الرئيسية / مقالات / دستور المواطنة يحقق الشعور بالمساواة

دستور المواطنة يحقق الشعور بالمساواة

السيمر / فيينا / الخميس 27 . 05 . 2021 

د. ماجد احمد الزاملي

على الرغم من قصور مفهوم المواطنة على أبناء أثينا من الرجال واستثناء الفئات الأخرى وعلى الرغم من عدم تغطية مفهوم المواطنة لبعض الجوانب مثل المساواة الاجتماعية مثلاً، فقد تحققت المساواة السياسية على قاعدة المواطنة بين من تم اعتبارهم مواطنين حسب مفهوم المواطنة الأثينية، بمعنى أن المواطنين جميعاً كانت لهم الحقوق والواجبات السياسية نفسها، والمساواة في تولي الوظائف العامة، ولم تكن هذه الحقوق مجرد حقوقاً نظرية بل كانت مطبقة بالفعل على ارض الواقع ولم تكن الوظائف السياسية وقفاً على أصحاب الثروات ومالكين الأراضي، وأصحاب ألمكانه الاجتماعية، فقد كانت حقاً لأبسط مواطن أثيني وعلى الرغم من توفر المساواة السياسية إلا أن المساواة الاجتماعية لم تكن متوفرة بين جميع المواطنين في المجتمع الأثيني القديم، فكانت هناك طبقات متفاوتة في المجتمع اليوناني هذا بالإضافة إلى وجود طبقة العبيد على الرغم من أنه لم يكن هناك عزل اجتماعي بين الأحرار والعبيد. وفي العقد الاجتماعي ( عام1762 م) يربط جان جاك روسو المفهوم بمعنى السيادة والطاعة للنفس أولا، التحرر من دور الرعية وتمتع الأفراد بالحكم الذاتي. هذا التعريف وأطروحات روسو سيفتحا المجال إلى محاولة ربط التقاليد الجمهورية بالتعاقدية الحديثة وهو يشير بالبنان إلى المشكلة الرئيسية التي تطرحها ثنائية الحرية والمساواة. بتعبير آخر، حالة التناقض بين الموارد العامة والمصالح الخاصة. ويمكن القول بوجود اتجاه عام عند العديد من المفكرين والسياسيين في القرن الثامن عشر إلى عدم اعتبار المواطنة حقاً طبيعياً، ولكن بنفس الوقت عدم اعتبارها ضد الطبيعة. فيما يختصره البعض باعتبارها طبيعة ثانية. ومع الثورة الفرنسية جرى تحميل المفهوم شحنة مثالية أساسية تنطلق من اعتبار حامل الحقوق المدنية والسياسية العنصر المكون للأمة: ارتبط المفهوم بالجمهورية باعتبار أن الهوية الجماعية التي تتشكل من مجموع المواطنين وحدها تملك السيادة داخل الدولة.والمواطنة كلمة تتسع للعديد من المفاهيم والتعريفات فالمواطنة في اللغة مأخوذة من الوطن وهو محل الإقامة والحماية ‏,‏ ففيما قبل الدولة الحديثة كان تعريف الوطن هو تلك المساحة من الأرض التي تقيم فيها جماعة من البشر يكونون قبيلة أو جماعة عرقية أو دينية‏.
‏ تعيش العديد من دول العالم وشعوبها حالة التنوع الديني والقومي والطائفي ، وقد شكل هذا التنوع عبئا على بعض الدول فوصل الامر الى حالة من الصراع الاثني الذي ذهب ضحيته الالاف من الضحايا، وقد أوصل بعضها الى حالة الانقسام ، كما حدث في القارة الهندية او في يوغسلافيا ومناطق اخرى من العالم. لصياغة الدساتير بشكل ديمقراطي، يتم عادة تشكيل جمعية تأسيسية يتم انتخابها بشكل مباشر من قبل الشعب لهذه الغاية، وبالتالي تصبح هذه الجمعية مفوضة من قبل الشعب ومسؤولة أمامه في هذه المهمة الموكلة إليها، أو يتم تكليف “لجنة دستورية” لتقوم بصياغة الدستور، ثم يتم الاستفتاء على الدستور من الشعب، وفي هذه الحالة تنشأ إشكالية تتعلق بشرعية الجهة أو الجهات التي تقوم بتكليف هذه اللجنة وبكيفية اختيار أعضائها، والأسلوب الأكثر مقبولية في هذه الحالة هو قيام القوى السياسية الفاعلة على الأرض بالتشاور، إذ ليس من المقبول أن تقوم السلطة التنفيذية أو التشريعية القائمة بمهمة التكليف هذه، لأنها هي نفسها تُعدّ من منتجات الحالة الدستورية السابقة، التي أصبح من الضروري تعديلها، نتيجة عدم كفايتها، وبالتالي تصبح عملية التكليف هذه من قبل السلطات القائمة حاملة لمخاطر نقل عدم الكفاية إلى الدستور الجديد، المفروض فيه تجاوز حالة نقص الكفاية تلك، وهذه الحال تتعلق بالنظم السياسية المستقرة، أما في حال الخلاف أو النزاع، فلا تعود السلطات القائمة متمتعة بالشرعية الكافية للقيام بمثل هذا التكليف من الأساس، وبالإضافة إلى ما تقدم يمكن إجراء انتخابات تشريعية، يتم فيها انتخاب مجلس نواب جديد، ويقوم هو بدوره بتشكيل لجنة دستورية، ومن حسنات هذه الطريقة أنها تحل الخلافات التي يمكن أن تنشأ بين الأحزاب حول مشكلة مستوى التمثيل الشعبي، لكن من سيئاتها أنها تنعكس فيها سلبيات المرحلة السابقة على المرحلة الجديدة عبر عملية الانتخاب.
