السيمر / فيينا / الأربعاء 09 . 08 . 2023
د. عبد علي سفيح
قامت فلسفة ورؤية نظام الحكم والدولة عند العرب منذ ظهور الدعوة الاسلامية، والتي قامت ككيان سياسي في جميع مجالاتها، واداراتها، وحروبها، وصلاتها بغيرها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، قامت على أساس مفهوم الأمة.
مفهوم الأمة عند العرب المسلمين، مفهوم سياسي وعقائدي، وهو محور نظرية وشرعية الحكم عند العرب المسلمين منذ بداية الدعوة الاسلامية وليومنا هذا. وهو مفهوم يتجاوز الخصوصيات الطبيعية التي تميز بين الناس من لون، أو لغة، أو عرق، أو اقليم. كذلك أعطي مفهوم الفرقة الناجية، أو دين الحق، مما جعلت سلطة التاريخ تتحكم في حاضر العرب ليومنا هذا.
لا يوجد دين من الأديان البشرية، تأسست دعوته على مفهوم الأمة، مثل الدين الاسلامي. فنجد البوذية تأسست على تحرير الروح الفردية للتخلص من المعاناة، أي دعوة تخص الفرد. أما اليهودية، تأسست الدعوة على أساس تأسيس دولة مبنية على فكرة الأرض الموعودة (اسرائيل). أما المسيحية، أسست الدعوة على أساس مجيء المنقذ وهو المسيح ليحطم طغيان الشر وبموته يحرر الناس من الخطايا، فأعطت مفهوم الرب هو المحبة والغفران. هذا يفسر لنا سبب الصراع الاسلامي اليهودي على أنه صراع الأمكنة، أما الصراع الاسلامي المسيحي على أنه صراع الأفكار وهذا أقل خطرا من الصراع اليهودي. ولتوضيح جوهر فكرة فلسفة نظام الحكم عندالعرب المسلمين، سوف أبين المراحل المختلفة لتطور النظام السياسي المبني على مفهوم الأمة عند العرب المسلمين:
1.حقبة الدعوة المحمدية: في هذه المرحلة، لم يكن آنذاك قد تاسس نظام سياسي راسخ عند عرب الجزيرة لأن ليس للعرب سبق في هذا المجال. أسس الرسول(ص)، نظاما على أساس خير أمة أخرجت للناس، تجمع ثنائية الدين والدولة المبنية على عقد اجتماعي، وأعتبر كل من التزم بهذا العقد، هو جزء من هذه الأمة، عربي أو أعجمي، يهودي أو مسيحي أو مسلم، ؛حر أم عبد، رجل أم امرأة.
2.حقبة الخلفاء الراشدين: بعد أن وضع الرسول محمد(ص) مفهوم الأمة، حاول الخلفاء بعد الرسول اعطاء نظام سياسي لهذه الأمة. وبما أن العرب لا عهد لهم بذلك ولم يورثوا تقاليد سياسية راسخة مثل الفرس والروم، فما عليهم الا أن يختاروا احدى الأنظمة السياسية السائدة آنذاك وهي نظام الامبراطورية الفارسية، أو نظام الامبراطورية الرومانية. اختار الخلفاء الراشدين النظام السياسي الروماني غير الوراثي، والذي يجسد ثنائية الدين والدولة، وأساس الحكم فيه باعطائهم شرعية السلطة التشريعية والتنفيذية بيد طبقة من النبلاء والأشراف. فعرف الخلفاء الراشدون هذه الطبقة من الأمة التي لها شرعية الحكم وطاعة الأمة لها، هم العرب من قبيلة قريش، ولهذا أستبعد الأنصار من شرعية الحكم.
3.الحقبة الأموية: بعد أن عرف الرسول(ص) مفهوم الأمة، وحدد الخلفاء الراشدين المفهوم السياسي للأمة وهم العرب ومن قريش، لقد حدد الأمويين وعلى يد معاوية بن أبي سفيان، شرعية الأسرة الحاكمة وهم بنو أمية. أي الشرعية للعربي من قبيلة قريش ومن أسرة آل أمية. فتبنى معاوية النظام السياسي الفارسي الوراثي لأنه وجد أن النظام الروماني أدى الى اغتيال ثلاثة خلفاء مع اندلاع حرب أهلية بين العرب المسلمين لم يسبق لها مثيل.
تطور المفهوم السياسي لنظام الحكم في العهد الأموي، على مبدأ الدولة الدنيوية، لها عاصمة مركزية يحكمها الخليفة، ولها نظام أقاليم يحكمها الولاة، ونظام مالي يدار من قبل العامل. وفي سنوات حكم الخليفة عبد الملك بن مروان ، وضع نظاما ماليا وعسكري وقضائيا عام 685م، وهو أول من سك عملة الدينار من الذهب، والدرهم من الفضة.
4.الحقبة العباسية: تميزت هذه الحقبة بانقسام الأمة الاسلامية الى أمتين: الأولى في بغداد تحت حكم أسرة بني عباس، والثانية في الأندلس تحت حكم أسرة بني أمية. الأسرتين احترمت المفهوم السياسي للأمة وشرعية الحكم وهم العرب من قبيلة قريش.
تميز العباسيون عن الأمويين بأنهم أعطوا لمفهوم الأمة وجود أكثر سياسيا. فلن يسمح بنو أمية لغير العرب الاجتهاد في الدين، على عكس بني العباس أطلقوا المذاهب والاجتهاد لغير العرب اعتقادا منهم بأن تجانس الأمة الاسلامية يأتي عن طريق علماء الشريعة وحرية الفكر.
خلاصة القول: ان النظرية السياسية للحكم عند العرب المسلمين لازالت مبنية على مفهوم الأمة. وبتحديد هذا المفهوم أعطى العرب الشرعية والطاعة لمن يحكمهم. وحدد هذا المفهوم عبر المراحل المختلفة من تاريخ الاسلام. ففي عهد الرسول(ص) حدد مفهوم الأمة كنظام اجتماعي يشمل العرب والعجم والمسلم وأهل الكتاب، والحر والعبد، والمرأة والرجل. لكن هذا المفهوم تغير عبر مراحل تطور النظام السياسي للدولة الاسلامية فحدد أولا من قبل الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من الخلفاء الأمويين والعباسيين، وحدد المفهوم بأنهم العرب ومن قبيلة قريش لهم شرعية حكم الأمة. بعدها الأمويين أضافوا الأسرة من بني أمية، اما العباسيون استبدلوا بني أمية ببني العباس، ومن جاء من بعدهم من الفاطميون والعلويون والزيديون، استبدلوا الأسرة بآل البيت.
نجد هذه الفلسفة هي الشائعة في العالم العربي عند تأسيس الدولة الحديثة في بداية القرن العشرين. شرعية حكم العراق(( الملك فيصل)) والأردن(( الملك حسين)) والمغرب(( الملك محمد الخامس)) ومصر(( الملك فؤاد)) واليمن(( الامام الزيدي)) وليبيا(( السنوسي))، وفلسطين(( أمين الحسيني)) شرعيتهم في حكم الأمة حسب ادعائهم تأتي من انتسابهم لأهل البيت أي الى بني هاشم.
العجيب، حتى في ايران، النظام السياسي الحالي وفلسفة الدولة وولاية الفقيه مبني على هذا الثلاثي( اصول عربية، من قريش، ومن عائلة أهل بيت النبوة). وهذا يفسر قرب ايران للعرب، لأنها الأمة الوحيدة التي قبلت الاسلام العربي وغيرت حروفها ولغتها ومعظم المفسرين والمؤرخين وفلاسفة الاسلام هم من بلاد فارس.