الرئيسية / مقالات / التنمية المستدامة” إيران، العراق، مجلس التعاون الخليجي”

التنمية المستدامة” إيران، العراق، مجلس التعاون الخليجي”

السيمر / فيينا / الخميس 21 . 12 . 2023

د.عبد علي سفيح

لماذا لم تحقق كل من ايران والعراق مراكز عالمية في مؤشر الرخاء والازدهار مثل دول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من امتلاكهما موارد طبيعية هائلة من البترول والغاز ووفرة المياه وسعة الأراضي الخصبة، وتضم اعدادا كبيرة من النخب العلمية والثقافية ، وتجربة حكم وبناء الدولة الحديثة؟
في هذا المقال أود أن اخاطب المنطق والفكر وليس استثارة العواطف والحكم المسبق.
تحول إهتمام  العالم منذ عقود الى مفهوم التنمية المستدامة التي تحقق التوازن بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، مع الأخذ  في الاعتبار التوازن بين احتياجات الجيل الحالي والاجيال المتعاقبة. ولتحقيق  ذلك يتطلب تطبيق قواعد الحكم الرشيد في مؤشرات التنمية المستدامة لأنها  تعد صمام أمان  لزيادة ومكانة الإقتصاد  بشكل عام. تطبيق الحكم الرشيد لم يعد مسألة  طوعية بل ضرورة لتلبية مصالح جميع الأطراف  ذات العلاقة في الوطن، لأنه  يعزز عملية الانسجام والعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي، ويتيح  المجال للإبداع، وتوفير مستوى من الشرعية في المجتمع المحلي. وهذا هو سر تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي مراكز جيدة في مؤشر الرخاء والازدهار العالمي وفق آخر  بيانات معهد ” ليغاتوم” Legatum Institute البريطاني لأنها تملك الرؤى المستقبلية  على عكس دول نفطية أخرى ومنها ايران والعراق.
تأسس  مجلس التعاون الخليجي عام 1981، بعد ما وجدت هذه الدول النفط مورد عشوائي غير مضمون الادامة، وللتغلب على هذه الشكوك ، اتجهت دول الخليج نحو موارد أخرى بحيث تتيح بعائدات النفط إطلاق  استثمارات ضخمة محلية وعالمية لضمان إدخال الموارد الأساسية  للحياة العامة وفي الوقت نفسه لضمان مستقبل الاجيال القادمة. ولتحقيق هذا المشروع الكبير لإدارة  الدولة، قامت دول مجلس التعاون الخليجي بتأسيس  صناديق سيادية للاستثمار( اسهم، سندات، عقارات، شركات ومشاريع كبرى)، وضع فيها رأس  مال ما يعادل اليوم 3700 مليار دولار  أمريكي، وهذه الصناديق سمحت لدول الخليج أن تملك 4 من أكبر  15 صندوق سيادي في العالم، وأن تكون شريك استراتيجي لدول عالمية كبيرة مثل أميركا وكندا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا والصين والهند.
يظهر استطلاع أجرته  صحيفة اللوموند Le monde الفرنسية عن قياس صعود الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي في الإقتصاد  الأوربي  لاستحواذها  على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، وقد زادت من 50 مليار دولار عام 2007 الى 3700 مليار عام 2023، وتمتلك  هذه الصناديق حوالي 5.3% من رأس  المال ل8000 من أكبر  الشركات العالمية المدرجة في البورصة العالمية. وتعد أرباح  هذه الصناديق حوالي 6% سنويا اي ما يعادل 222 مليار دولار سنويا أرباح  فقط.
