أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 4)

مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 4)

فيينا / الأثنين 27 . 05 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف

تكملة للحلقات السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن العرش “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ” ﴿السجدة 4﴾ الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لحكمة يعلمها، وهو قادر أن يخلقها بكلمة “كن” فتكون، ثم استوى سبحانه وتعالى أي علا وارتفع على عرشه استواء يليق بجلاله، لا يكيَّف، ولا يشبَّه باستواء المخلوقين. ليس لكم أيها الناس من وليٍّ يلي أموركم، أو شفيع يشفع لكم عند الله؛ لتنجوا من عذابه، أفلا تتعظون وتتفكرون أيها الناس، فتُفردوا الله بالألوهية وتُخلصوا له العبادة؟. قوله جل جلاله “وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” ﴿الزمر 75﴾ وترىأيها النبي الملائكة محيطين بعرش الرحمن، ينزهون ربهم عن كل ما لا يليق به، وقضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق بالحق والعدل، فأسكن أهل الإيمان الجنة، وأهل الكفر النار، وقيل: الحمد لله رب العالمين على ما قضى به بين أهل الجنة وأهل النار، حَمْدَ فضل وإحسان، وحَمْدَ عدل وحكمة.. قوله سبحانه “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ” ﴿غافر 7﴾ الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حول العرش ممن يحف به منهم، ينزِّهون الله عن كل نقص، ويحمَدونه بما هو أهل له، ويؤمنون به حق الإيمان، ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين، قائلين: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا، فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي، وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام، وجَنِّبْهم عذاب النار وأهوالها. قوله تبارك وتعالى “اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” ﴿النمل 26﴾ حسَّن لهم الشيطان ذلك؛ لئلا يسجدوا لله الذي يُخرج المخبوء المستور في السموات والأرض من المطر والنبات وغير ذلك، ويعلم ما تُسرُّون وما تظهرون. الله الذي لا معبود يستحق العبادة سواه، رب العرش العظيم.

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ” (يوسف 100) أي: رفعهما على سرير ملكه إعظاما لهما والعرش السرير الرفيع عن ابن عباس والحسن وقتادة “وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا” (يوسف 100) أي: انحطوا على وجوههم وكانت تحية الناس بعضهم لبعض يومئذ السجود والانحناء والتكفير عن قتادة ولم يكونوا نهوا عن السجود لغير الله في شريعتهم فأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام وهي تحية أهل الجنة عجلها لهم. قوله تعالى “الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” (الفرقان 59) اختلف في تأويله فقيل إن المعنى فاسأل عنه خبيرا والباء بمعنى عن والخبير هاهنا هوالله تعالى. وقيل: إن الخبير هنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعنى ليسأل كل منكم عن الله تعالى محمدا فإنه الخبير العارف به قيل إن الباء على أصلها والمعنى فاسأل بسؤالك أيها الإنسان خبيرا يخبرك بالحق في صفته ودل قوله “فاسأل” على السؤال كما قالت العرب من كذب كان شرا له أي كان الكذب شرا له ودل عليه كذب وقد مر ذكر أمثاله وقيل إن الباء فيه مثل الباء في قولك لقيت بفلان ليثا إذا وصفت شجاعته ولقيت به غيثا إذا وصفت سماحته والمعنى أنك إذا رأيته رأيت الشيء المشبه به والمعنى فاسأله عنه فإنه لخبير به وروي أن اليهود حكوا عن ابتداء خلق الأشياء بخلاف ما أخبر الله تعالى عنه فقال سبحانه “فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا” (الفرقان 59) قال نفطويه أي سلني عنه فإنك تسأل بسؤالك خبيرا.

