الرئيسية / مقالات / مفاهيم قرآنية (من الجنة والناس)

مفاهيم قرآنية (من الجنة والناس)

فيينا / الثلاثاء 02 . 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) من حرف جر،الْجِنَّةِ: الْ اداة تعريف، جِنَّةِ اسم، النَّاسِ: ال اداة تعريف، نَّاسِ اسم. مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ: من شيطان الجن ومن شيطان الإنس. من شياطين الجن والإنس. قوله عز وجل “إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ﴿هود 119﴾ الجِنة: الجنّ، سموا بذلك لاستتارهم عن العيون. قوله عز من قائل “وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ﴿السجدة 13﴾ ولو شئنا لآتينا هؤلاء المشركين بالله رشدهم وتوفيقهم للإيمان، ولكن حق القول مني ووجب لأملأنَّ جهنم من أهل الكفر والمعاصي، من الجِنَّة والناس أجمعين؛ وذلك لاختيارهم الضلالة على الهدى. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) بيان للشيطان الموسوس أنه جني وإنسي، كقوله تعالى: “شياطين الإنس والجن” أو من الجنة بيان له والناس عطف على الوسواس وعلى كل يشتمل شر لبيد وبناته المذكورين، واعترض الأول بأن الناس لا يوسوس في صدورهم الناس إنما يوسوس في صدورهم الجن، وأجيب بأن الناس يوسوسون أيضاً بمعنى يليق بهم في الظاهر ثم تصل وسوستهم إلى القلب وتثبت فيه بالطريق المؤدي إلى ذلك والله تعالى أعلم. قوله عز من قائل “وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ﴿السجدة 13﴾ “ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها” فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها، “ولكن حق القول مني” وهو “لأملأنَّ جهنم من الجِنة” الجن “والناس أجمعين” وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها.
جاء في معاني القرآن الكريم: جنن أصل الجن: ستر الشيء عن الحاسة يقال: جنة الليل وأجنة وجن عليه، فجنه: ستره، وأجنه جعل له ما يجنه، كقولك: قبرته وأقبرته، وسقيته وأسقيته، وجن عليه كذا: ستر عليه، قال عز وجل: “فلما جن عليه الليل رأى كوكبا” (الأنعام 76)، والجنان: القلب، لكونه مستورا عن الحاسة، والمجن والمجنة: الترس الذي يجن صاحبه. قال عز وجل: “اتخذوا أيمانهم جنة” (المجادلة 16)، وفي الحديث: (الصوم جنة) (الحديث يروى: (الصيام جنة) وهو صحيح متفق عليه. وأخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير الحوالك 1/287؛ وفتح الباري 4/87؛ ومسلم رقم (1151) ؛ وانظر: شرح السنة للبغوى 6/225). أنس الإنس: خلاف الجن، والأنس: خلاف النفور، والإنسي منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكل ما يؤنس به، ولهذا قيل: إنسي الدابة للجانب الذي يلي الراكب (الغريب المصنف ورقة 73، مخطوطة تركيا)، وإنسي القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) كما يقال نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن والإنس وعلى هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان على ما مضى وفي وسواس الإنس وجهان (أحدهما) أنه وسوسة الإنسان من نفسه (والثاني) إغواء من يغويه من الناس ويدل عليه قوله “شياطين الإنس والجن” فشيطان الجن يوسوس وشيطان الإنس يأتي علانية ويرى أنه ينصح وقصده الشر.  قال مجاهد: الخناس الشيطان إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) (إن الشيطان واضح خطمة على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وقيل الخناس) معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين وقال إبراهيم التيمي أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء وقيل إن معنى قوله “يوسوس في صدور الناس” يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه والمراد أن له رفقاء به يوصل الوسواس إلى المصدر وهو أقرب من خلوصه بنفسه إلى صدره وفي هذا إشارة إلى أن الضرر يلحق من جهة هؤلاء وأنهم قادرون على ذلك ولولاه لما حسن الأمر بالاستعاذة منهم وفيه دلالة على أنه لا ضرر ممن يتعوذ به وإنما الضرر كله ممن يتعوذ منه ولوكان سبحانه خالقا للقبائح لكان الضرر كله منه جل وعز وفيه إشارة أيضا إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم ولولا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم ولما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإله الغني عن الخلق فإن من احتاج إلى غيره لا يكون إلها ومن كان غنيا عالما لغناه لا يختار فعل القبيح ولهذا حسنت الاستعاذة به من شر غيره. وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا قرأت قل أعوذ برب الفلق فقل في نفسك أعوذ برب الفلق وإذا قرأت قل أعوذ برب الناس قل في نفسك أعوذ برب الناس وروى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيها الملك وأذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك وهو قوله سبحانه “وأيدهم بروح منه”).
