فيينا / الأربعاء 10 . 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جلت قدرته “أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ” (آل عمران 49) “و” يجعله “رسولا إلى بنى إسرائيل” في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم إني رسول الله إليكم، “إني” أي بأني “قد جئتكم بآية” علامة على صدقي “من ربكم” هي “أنِّي” وفي قراءة بالكسر استئنافا “أخلق” أصوِّر “لكم من الطين كهيئة الطير” مثل صورته فالكاف اسم مفعول “فأنفخ فيه” الضمير للكاف “فيكون طيرا” وفي قراءة طائرا “بإذن الله” بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا، “وأبرئ” أشفي “الأكمه” الذي وُلد أعمى، “والأبرص” وخصا بالذكر لأنهما ذا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان، “وأحيي الموتى بإذن الله” كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم، وسام بن نوح ومات في الحال، “وأنبئكم بما تأكلون وما تدَّخرون” تخبئون “في بيوتكم” مما لم أعانيه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل وبما يأكل بعد، “إن في ذلك” المذكور “لآية لكم إن كنتم مؤمنين”.. قوله عز من قائل “وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا” (المائدة 110) اذكر “إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك” بشكرها “إذ أيَّدتك” قويتك “بروح القدس” جبريل، “تكلِّم الناس” حال من الكاف في أيدتك “في المهد” أي طفلا “وكهلا” يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق آل عمران، “وإذ علَّمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة” كصورة “الطير” والكافُ اسم بمعنى مثل مفعول “بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني” بإرادتي، “وتُبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموت” من قبورهم أحياء “بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك” حين هموا بقتلك “إذ جئتهم بالبيانات” المعجزات “فقال الذين كفروا منهم إن” ما “هذا” الذي جئت به “إلا سحر مبين” وفي قراءة ساحر أي عيسى. قوله جل جلاله “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا” (الإسراء 61) “و” اذكر “إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم” سجود تحية بالانحناء “فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا” نصب بنزع الخافض أي من طين. قوله عز وعلا “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ” (القصص 38) “وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين” فاطبخ لي الآجر “فاجعل لي صرحا” قصرا عاليا “لعلى أطلع إلى إله موسى” أنظر إليه وأقف عليه، “وإني لأظنه من الكاذبين” في ادعائه إلها آخر وأنه رسوله.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل “فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ” ﴿الصافات 11﴾ خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال “فاستفتهم” أي فاسألهم يا محمد سؤال تقرير “أ هم أشد خلقا” أي أحكم صنعا “أم من خلقنا” قبلهم من الأمم الماضية والقرون السالفة يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالعذاب وقيل أ هم أشد خلقا أم من خلقنا من الملائكة والسماوات والأرض وغلب ما يعقل على ما لا يعقل “إنا خلقناهم من طين لازب” معناه أنهم إن قالوا نحن أشد فأعلمهم أن الله خلقهم من طين فكيف صاروا أشد قوة منهم والمراد أن آدم خلقه الله من طين وأن هؤلاء نسله وذريته فكأنهم منه وقال ابن عباس اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد. قوله تبارك وتعالى “لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ” ﴿الذاريات 33﴾ هذا مفسر في سورة هود “للمسرفين” أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها وقيل أرسلت الحجارة على الغائبين وقلبت القرية بالحاضرين “فأخرجنا من كان فيها” أي في قرى قوم لوط “من المؤمنين”.