ايران والعراق: لا تملك اليوم ايران صندوق سيادي حقيقي أو صندوق الاجيال، علما ان الرئيس السابق خاتمي أسس عام 2000 صندوق التنمية الوطني الإيراني  وكان الهدف منه خلق فرص عمل للداخل، وللاسثمار  الخارجي وذلك لضمان جزء من عائدات النفط للأجيال  القادمة، مخصصا  خمس عائدات  النفط أي  20% لهذا الصندوق مع زيادة سنوية تعادل 2% وكان رصيد هذا الصندوق في حينه يتجاوز 3.5 مليار دولار،  وفي 2015 بلغ رصيده 61 مليار دولار، وبسبب العقوبات الدولية على ايران اصبح الصندوق الوطني للتنمية بصورة اساسية كمصدر للريع الاقتصادي وفرغ من هدفه الأساسي.
إما  العراق،فقد كان يملك صندوق سيادي للاسثمار وكان أول  صندوق في الشرق الأوسط  عام 1953 عند تأسيس  مجلس الأعمار الا أنه  ألغي عام 1958.
خلال حكم رئيس الوزراء الكاظمي، سعى العراق قبل 4 سنوات الى تأسيس  صندوق الأجيال  وهو صندوق سيادي لمواجهة نضوب النفط، يمول من فائض الموازنة المالية بهدف منع الانهيار الاقتصادي وذلك بوضع نسبة 3% سنويا من عائدات النفط أي ما تعادل التعويضات التي كان يدفعها العراق للكويت. ليومنا هذا لم يتخذ البرلمان العراقي أي  إجراء  في تحقيق هذا المشروع، وبقى العراق يملك صندوق استثمار AFC دفع للمستثمرين عوائد مالية من خلال مشاريع بناء البنية التحتية.
قد نكون غير منصفين وواقعيين  بمقارنة العراق وايران بإمارة صغيرة مثل قطر أو الكويت،  وتلجأ  الدول الى تأسيس  الصناديق الاستثمارية حين يكون لديها فائض مالي لاستثماره في الأسواق  العالمية وحين تكون طاقة الإقتصاد  الوطني لا تتحمل استيعاب كميات كبيرة من ضخ الأموال  فيه والا تسبب بارتفاع التضخم ما يعرف بالمرض الهولندي  Dutch Disease.
هذا السؤال لا غبار عليه، لكن الواقع يؤكد بأن  الازدهار يتبع كذلك السياسة الحكيمة والواعية بحركة العالم الذي نعيش فيه.
لتوضيح جوهر الفكرة المراد نقلها للقاريء الكريم، ممكن عمل مقارنة أكثر شمولية عن طريق الناتج القومي المحلي السنوي.
1.سنغافورة: مساحتها 710كم مربع وعدد سكانها 6 مليون نسمة وليس لديها نفط ولا غاز، استخدمت الدولة سياسة دفعت سكان سنغافورة الى الانفتاح الاقتصادي والتجارة الحرة، واصبحت سنغافورة من أفضل  دول العالم في المطارات والموانيء. وصل ناتجها المحلي الى 400 مليار دولار، وللفرد  80 الف دولار سنويا، ولديها صندوق سيادي للتنمية رصيده 764مليار دولار.
2.كوريا الجنوبية مساحتها( 100000كم مربع) أقل بقليل من مساحة كوريا الشمالية، وتعداد سكانها(51 مليون) ضعف تعداد سكان كوريا الشمالية، وناتجها القومي المحلي السنوي( 1530 مليار دولار) أي  مايعادل 38 مرة أكثر من كوريا الشمالية التي ناتجها 40 مليار دولار.
3.تايوان جزيرة صغيرة ومهددة من قبل الصين مساحتها 36  الف كيلومتر مربع وتعداد سكانها 24 مليون نسمة، وناتجها القومي المحلي  762 مليار دولار أي أقل بقليل من الناتج المحلي لإيران(388 مليار دولار) مضافا اليه الناتج القومي المحلي للعراق(440 مليار دولار).
4.الناتج القومي المحلي السنوي لدول مجلس التعاون الخليجي يساوي 2200 مليار دولار أي 3 أضعاف  الناتج المحلي السنوي لإيران  والعراق واليمن ولبنان.
5.سويسرا بلد صغير ناتجه المحلي(807 مليار دولار) يعادل الناتج المحلي لإيران  والعراق.
السؤال هو: كيف استطاعت هذه الدول أو الإمارات الصغيرة من أن  تكون رائدة في الإنتاج  والابداع وأن  يكون معدل الدخل الفردي السنوي من أعلى المعدلات في العالم؟
الجواب هو الإدارة  الحكيمة والواعية بحركة العالم.

اترك تعليقاً