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “قُلْ لَو كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا” (الاسراء 42) وَبالرغم مِن أنَّ جملة “إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا” (الاسراء 42) تفيد أنّهم لابدّ أن يجدوا طريقاً يؤدي بهم إِلى صاحب العرش، وَلكن طبيعة الكلام توضح بأنَّ الهدف هو العثور على سبيل للإنتصار عليه (على ذي العرش) خاصّة وأنَّ كلمة (ذي العرش) التي استخدمت بدلا مِن «الله» تُشير إِلى هَذا الموضوع وَتؤكّده. إذ تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش وحكومة عالم الوجود، لذلك فإنّهم سيحاولون منازلة ذي العرش. وَمِن الطبيعي هُنا أنَّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها، لذا فإنَّ وجود عدّة آلهة يؤدي إِلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود. هُنا قد يقال: إن مِن الممكن تصوّر وجود عِدَّة آلهة يحكمون العالم من خلال التعاون والتنسيق فيما بينهم، لذلك فليس ثمّة مِن سبب للتنازع بينهم؟ في الإجابة على هذا السؤال نقول: بصرف النظر عن أنَّ كل موجود يسعى نحو توسيع قدرته بشكل طبيعي، وَبصرف النظر أيضاً عن الآلهة التي يعتقد بها المشركون تحمل العديد من الصفات البشرية، والتي تعتبر أوضحها جميعاً هي الرغبة في السيطرة والحكم وتوسيع نطاق القدرة… بغض النظر عن كلِّ ذلك نقول: إِنَّ اللازمة الضرورية لِتعدُّد الوجود هي الإختلاف، وَحيثُ لا يوجد اختلاف بين وجودين اطلاقاً، فلا معنى لوجود التعدُّد. وَنظير هَذا البحث وَرد في الآية (22) من سورة الأنبياء حيث قوله تعالى “لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا” (الانبياء 22). وَمَنعاً للإِلتباس ينبغي أن نقول: هناك اختلاف بين الدليلين بالرغم مِن التشابه بينهما: الأوّل يدلّ على فساد العالم ونَظام الوجود بسبب تعدُّد الآلهة. أمّا الثّاني فيتحدّث بغض النظر عن النظم في عالم الوجود عن حالة التنازع والتمانع التي سوف تقوم بين الآلهة المتعدّدة.

تكملة للحلقتين السابقتين جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني:  2 ـ العرش: هو الفلك التاسع أو فلك الافلاك في الهيئة البطلميوسيّة فقد كان بطلميوس يفسّر العالم في الكرات الأربعة ( الماء والتراب والنار والهواء ) ثمّ الأفلاك التسعة وكل فلك يحمل سيارة إلى الفلك السابع، والثوابت في الفلك الثامن ثمّ الفلك التاسع وهو أطلس لا نجم فيه، ويوصف بمحدّد الجهات وليس بعده خلأ ولا ملأ وهو العرش عند بعضهم، ونقل العلاّمة المجلسي عن المحقّق الداماد في بعض تعليقاته أنّه قال: العرش: هو فلك الأفلاك. وهذا القول لا يحتاج إلى النقد بعد وضوح بطلان أصل النظريّة حيث هدّم العلم الحديث أركان هذه النظرية وأصبحت من مخلّفات الدهر. 3 ـ إنّ العرش والاستيلاء عليه كناية عن إحاطته بعالم الوجود وصحيفة الكون تشبيهاً للمعقول بالمحسوس، فإنّ الملوك إذا جلسوا على عروشهم واستقرّوا عليها وحولهم وزرائهم وعمّالهم، أخذوا بتدبير اُمور البلد بإصدار الأوامر والنواهي وبالإرشادات والتوجيهات المناسبة، فشبّه استيلاءه سبحانه على عالم الكون. وصحيفة الوجود وتدبيره من دون أن يطرأ عليه نصب ولا تعب باستيلاء الملوك على عروشهم على النحو الذي وصفناه. وعلى هذا المعنى ليس للعرش واقعيّة سوى المعنى الكنائي وهو السلطة على العالم والاستيلاء على الوجود كلّه، فتكون النتيجة إنّ للاستيلاء حقيقة تكوينيّة دون العرش. ويمكن تأييد ذلك بأنّ العرش ربّما يطلق على الملك والسلطة وإن لم يكن هناك سرير كسرير الملوك. قال الشاعر: إذا ما بنو مروان ثلّت عروشهم * وأودت عمّا أودت أياد وحمير. قال الجوهري: ثلّ الله عرشهم أي هدم ملكهم، ويقال للقوم إذا ذهب عزّهم قد ثلّ عرشهم. وقال آخر: أظننت عرشك لا يزول ولا يغيّر. وقال آخر: قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق. وهذا المعنى متحقق بمجرد تحقّق السلطة وإن لم يكن هناك سرير وراءه. وعلى الجملة: فهذه النظرية تبتني على كون العرش أمراً اعتبارياً والاستيلاء أمراً حقيقياً. يجب أن يكون للعرش حقيقة كالاستيلاء وذلك لاُمور: أ ـ لو كان العرش أمراً اعتبارياً فلماذا وصفه بكونه عظيماً وقال سبحانه “وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ” (المؤمنون 86). بناءً على أنّ العظيم وصفاً للعرش دون الربّ والظاهر أنّ توصيفه بالعظيم توصيف أمر واقعي بأمر واقعي لا توصيف أمر اعتباري بمثله. ب ـ إنّه سبحانه يذكر للعرش حملة ويقول “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ” (غافر 7). ج ـ إنّه سبحانه يذكر حملة العرش يوم القيامة وإنّهم ثمانية ويقول سبحانه “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ” (الحاقة 17). والظاهر أنّ مرجع ذلك القول إلى الرابع الذي نذكره، أو هما قول واحد.