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” ﴿الأنعام 2﴾ يشير إلى خلقه العالم الإنساني الصغير بعد الإشارة إلى خلق العالم الكبير فيبين أن الله سبحانه هو الذي خلق الإنسان ودبر أمره بضرب الأجل لبقائه الدنيوي ظاهرا فهو محدود الوجود بين الطين الذي بدأ منه خلق نوعه وإن كان بقاء نسله جاريا على سنة الازدواج والوقاع كما قال تعالى: “وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ” (السجدة 7-8). وبين الأجل المقضي الذي يقارن الموت كما قال تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ” (العنكبوت 57) ومن الممكن أن يراد بالأجل ما يقارن الرجوع إلى الله سبحانه بالبعث فإن القرآن الكريم كأنه يعد الحياة البرزخية من الدنيا كما يفيده ظاهر قوله تعالى: “قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ، قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” (المؤمنون 114)، وقال أيضا: “وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ، ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ، وقال الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” (الروم 56). قوله جل جلاله “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ” ﴿السجدة 7﴾ المراد بالإنسان النوع فالمبدو خلقه من طين هو النوع الذي ينتهي أفراده إلى من خلق من طين من غير تناسل من أب وأم كآدم وزوجه عليهما السلام، والدليل على ذلك قوله بعده: “ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين” فالنسل الولادة بانفصال المولود عن الوالدين والمقابلة بين بدء الخلق وبين النسل لا يلائم كون المراد ببدء الخلق بدء خلق الإنسان المخلوق من ماء مهين، ولوكان المراد ذلك لكان حق الكلام أن يقال: ثم جعله سلالة من ماء مهين فافهمه.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ” ﴿الأنعام 2﴾ صحيح أنّنا ولدنا من أبوينا، لا من الطين، ولكن بما أنّ خلق الإنسان الأوّل كان من الطين، فيصح أن نخاطب نحن أيضا على أننا مخلوقين من الطين. وتستمر السورة فتشير إلى مراحل تكامل عمر الإنسان فتقول: إنّ الله بعد ذلك عين مدّة يقضها الإنسان على هذه الأرض للنمو والتكامل: “ثُمَّ قَضى أَجَلاً”. (الأجل) في الأصل بمعنى (المدّة المعينة) و (قضاء الأجل) يعني تعيين تلك المدّة أو إنهاءها، ولكن كثيرا ما يطلق على الفرصة الأخيرة اسم (الأجل)، فتقول، مثلا: جاء أجل الدّين، أي أنّ آخر موعد التسديد الدّين قد حل. ومن هنا أيضا يكون التعبير عن آخر لحظة من لحظات عمر الإنسان بالأجل لأنّها موعد حلول الموت. قوله سبحانه “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” ﴿الأعراف 12﴾ وكأن إبليس كان يتصوّر أنّ النّار أفضل من التراب، وهذه هي أكبر غلطاته وأخطائه، ولعلّه لم يقل ذلك عن خطأ والتباس، بل كذب عن وعي وفهم، لأنّنا نعلم أنّ التراب مصدر أنواع البركات، ومنبع جميع المواد الحياتية، وأهم وسيلة لمواصلة الموجودات الحية حياتها، على حين أن الأمر بالنسبة إلى النّار ليس على هذا الشكل. صحيح أنّ النّار أحد عوامل التجزئة والتركيب في الكائنات الموجودة في هذا الكون، ولكن الدور الأصلي والأساسي هو للمواد الموجودة في التراب، وتعدّ النّار وسيلة لتكميلها فقط. وصحيح أيضا أنّ الكرة الأرضية انفصلت ـ في بداية أمرها ـ عن الشمس، وكانت على هيئة كرة نارية فبردت تدريجا، ولكن يجب أن نعلم أن الأرض ما دامت مشتعلة، وحارة لم يكن عليها أي كائن حيّ، وإنّما ظهرت الحياة على سطح هذا الكرة عندما حلّ التراب والطين محل النّار. هذا مضافا إلى أنّ أية نار ظهرت على سطح الأرض كان مصدرها مواد مستفادة من التراب، ثمّ إنّ التراب مصدر نموّ الأشجار، والأشجار مصدر ظهور النّار، وحتى المواد النفطية أو الدهون القابلة للاشتعال والاحتراق تعود أيضا إلى التراب أو إلى الحيوانات التي تتغذى من المواد النباتية. على أنّ ميزة الإنسان بغض النظر عن كل هذه الأمور لم تكن في كونه من التراب، بل إنّ ميزته الأصلية تكمن في (الروح الإنسانية) وفي خلافته لله تعالى. على فرض أنّ مادة الشيطان الأصلية كانت أفضل من مادة الإنسان، فإن ذلك لا يعني تسويغ عدم السجود للإنسان الذي خلق بتلك الروح، ووهبه الله تلك العظمة، وجعله خليفة له على الأرض. والظاهر أنّ الشيطان كان يعرف بكل هذه الأمور، ولكن التكبر، والأنانية هما اللذان منعاه عن امتثال أمر الله، وكان ما أتى به من العذر حجة داحضة، ومحض تحجج وتعلّل.