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) بيان للوسواس الخناس وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى: “شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ” (الأنعام  112). وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عزت قدرته “الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ” (الناس 5-6). ظاهر الآية يدل بوضوح ان الموسوس إليه نوع واحد، وهم الناس فقط، أما الذي يوحي بالوسوسة فنوعان: أحدهما من الجن والآخر من الإنس، ووسوسة إنسيّ لإنسيّ مثله أن يزين له الجريمة ويغريه بها، وهذا واضح وكثير، أما كيف يوسوس جنيّ لإنسيّ فاللَّه أعلم.. وقد يكون المراد بوسوسة الجن للإنس حديث النفس الذي ينبع من داخلها لا من أقوال الآخرين.. وأيا كان مصدر الوسوسة فإن على العبد أن يلجأ إلى ربه ويعتصم به وحده من كل شر سواء أكان من نفسه أم من غيره.
وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) زيادة بيان للذي يوسوس في صدور الناس، وأن الوسوسة بالسوء تأتى من نوعين من المخلوقات: تأتى من الشياطين المعبر عنهم بالجنّة وتأتى من الناس. وقدم سبحانه الجنّة على الناس، لأنهم هم أصل الوسواس، إذ أنهم مختفون عنا، ولا نراهم، كما قال تعالى: “إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ” فلفظ الجنّة بكسر الجيم مأخوذ من الجنّ بفتح الجيم على معنى الخفاء والاستتار. والمعنى: قل أيها الرسول الكريم أعوذ وأعتصم وأستجير، برب الناس، ومالكهم ومعبودهم الحق، من شر الشيطان الموسوس بالشر، والذي يخنس ويتأخر ويندحر، إذا ما تيقظ له الإنسان، واستعان عليه بذكر الله تعالى. والذي من صفاته أيضا أنه يوسوس في صدور الناس بالسوء والفحشاء، حيث يلقى فيها خفية، ما يضلها عن طريق الهدى والرشاد. وهذا الوسواس الخناس، قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس، فعليك أيها الرسول الكريم أن تستعيذ بالله تعالى من شر النوعين جميعا. قال تعالى: “وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ * يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً” قال قتادة: إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين، فنعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. قوله جل جلاله “لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ﴿السجدة 13﴾ أى من الجن وسموا بذلك لاستتارهم عن الأنظار. ومن النَّاسِ أَجْمَعِينَ بسبب فسوقهم عن أمرنا، وتكذيبهم لرسلنا. فالمقصود من الآية الكريمة بيان أن قدرة الله تعالى لا يعجزها شيء، إلا أن حكمته سبحانه قد اقتضت أن الذين سبق في علمه أنهم يؤثرون الضلالة على الهداية، لسوء استعدادهم، يكون مصيرهم إلى النار، وأما الذين آثروا الهداية على الضلالة لنقاء نفوسهم، وكمال استعدادهم، فيكون مصيرهم إلى جنة عرضها السموات والأرض. كما أن حكمته سبحانه قد اقتضت أن يميز الإنسان على غيره، بأن يجعل له طبيعة خاصة يملك معها اختيار طريق الهدى أو طريق الضلال. كما قال تعالى “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً”.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عزت قدرته “مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ” (الناس 6) تنبيه على حقيقة هامّة هي إن (الوسواس الخناس) لا ينحصر وجوده في مجموعة معينة، ولا في فئة خاصّة، بل هو موجود في الجن والإنس…في كل جماعة وفي كل ملبس، فلابدّ من الحذر منه أينما كان، والإِستعاذة بالله منه في كل أشكاله وصوره. اصدقاء السوء، والجلساء المنحرفون، وأئمة الظلم والضلال، والولاة الجبابرة الطواغيت، والكتاب والخطباء الفاسدون، والمدارس الإِلحادية والإِلتقاطية المخادعة، ووسائل الإعلام المزوّرة الملفّقة، كلها هي وأمثالها تندرج ضمن المفهوم الواسع للوسواس الخناس وتتطلب من الإَنسان أن يستعيذ بالله منها.

اترك تعليقاً