السيمر / فيينا / الأحد 11 . 06 . 2023
مصطفى منيغ / المغرب
استَيقظَت ذاك الصباح ومَسْحَة من الشحوب تغطي في استحياءٍ وَجْنَتَيْهَا لتبدو قلقة بعض الشيء متوترة في الغالِب ، تركتُ عيناي تستفسران بدل نطق لساني فجاءني الرَّد هزني ممَّا كنتُ فيه من استرخاء لأتمكَّن بحيوية ونشاط ركوب ذاك القارِب ، المُعدّ ليرحلَ بي إلى عالم السعادة الهادئ المناخ بدل أن يرسو حيث الجوّ الهادر برياحه العاتية متقلِّب . كلما لمحتُ البهلولية على غير عادتها اجتاحتني فكرة الابتعاد ما أمكن عن سماع سؤال لحرِّيتي سالِب . لكن منظرها وما ترتديه من قُمَاشٍ مُلَمَّعٍ مُبَهْرَجٍ فاخرٍ شفَّاف يُبقيني كقارئ كتاب إحدى صفحاته بما نقِشَ قيها من جمال التَّعبير تُوقِف زمن الانتباه لاستيعاب ما وراء التمعن المفرط ذاك من نشوة رغبة متجدِّدة تلقائياً تُشْعِرُ صاحبها أنَّ الحياةَ مكتملة بوجود ما أرَى يُضاف إليه ما أتخيَّله دون مللٍ أو عياء لا يزيغان عن حقي الطبيعي لأحِبَّ مَن أحببت بهذه الدرجة من الاطمئنان الروحي ورضا الضمير وليس لأي كان مِن خلالها لدم وجهي حَالِب ، اقتربَت في امتدادها لأضع رأسي أو جانبه الأيمن فوق صدرها لتدلني بما يطرق مَسمعي من نبضات قلبها المزدادة سرعة كلما حضرت مثل المناسبة المنتهية ولا شك بابتعادي عنها مُرْغما كما أفهمتني لأسعفها بترديد جمل رغم فصرها كافية لضحط كل تخوُّف جرَّها لما يريد من يأس “سيكون الحب الرابط بيننا بالرباط المقدس عند مبارزة أعدائه العادلة كغيرها هو الغالِب” .
… قبل مغادرتها البيت صوب المطار لاستقبال وافدٍ مهم قادمٍ من الديار الاسبانية تمَّت دعوته من طرف والدها ليخضر الحفل (المَصيدة ) المُقام على شرفي ببيت العائلة الكبير الكائن في مدينة بروكسيل ، أحضرت بأمر غريب المُجسَّم فيها لقب “حبي الصغير” لتبلغني على انفراد ما عجزت القيام به شخصيا حفاظاً على توازن في تبادل التَحَلِّي بالشجاعة في مواجهة صعوبات جمَّة تتربص لنا وبنا معاً قبل آخر خطوات امتزاج مصيرنا الثنائي مُتخذاً الشَّكل غير قابل بالمرَّة للانفصام أو الانفصال أو الانقسام .
… دون ضياعٍ للوقت متربِّعة على ما أرادت تسخيرها كعواطف جياشة تعيدنى لمعايشة مرحلة جميلة بالفعل قضيتها في مدينة القصر الكبير حينما كانت قصرا كبيرا تولَّد عنها قهراً للأسف الشديد ما جعلها الآن تتخبط تخبط قرية منعدمة من أي اهتمام وكأن السلطات العليا لا زالت غاضبة عليها منذ الخطاب التاريخي الذي ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني واصفا إيَّاها بمدينة الأوباش .
…قالت لي المتروكة معي بصوت ضغطت على نبراته ما سبَّبته الدموع المتحجِّرة داخل مقلتيها مِن حزن دفين لا يُقارَن : أنا متيقِّنة تماماً أن البهلولية تحبكَ حُباً لن يتكرَّر في حياتك أبداً، ومع هذا الحب العظيم تخشَى عليك بطش اليهود الكارهين لك ، المحاولين بأكثر من طريقة إبعادك عن ابنتهم حتى لا تُؤثر على منصبها الرفيع داخل وخارج إسرائيل ، من هذه الطرق أن تختفي من تلقاء نفسك لأنك غير مؤهَّل للاستمرار على ذات الحال ومهما حاولت بعصيانك لأمرهم هذا ستجلب صوبك مشاكل جد عويصة تتضَمَّن القضاء عليك مهما كان مقامك أو اتِّجاهك ، فارحم شخصك واستجب للمطلوب ما دام الوقت لا زال في صالحك لتجد مَن يساعدك بما قد يوفر لك مبلغا ماليا محترما أو الحصول حلى وصية تعثر بواسطتها على عمل يتناسب وإمكاناتك الفكرية وطموحاتك المهنية في أي ولاية من ولايات أمريكا . لقد أحضروا إليك ، من مدينة مدريد العاصمة الاسبانية ، عالم له حُظوة مرموقة في إسرائيل ، في اسبانيا مجرَّد تاجرٍ باستثمار بسيط وفي الدولة العبرية يُعَدّ من العلماء الكبار لا ادري كغيري (على نفس المستوى) في أي تخَصُّص ، محيطه كتحرُّكه مجهول ، لكن الشيء المتفق عليه هنا وبيننا أنه يتمتع بنفوذ يجعل كلمته جد مسموعة واقتراحاته لها اعتبار ما يجعلها محل اهتمام بالغ ، جاء ليقف أمامك عساك تنهار بجفاف الريق في حنجرتك وتتمنَّى أي فرصة تضع حيالك منفذاً للخروج من المعمعة سليم العقل والبدن ، لذا قررت البهلولية وأنا معها أن نحرجك من هذا الموقف الصعب بوضع خطة خارج إخلاصنا للمهنة تخدم الذي أحببناه معا واعتبرناه أحدنا في السراء والضراء ، عِلماً أنها المرّة الأولى التي لا نٌقدِّر ما تملكه إسرائيل من حق علينا ونتشبث بإنقاذ أعز الناس لنا ، بعد هذا الكلام العميق التأثير أجهزت بالبكاء المعبرة به عن صدق نواياها ووفائها لمرحلة الطفولة التي قضينا جزءا منها بين سيدي “بلعباس” وحارة “الملاح” ومدرسة سيدي “أبو أحمد” بالمدينة المجاهدة القصر الكبير .