الرئيسية / مقالات / هنري كيسنجر عن اوكرانيا ” كيف تنتهي ازمة اوكرانيت

هنري كيسنجر عن اوكرانيا ” كيف تنتهي ازمة اوكرانيت

السيمر / فيينا / الخميس 10 . 03 . 2022  

هنري كيسنجر*

ترجمة: عبد الحميد فحام

في حياتي، رأيت أربع حروب بدأت بحماس كبير وتأييد شعبي كبير، لم نكن نعرف كيف تنتهي، وانسحبنا منها من جانب واحد. إن اختبار السياسة هو كيف تُنهي وليس كيف تبدأ.

ففي كثير من الأحيان يتم طرح القضية الأوكرانية على أنها مواجهة: فيما إذا كانت أوكرانيا ستنضم إلى الشرق أو الغرب.

ولكن إذا كان لأوكرانيا أن تعيش وتزدهر، فلا يجب أن تكون نقطة استيطانية لأي من الجانبين ضد الآخر، بل يجب أن تعمل كجسر للوصل بينهما.

يجب أن تقبل روسيا أن محاولة إجبار أوكرانيا على أن تكون تحت إمرتها، وبالتالي نقل حدود روسيا مرة أخرى، من شأنه أن يحكم على موسكو بتكرار تاريخها من حلقات الضغوط المتبادلة مع أوروبا والولايات المتحدة.

يجب على الغرب أن يفهم أنه بالنسبة لروسيا، لا يمكن لأوكرانيا أن تكون مجرّد دولة أجنبية. بدأ التاريخ الروسي فيما كان يسمى “كييف-روس”.

ومن هناك انتشرت الديانة الروسية. كانت أوكرانيا جزءاً من روسيا لعدة قرون، وكان تاريخها متشابكاً معها قبل ذلك.

وقد خاضت بعض أهم المعارك من أجل الحرية الروسية، بدءاً من معركة “بولتافا” عام 1709، على الأراضي الأوكرانية.

إن أسطول البحر الأسود -وهو وسيلة روسيا لإبراز قوتها في البحر الأبيض المتوسط- يستند إلى عقد إيجار طويل الأجل في “سيفاستوبول”، في شِبه جزيرة القرم.

أي محاولة من جانب أحد أجنحة أوكرانيا للهيمنة على الآخر -كما كان النمط سائداً- ستؤدي في النهاية إلى حرب أهلية أو تفكُّك. إن التعامل مع أوكرانيا كجزء من المواجهة بين الشرق والغرب من شأنه أن يُفسد لعقود أي احتمال لجلب روسيا والغرب -وخاصة روسيا وأوروبا- إلى نظام دولي تعاوني.

أوكرانيا مستقلة منذ 23 عاماً فقط؛ كانت في السابق تحت نوع من الحكم الأجنبي منذ القرن الرابع عشر.

ليس من المستغرب أن قادتها لم يتعلّموا فن إبرام التسويات، ولا حتى من المنظور التاريخي.

توضح سياسات أوكرانيا ما بعد الاستقلال بوضوح أن جذر المشكلة يكمن في الجهود التي يبذلها السياسيون الأوكرانيون لفرض إرادتهم على أجزاء متمردة من البلاد، أولاً من قِبل فصيل ثم من قِبل الآخر.

هذا هو جوهر الصراع بين فيكتور يانوكوفيتش ومنافسته السياسية الرئيسية يوليا تيموشينكو.

إنهما يمثلان جناحَيْ أوكرانيا ولم يكونا على استعداد لتقاسُم السلطة.

إن السياسة الأمريكية الحكيمة تجاه أوكرانيا سوف تسعى إلى إيجاد طريقة يتعاون بها شطرَا البلادِ مع بعضهما بعضاً. ويجب أن نسعى للمصالحة وليس سيطرة فصيل على الآخر.

لم تتصرف روسيا والغرب، وعلى الأقل جميع الفصائل المختلفة في أوكرانيا، وفقاً لهذا المبدأ.

كل واحد جعل الوضع أسوأ. لن تكون روسيا قادرة على فرض حلّ عسكري دون عزل نفسها في وقت تكون فيه العديد من حدودها غير مستقرة بالفعل.

بالنسبة للغرب، فإن شيطنة فلاديمير بوتين ليست سياسة. إنها حجة لغياب سياسة.

يجب أن يدرك بوتين أنه، مهما كانت مظلماته، فإن سياسة الفرضيات العسكرية ستؤدي إلى حرب باردة أخرى.

من جانبها، تحتاج الولايات المتحدة إلى تجنُّب معاملة روسيا على أنها شاذّة حتى يتم تعليمها بصبر قواعد السلوك التي وضعتها واشنطن.

بوتين هو إستراتيجي خطير، بناءً على أساس التاريخ الروسي. ففهم قِيَم الولايات المتحدة وعلم النفس ليس أمراً مناسباً له كما لم يكن فهم التاريخ وعلم النفس الروسييْنِ نقطة قوة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.

يجب على القادة من جميع الأطراف العودة إلى فحص النتائج، وليس التنافس في المواقف.

إليكم مفهومي عن نتيجة متوافقة مع القِيَم والمصالح الأمنية لجميع الأطراف:

*يجب أن يكون لأوكرانيا الحق في أن تختار بحُرّية ارتباطاتها الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك مع أوروبا.

*لا ينبغي أن تنضم أوكرانيا إلى الناتو، وهو الموقف الذي اتخذتُه قبل سبع سنوات، عندما تم طرحه آخِر مرة.

*يجب أن تكون أوكرانيا حُرّة في إنشاء أي حكومة تتوافق مع الإرادة المعلنة لشعبها.

سيختار القادة الأوكرانيون الحكماء سياسة المصالحة بين مختلف أجزاء بلدهم.

على الصعيد الدولي، يجب عليهم اتباع وضع مماثل لوضع فنلندا.

لا تترك تلك الأمة أدنى شك في استقلالها الشرس وتتعاون مع الغرب في معظم المجالات، لكنها تتجنب بحرص العداء المؤسسي تجاه روسيا.

يتعارض ضمّ روسيا لشِبه جزيرة القرم مع قواعد النظام العالمي الحالي.

لكن ينبغي أن يكون من الممكن وضع علاقة شبيهة بجزيرة القرم مع أوكرانيا على أساس أقلّ تشدداً.

ولهذه الغاية، ستعترف روسيا بسيادة أوكرانيا على شِبه جزيرة القرم.

يتعين على أوكرانيا تعزيز الحكم الذاتي لشِبه جزيرة القرم في الانتخابات التي تجري بحضور مراقبين دوليين.

ستشمل العملية إزالة أي غموض حول وضع أسطول البحر الأسود في “سيفاستوبول”.

هذه مبادئو ليست وَصَفاتٍ، وسيعرف الأشخاص المُطّلعون على المنطقة أنها لن تكون كلها مقبولة لجميع الأطراف. فالاختبار ليس الرضا المطلق بل عدم الرضا المتوازن.

إذا لم يتم التوصّل إلى حلّ قائم على هذه العناصر أو العناصر المماثلة، فسوف يتسارع الانجراف نحو المواجهة. وسيأتي وقت ذلك قريباً بما فيه الكفاية.

*وزير الخارجية الامريكي السابق

المصدر: نيوز-داي

اترك تعليقاً