فيينا / الجمعة 26. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
وردت كلمة النعيم في عدد من الآيات القرآنية “لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم” (المائدة 65)، و “تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم” (يونس 9)، و “فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم” (الحج 56)، و “الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم” (لقمان 8)، و”في جنات النعيم” (الصافات 43) (الواقعة 12)، و “ان للمتقين عند ربهم جنات النعيم” (القلم 34)، و “واجعلني من ورثة جنة النعيم” (الشعراء 85). حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (النعيم) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومغنية ومكارم الشيرازي.
نعمة في القرآن إنما هي لنعم الدنيا على اختلاف أنواعها كقوله تعالى: “وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ” (البقرة 211) وقوله تعالى: “وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ”. (آل عمران 103). بينما (النعيم) فتأتي خاصة بنعيم الآخرة كقوله تعالى: “أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ” (المعارج 38) وقوله تعالى: “تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (يونس 9).
عن تفسير الميسر عن النعيم: قال الله تعالى “فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿الواقعة 12﴾ والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة، أولئك هم المقربون عند الله، يُدْخلهم ربهم في جنات النعيم. قوله جل جلاله “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿القلم 34﴾ جنات اسم، النَّعِيمِ: ال اداة تعريف، نَّعِيمِ اسم. إن الذين اتقوا عقاب الله بفعل ما أمرهم به وتَرْك ما نهاهم عنه، لهم عند ربهم في الآخرة جنات فيها النعيم المقيم.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن النعيم: قال الله تعالى “فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿الواقعة 12﴾ لئلا يتوهم متوهم أن التقريب يخرجهم إلى دار أخرى فأعلم سبحانه أنهم مقربون من كرامة الله في الجنة لأن الجنة درجات ومنازل بعضها أرفع من بعض وقد قيل في السابقين إنهم السابقون إلى الإيمان عن مقاتل وعكرمة وقيل السابقون إلى الهجرة عن ابن عباس وقيل إلى الصلوات الخمس عن علي عليه السلام وقيل إلى الجهاد عن الضحاك وقيل إلى التوبة وأعمال البر عن سعيد بن جبير وقيل إلى كل ما دعا الله إليه عن ابن كيسان وهذا أولى لأنه يعم الجميع وكان عروة بن الزبير يقول تقدموا تقدموا وعن أبي جعفر عليه السلام قال السابقون أربعة ابن آدم المقتول وسابق في أمة موسى عليه السلام وهو مؤمن آل فرعون وسابق في أمة عيسى عليه السلام وهو حبيب النجار والسابق في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم علي ابن أبي طالب عليه السلام. قوله جل جلاله “إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿القلم 34﴾ لما ذكر سبحانه ما أعده بالآخرة للكافرين عقبه بذكر ما أعده للمتقين فقال “إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم” يتنعمون فيها ويختارونها على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة والعناء.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن النعيم وله جل جلاله “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿يونس 9﴾ وقد وصف المؤمنين بالإيمان والأعمال الصالحة ثم نسب هدايتهم إليه إلى الإيمان وحده فإن الإيمان هوالذي يصعد بالعبد إلى مقام القرب، وليس للعمل الصالح إلا إعانة الإيمان وإسعاده في عمله كما قال تعالى: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” (المجادلة 11) حيث ذكر للرفع الإيمان والعلم وسكت عن العمل الصالح، وأوضحه منه في الدلالة قوله تعالى: “إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه” (فاطر 10). هذا في الهداية التي هي شأن الإيمان، وأما نعم الجنة فإن للعمل الصالح دخلا فيها كما أن للعمل الطالح دخلا في أنواع العذاب وقد ذكر تعالى في المؤمنين قوله: “تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم” كما ذكر في الكافرين قوله: “أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”. وليتنبه الباحث المتدبر أنه تعالى ذكر لهؤلاء المهتدين بإيمانهم من مسكن القرب جنات النعيم، ومن نعيمها الأنهار التي تجري من تحتهم فيها، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: “صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ” (الفاتحة 7) وقوله: “فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ” (النساء 69) أن النعيم بحقيقة معناه في القرآن الكريم هوالولاية الإلهية، وقد خص الله أولياءه المقربين بنوع من شراب الجنة اعتنى به في حقهم كما قال: “إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا” (الانسان 6)، وقال أيضا “إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ” إلى أن قال “يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ” إلى أن قال “عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ” (المطففين 28)، وعليك بالتدبر في الآيات وتطبيق بعضها على بعض حتى ينجلي لك بعض ما أودعه الله سبحانه في كلامه من الأسرار اللطيفة.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن النعيم قوله عز اسمه “الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿الحج 56﴾ “الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ” وحده، فلا قاض أو أمير، ولا سلطان يحابي أو وزير يداري كما هو الشأن في هذه الحياة “يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ” أي بين الكافرين والمؤمنين “فَالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ”. لهؤلاء خزي ونيران، ولأولئك روح وريحان. وتقدم مثله أكثر من مرة. قوله جل اسمه “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ” ﴿لقمان 8﴾ لمّا بيّن سبحانه جزاء من أعرض عن آياته وانه عذاب أليم بيّن جزاء من آمن وعمل بها وانه جنات النعيم “خالِدِينَ فِيها” ولهم ما يشتهون “وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا” لأنه واقع لا محالة “وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” عزيز بقدرته التي لا تغلب، حكيم بتدبيره الذي لا ينكره إلا جاهل أو مكابر. قوله سبحانه “فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” ﴿الصافات 43﴾ قيل: ان ملذات الجنة كلها روحية، لا شائبة فيها لمادة أو جنس، وان ذكر الحور والفاكهة والكأس هو مجرد رمز وإشارة بلذة الجسم إلى لذة الروح، وان السرر كناية عن الدرجات والمراتب.