السيمر / فيينا / الجمعة 11 . 12 . 2020 —- هناك مقولة شهيرة تنقل عن الطبيب والفيلسوف الايراني ابن سينا وهي ان “نصرة الحق شرف و نصرة الباطل سرف”. ما يستنبط من هذه المقولة هو انه يجب على الشخص قول الحق دائماً وعدم السكوت عنه لأي أمر من الأمور، لأنّه بالسكوت قد يظلم أحداً من الناس ويُلحق به الضرر، فبقول الحقيقة نخلي مسؤوليتنا أمام الله تعالى والعكس صحيح .
ابان الازمة التي اندلعت بين جمهوريتي اذربيجان وارمينيا بشأن منطقة قرة باغ تطرق قائد الثورة الاسلامية في ايران اية الله السيد علي خامنئي في احدى خطاباته الى هذه الازمة مشددا على ضرورة انهاء هذه الحرب بسرعة، وعودة الاراضي المحتلة لاصحابها، محذرا في نفس الوقت من ان استمرار الحرب يقوض امن المنطقة.
ما صرح به قائد الثورة الاسلامية كان ينبع من قناعته المبدئية حيال رفض الاحتلال بشكل عام من قبل اي جهة بمنأى عن كونه يتعارض مع الاعراف والقوانين الدولية . واذا وضعنا هذا التصريح الى جانب تصريحات المسؤولين الايرانيين الداعية الى مد يد الصداقة لكافة دول الجوار، وتسوية القضايا الخلافية عبر الحوار ، سنصل الى نتيجة مفادها ان هذا المبدأ هو عقيدة ثابتة تنتهجها الجمهورية الاسلامية الايرانية على كافة الصعد .
في مقابل هذه الرؤية المبدئية الايرانية ، هناك اطراف اقليمية ( تركيا ) يرى البعض انها تحاول اثارة التوترات والنزاعات او استمرار تأججها خدمة لمصالحها التي يرى البعض انها تعود لاحياء امجادها السابقة ان كانت ، او ضمان حصولها على الطاقة التي هي بامس الحاجة لها ( واردات الطاقة بلغت أكثر من 40 مليار دولار عام 2018 ) وهذا هو سر تدخلها المباشر في النزاعات التي تحدث او اقحام نفسها فيها مثل شمال العراق وسوريا الغنيتين بالنفط فضلا عن ليبيا الغنية عن التعريف . وهناك من المحللين من يرى بان التدخل العسكري التركي اما بشكل مباشر او غير مباشر عبر ايفاد مرتزقتها الى مناطق النزاع ، يأتي بهدف تسويق الشيء الوحيد التي يمكنها ان تصدره للخارج وهو السلاح والعتاد . وهناك راي آخر وهو الاقوى يعود الى ان اقحام تركيا في كل هذه الازمات ياتي في اطار حرف الراي العام عن المشاكل الداخلية التي تعاني منها . فاقتصاديا، تعاني تركيا من أزمة اقتصادية طاحنة حيث ان الاقتصاد التركي يعاني من عدم اتزان مزمن بين الصادرات والواردات بشكل خاص ( الرصيد السلبي كان 76.8 مليار دولار عام 2017، و55 مليار دولار عام 2018 ) وهو ما يهدد بانهيار كامل للاقتصاد في سياق الأزمة العالمية، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات اجتماعية وسياسية، خاصة وأن المجتمع التركي منقسم بالفعل، وقد تخطت تركيا عدة محاولات انقلاب بالفعل .
لا يختلف اثنان بان الدور التركي في المناطق آنفة الذكر ان لم يكن قد ادّى الى تأجيج النزاع فانه لم يكن ايجابيا ايضا . ولكن يبدو ان الطموحات او المخططات لم تنته بعد ، حيث ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اثار لغطا آخر في خطابه الذي القاء في العرض العسكري الذي اقيم في اذربيجان التي يزورها للمشاركة في احتفالات النصر على ارمينيا . اردوغان استهل خطابه بقراءة مقتطفات من شعر آراز (ارس) بهذا المضمون : فصلوا نهر ارس وملأوه بالقضبان والحجر / انا لن انفصل عنك ، فصلونا قسرا .
ايران وكما هو ديدنها ردت بحكمة على تصريح اردوغان التدخلي وذلك على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي غرّد قائلا : “ألم يُخبر أحد أردوغان أن القصيدة التي أخطأ في قراءتها في باكو كانت عن الفصل القسري بين مناطق شمال (نهر) أرس وموطنها الأصلي إيران ! ألم يفهم أنه تحدث ضد استقلال جمهورية أذربيجان؟” لا أحد يستطيع الحديث عن اذربيجان العزيزة (في ايران)” .”
الوزير ظريف كان يشير في تغرديته هذه الى حادثة تاريخية ادت الى انفصال اجزاء من اراضي ايران في اطار معاهدة “تركمانجاي” التي وقعت بين الامبراطورية الروسية والدولة القاجارية عام 1826، وهي الان جزء من اراضي جمهوريات اذربيجان وارمينيا وتركيا .
الوزير ظريف حاول وأد هذه الفتنة في مهدها بتنويهه الى هذه الحادثة التاريخية وتاكيده بأنه لا يمكن لاي احد الحديث عن اذربيجان العزيزة في ايران ، وهو ما يعني انه لو كان يجب اعادة ارض الى البلد الأم حاليا ولو على سبيل الجدل ، فتلك لن تكون اذربيجان ايران والعاقل تكفيه الاشارة .
وما يكشف عن ان ايران كانت على معرفة بما يتم التخطيط له عبر ازمة قره باغ والاحلام الطورانية والبانطورانية ، هو تاكيد كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الايرانيين ، بان اي تغيير في جغرافيا حدود المنطقة هو خط احمر بالنسبة للجمهورية الاسلامية الايرانية ، والجميع يعرف ان المسؤولين الايرانيين لاسيما العسكريين منهم اذا وعدوا فهم عند وعدهم ولا يهابون من أي جهة مهما كانت و”عين الاسد” شاهد على ذلك ، “فَهَلْ مِن مُّدَّكِر”.
المصدر / العالم