الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / المونسنيور خالد عكشة: “لا توجد ترشيحات ولا لوبيات، والبابا المقبل سيكون بمستوى التاريخ”

المونسنيور خالد عكشة: “لا توجد ترشيحات ولا لوبيات، والبابا المقبل سيكون بمستوى التاريخ”

فيينا / الأثنين 28. 04 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

 تطرح جملة من الأسئلة حول الاسم الذي سيتقلد مسؤولية البابوية بعد رحيل البابا فرنسيس. وفي هذا الإطار، حاورت فرانس24 المونسنيور خالد عكشة، المسؤول السابق في الفاتيكان والمختص في حوار الأديان، حيث كانت فرصة أيضا للخوض معه في التقارب بين الأمم والسلام العالمي والدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية البابوية بهذا الشأن.

بعد رحيل البابا فرنسيس، الذي ووري جثمانه الثرى السبت في جنازة حاشدة حضرها مئات آلاف الأشخاص من إيطاليا وخارجها، تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل الكنيسة الكاثوليكية والإصلاحات التي أطلقها بداخلها.

وبهذا الخصوص، التقت فرانس 24 مع المونسنيور خالد عكشة، وهو أردني يحمل الجنسية الإيطالية أيضا، أمين السر السابق للجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في دائرة الحوار مع الأديان بالفاتيكان، وأجرت معه الحوار التالي. 

فرانس24: مع رحيل البابا، يمكن القول إن مرحلة انتهت لتبدأ مرحلة أخرى. هل الكنيسة الكاثوليكية فعلا أمام مسار جديد؟

خالد عكشة: لقد ترك البابا فرنسيس إرثا كبيرا على الأصعدة الروحية والإنسانية والأخلاقية. وبعض من إرثه الديني مشترك مع الطوائف المسيحية وكذلك الأديان الأخرى. هذا الإرث لنا جميعا، وعلينا الحفاظ عليه.

نؤمن بأن السيد المسيح أسس كنيسته على صخرة بطرس الرسول، لذلك لا خوف عليها من العواصف ومن التغيرات. وكما منحنا الله تعالى في السابق باباوات صالحين، مخلصين ومنفتحين، سيمنحنا أيضا، من خلال اجتماع الكرادلة المغلق (الكونكلاف)، بابا يرعى الكنيسة بحكمة وقوة، ويخدمها والإنسانية جمعاء بمحبة أبوية في هذه المرحلة من التاريخ.

هل يظهر المسؤولون في الكنيسة الكاثوليكية من كرادلة وغيرهم تعاطفا معلنا مع مرشح من المرشحين، أم يبقى الأمر بين الفرد وذاته، لا يبوح به للآخرين أبدا؟

قبل أن أجيب عن هذا السؤال، علي أن أشير إلى مسألة الجمعيات العمومية التي تسبق عقد “الكونكلاف”. يقوم الكرادلة خلالها بتدارس حال الكنيسة في العالم والتحديات التي تواجهها، وكذلك علامات الأمل والرجاء الموجودة في المشهد الحالي.

وهذه التداولات تتيح للكرادلة فرصة للتعرف على بعضهم البعض واختيار الشخص الذين يرونه مناسبا، طالبين من الله العون في هذا الاختيار، إذ يعون جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم. أما عن التوقعات وطرح أسماء مرشحين، فهذا موضوع لا يحق لي التحدث فيه، والأسماء التي طُرحت كانت من قِبل الصحافة، وليس من داخل الكنيسة.

يعني لا يمكن أن نقول إنه توجد حملة لهذا الطرف أو ذاك كما يحدث في الانتخابات السياسية؟

قطعا. لا يوجد ترشيح أو مرشح، ولا حملات ولا لوبيات. وكل ما يقال بهذا الخصوص اجتهادات في معظمها صحفية.

برأيك، هل هناك شخصيات دينية كاثوليكية جديرة بتحمل المسؤولية البابوية؟

كما قلت، الله لن يبخل على كنيسته براع حكيم قدير يقودها.