جاء عن مركز الأبحاث العقائدية: السؤال: ما صحة هذا الحديث ومعناه ؟ الاعتقادات (للصدوق): فأما العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحملته ثمانية من الملائكة، لكل واحد منهم ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا: واحد منهم على صورة بني آدم، فهو يسترزق الله تعالى لولد آدم. واحد منهم على صورة الثور، يسترزق الله للبهائم كلها، وواحد منهم على صورة الأسد، يسترزق الله تعالى للسباع، وواحد منهم على صورة الديك، فهو يسترزق الله للطيور. فهم اليوم هؤلاء الأربعة، فإذا كان يوم القيامة صاروا ثمانية. وأما العرش الذي هو العلم، فحملته أربعة من الأولين، وأربعة من الآخرين. فأما الأربعة من الأولين: فنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. وأما الأربعة من الآخرين: فمحمد، وعلي، والحسن، والحسين، صلى الله عليهم،. هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمة  عليهم السلام  في العرش وحملته. وإنما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم لأن الأنبياء الذين كانوا قبل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كانوا على شرائع الأربعة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن قبل هؤلاء صارت العلوم إليهم، وكذلك صار العلم من بعد محمد وعلي والحسن والحسين عليهما السلام إلى من بعد الحسين من الأئمة عليهم السلام. الجواب: هذا الكلام المنقول هو كلام الشيخ الصدوق وبهذا لا يحتاج إلى بحث سندي فهو ليس برواية عن المعصوم. نعم، يمكن ان يكون كلامه مستفاداً من روايات بهذا المضمون فلا بد عندها من البحث عن سند تلك الروايات إن وصلت إلينا. ومعنى هذا الكلام: أن أشكال الملائكة نحن لا نعلمها على حقيقتها ولعل الإمام يريد تقريب الصورة فيصفها بصورة مقاربة للصورة التي عليها الملك. وفي بحار الأنوار ج 55 ص 8 قال: فأما الوصف للعلم بالعرش فهو في مجاز اللغة دون حقيقتها، ولا وجه لتأول قوله تعالى “الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ استَوَى” (طه 5) بمعنى أنه احتوى على العلم، وإنما الوجه في ذلك ما قدمناه، والأحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد، وروايات أفراد، لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها، والوجه الوقوف عندها، والقطع على أن العرش في الأصل هو المُلـك، والعرش المحمول جزء من المُلـك تعبد الله بحمله الملائكة على ما قدمناه.

اترك تعليقاً