تكن تحقيقا قضائيا ولا علاجا نفسيا، مشيرا إلى أنهما سمحا قبل الجلسة بأن يرسل لهم الشخص كتابة في أسطر في عشرات الصفحات، وأن المقابلة استغرقت عدة ساعات في بعض الأحيان.
من ضحية إلى شاهد
وقال الطبيب إن هذه المقابلات والتمكن أثناءها من التحدث والشعور بأن هناك من يستمع ويفهم؛ مكنت معظم المتحدثين من الانتقال من وضعية الضحية إلى مرتبة الشاهد، وأعطتهم القدرة على القول “هذا ما فعلوه بي وكذا وكذا”، مشيرا إلى أن “جلسات الاستماع هذه كان لها تأثير على الضحايا، كما أنها غيرتنا نحن أيضًا إلى حد ما”.
ويرى الطبيب أن هؤلاء الأشخاص الذين بلغوا 60 أو 70 من العمر بعد أن تعرضوا لصدمة جنسية في مرحلة الطفولة ولم يتحدثوا عنها ولم يحظوا بأي استشارة نفسية؛ ستبقى لديهم تأثيرات في مجالات مختلفة من حياتهم حتى ولو لم يصابوا بأمراض عقلية أو إدمان أو اضطراب ما بعد الصدمة، وسيكون التأثير قويا جدًّا على حياتهم العاطفية وقدرتهم على التواصل مع الآخرين والشعور بالحب في ما يتعلق بحياتهم الجنسية، حتى إن شخصا يبلغ 60 قال “طوال حياتي، في كل مرة أمارس الحب أرى وجه الكاهن”.
واختتم الطبيب المقابلة بإسداء نصيحة لضحايا العنف الجنسي في مرحلة الطفولة من أجل التغلب على الصدمة، قائلا إن الاستشارة ليست لها مرحلة عمرية، وإن كل من يعاني من أعراض أو أمراض خطيرة يمكن أن يساعده المعالج النفسي أو الاستماع بتعاطف أو اللجوء إلى جمعيات الضحايا الذين يريدون في الأغلب مساعدة أقرانهم، خاصة أنه لا يمكن تغيير الماضي، ولكن يمكننا العمل على تحسين المستقبل.