بمعنى؟

الكفاءات بين الكرادلة كثيرة، وهي من كرم الله تعالى ومن سعي أصحابها. علينا أن نساعد الكرادلة الناخبين بصلواتنا وصمتنا.

في خضم هذه الأسئلة حول البابا المقبل، هل للعرب حظوظ في هذا “السباق”؟

في مجمع الكرادلة هناك كردينالان من البلاد العربية: الكاردينال بشارة بطرس الراعي، بطريرك الكنيسة المارونية، والكاردينال لويس روفائيل ساكو، بطريرك الكنيسة الكلدانية. سوف يشارك الكاردينال ساكو في الكونكلاف، بخلاف البطريرك الراعي، الذي تجاوز الثمانين من عمره المديد.

كل كاردينال، بصرف النظر عن كنيسته أو بلده، يمكن من حيث المبدأ أن يُنتخب، ولكن الأمر مختلف على أرض الواقع بسبب وجود أمور أخرى تُأخذ بالاعتبار كالعمر والصحة والكفاءة والخبرة وغيرها.

هل يمكن أن نجد عربيا أو أفريقيا في المسؤولية البابوية يوما؟

لا مانع مبدئي أن يحصل هذا الأمر.

كانت مهمتك في الفاتيكان هي حوار الأديان. حدثنا عنها؟

كانت مهمتي ضمن دائرة الحوار بين الأديان في قسم الحوار مع المسلمين، حيث كنت أمين سر لجنة العلاقات الدينية مع المسلمين، ومنسق المؤتمرات المشتركة بين الدائرة ومنظمات أو مؤسسات إسلامية تربطها بها علاقات تعاون.

كذلك، مثلت الدائرة في العديد من المؤتمرات والاجتماعات، بالاضافة إلى متابعة الإسلام والعلاقات المسيحية-الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى.

على الصعيد الرسمي، انتهى دوري في نهاية العام الماضي لبلوغ السن القانونية (سبعون عاما)، ولكن التزامي بالحوار مع المسلمين يستمر على الصعيد الشخصي.

ما الذي تحقق خلال مرحلة البابا فرنسيس بخصوص الحوار الديني؟

علي أن أؤكد أن الحوار مع معتنقي الأديان الأخرى هو فرض على كل بابا وكل أسقف وكل كاهن وكل مسيحي. أستعير من عندكم مصطلح شرعي: الكل “مكلف” بالحوار. والباباوات الذين سبقوا البابا فرنسيس التزموا بهذا الحوار.

لدينا على سبيل المثال المبادرة الكبيرة للبابا يوحنا بولس الثاني، عندما دعا زعماء الأديان المختلفة إلى الصلاة من أجل السلام في أسيزي عام 1986، وكذلك البابا بنديكتوس السادس عشر دعا إلى يوم تفكير وحوار وصلاة من أجل السلام في العالم عام 2011 في المدينة عينها.

البابا فرنسيس التزم بهذا الواجب، وبذل جهودا كبيرة تظهر أيضا من خلال رحلاته الرسولية إلى العديد من البلدان العربية والإسلامية أو ذات الأغلبية المسلمة، منها الأردن، فلسطين، مصر، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب، بنغلادش، كازاخستان، وأندونيسيا. وأشير هنا إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها مع فضيلة شيخ الأزهر والتي لها قيمة خاصة، للمقام السامي لقداسته ولأهمية هذه المؤسسة الإسلامية ذات التاريخ العريق.

بحكم تجربتك في مجال حوار الأديان، هل هناك وصفة جاهزة للانتهاء من جميع إشكالات النعرات الدينية وترسيخ حوار حقيقي بشكل قوي وعميق جدا؟

الحوار الحقيقي موجود، ومن شروطه أن يؤسَّس على قواعد شرعية وعلى أسس لاهوتية، وهذا حصل إلى درجة مرضية، ويبقى المجال مفتوحا لمزيد من التعمق. لكن هناك مشكلة مع الحركات الأصولية المتطرفة العنيفة، ومن هنا ضرورة التصدي لهذه الحركات على كل صعيد، بدءا بالمستوى الفكري ثم التربوي والأمني. من الضرورة أن تكون المواقف الدينية من التطرف والتشدد والعنف باسم الدين واضحة من دون أي لُبس، يسعى المتطرفون العنيفون إلى استغلاله لتبرير أعمالهم الشريرة.

يعتقد البعض أن الإصلاحات التي قام بها البابا فرنسيس أدت إلى تشكيل معسكرين في الكنيسة الكاثوليكية. الأول تقدمي والثاني محافظ. ما تعليقك؟ 

لا يوجد معسكران في الكنيسة الكاثوليكية، أحدهما تقدمي والآخر محافظ. لماذا؟ لأن هناك فقط أمانة، والأمانة هي أولا للسيد المسيح ولتعليمه، ومن ثم لـ”علامات الأزمنة”، أي العالم الذي نعيش فيه، بما فيه من أنوار وظلال، من إيجابيات وسلبيات، من فرص وتحديات، من آلام وآمال. الله خاطبنا في السابق بواسطة الوحي، وهو يخاطبنا اليوم من خلال علامات الأزمنة. علينا أن نصالح بين تعليم السيد المسيح والقيم التي علمها وجسدها، وبين مستجدات الحياة وتحدياتها وفرصها.

بمعنى أن الكنيسة قادرة أن تصاحب التطور البشري حاضرا ومستقبلا؟

نعم، اعتمادا على أن السيد المسيح وعد بأنه لن يتخلى عن الكنيسة، ولذلك لن تغلبها قوى الشر. الله يرافق الكنيسة والبشرية بهديه ونعمه وبركاته. بالإرادة الطيبة لرعاتها ومؤمنيها، الكنيسة قادرة على الاستجابة لتحديات التاريخ.

اعتبر البعض أن المرأة كانت غائبة في المشروع الإصلاحي للبابا فرنسيس وركز أكثر على المعوزين والفقراء والمهاجرين. كيف ترد على هؤلاء؟

البابا فرنسيس أولى النساء اهتماما كبيرا، وبرهن على ذلك بتعيين نساء -راهبات وعلمانيات- في مناصب قيادية داخل الفاتيكان.

لماذا هذه الانتقادات؟

قد يكون البعض يرى أن ما أُنجز بهذا الخصوص لم يكن كافيا، ومن الممكن أن انتظاراتهم كانت أكبر مما تحقق.

ربما كانت هذه الانتقادات بشأن مواقفه من الإجهاض؟

لا يمكن بأي حال السكوت عن الإجهاض. فالإجهاض الإرادي هو قتل كما أكد البابا. ولا يمكن أن يوافق أي بابا يوما على ما هذا الأمر.

النزاعات اليوم في العالم اندلعت عموما لأسباب إقليمية وجيواستراتيجية، ولم تكن وراءها نعرات دينية. البابا فرنسيس كان له دور كبير في محاولة إرساء سلام عالمي. هل يمكن أن يتطور الدور أكثر مع بابا جديد، وتنشط الدبلوماسية البابوية بهذا الخصوص؟

السلام بالنسبة لنا وأيضا بالنسبة للديانات الأخرى هو عطية من الله تعالى، وهو أساس العيش المشترك والنمو والازدهار. لا يمكن أن نكتفي بالنداءات من أجل السلام، بل علينا إرساء قواعده، بدءا بترسيخ العدل والمساواة واحترام كرامة الإنسان وحقوقه. من الضروري التخلي عن الحرب كأداة لتحقيق العدل وفض الخلافات، واللجوء إلى الحوار أو الاحتكام إلى القانون الدولي أو الوساطة.

المصدر / فرانس 24

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات 

اترك تعليقاً