باعتبار أن الدستور هو الذي يوحد الدولة لذلك يجب اختيار لجنة من خبراء القانون الدستوري تضم مختصين بالشؤون الدستورية والقانونية من العراقيين ، يتم اختيارهم من قبل المنظمة الدولية دون العودة إلى استشارة أو موافقة الكيانات السياسية المساهمة في الحكم حالياً لضمان حياديتهم, بعد تهيئة التعبئة الشعبية للدستور، القائم على أسس المواطنة، ويعرض على الاستفتاء العام . الاستفتاء يصار إلى البدء في عملية التغيير وفق الخطوط العامة التي رسمها الدستور في كافة مجالات الحياة السياسية، الاجتماعية والاقتصادية.
ويعتمد مفهوم المواطنة عند الفيلسوف جان جاك روسو علي دعامتين أساسيتين, يمكن تحديدهما فيما يلي:
– المشاركة الإيجابية من جانب الفرد في عملية الحكم، وقد وصل تأكيد روسو علي أهمية هذا المبدأ حد أن ذهب إلي “أنه بمجرد أن ينصرف الناس عن الاهتمام الإيجابي بشئون الدولة أو إذا حيل بينهم وبين هذه المشاركة الإيجابية، يكون الوقت قد حان لاعتبار الدولة في حكم المفقودة”.
– المساواة الكاملة بين أبناء المجتمع الواحد كلهم، فعدم المساواة “يدمر الخير الطبيعي في الإنسان ويجلب الشقاء علي الكثيرين ويجعل المجتمع في حالة تنافر متزايدة ويفقده وحدته بل ومبرر وجودة”.
المشكلة هنا ليست في التنوع بحد ذاته ، اذ يمكن ان لايعد واقعا سلبيا وعامل ضعف في الواقع المجتمعي لو تمت ادارته بحكمة وانسانية من خلال التأسيس لمبدأ المواطنة الذي يتساوى من خلالها الجميع في الحقوق والواجبات ، فتتحقق المشاركة السياسية والثقافية والاقتصادية للجميع بغض النظر عن انتمائهم. وقد عاشت الدول بسلام وقوة وتقدم في ظل التنوع الذي اصبح حالة ايجابية ومصدر قوة في حياة تلك الدول كما في الولايات المتحدة الاميركية.
التعايش ليس موقفا سلبيا سكونيا ، بل هو عملية تفاعل وقبول اجتماعي واعتراف متبادل بين الانواع الاجتماعية والثقافية والدينية والطائفية خارج أُطر النبذ الاجتماعي او الاقصاء السياسي والحرمان الاقتصادي. وهو رؤية لبناء الحاضر والتأسيس للمستقبل برؤية انسانية يشترك فيها الجميع دون استفراد او استحواذ، واحترام الخصوصية لكل جماعة دون تقديم تنازلات عن هذه الخصوصية للطرف الاخر ، بل ايجاد قاعدة مشتركة ومنطقة وسط يلتقي الجميع عليها لبناء الواقع ومغادرة ماهو قائم من عدوانية او تعصب.
تحديد وتنظيم العلاقة بين فروع السلطة الثلاث، وبين الدولة والشعب والفرد، وبين الأكثرية والأقلية. وتسعى كل الدساتير الحديثة لتحقيق توازن كافٍ في هذه الميادين، بحيث تمنع تغوّل السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وتمنع تغول الدولة على الشعب والفرد، وتغول الأكثرية على الأقلية، فتضع الدساتير القواعد الرئيسية الناظمة والضابطة لعمل السلطات الثلاث، بحيث تمارس كل سلطة وظائفها التخصصية باستقلالية ومن دون تدخل من السلطات الأخرى، ولكن بشكل يتكافأ ويتكامل فيه عمل السلطات الثلاث، وتكون فيه كل سلطة من هذه السلطات خاضعة للقوانين، وخاضعة لرقابة السلطتين الأخريين بموجب هذه القوانين، التي يجب أن تكون من حيث المبدأ مُصاغة بشكل يحقق التوازن ويضمن الكفاءة في عمل تلك السلطات، كما تضع الدساتير الضوابط لآلية عمل الدولة وعلاقتها مع المواطنين، بحيث لا تسمح بحدوث أية انتهاكات أو اعتداءات على حقوق وحريات الإنسان، كما تنظم وتضبط العلاقات بين الأكثرية والأقلية أيضًا، بشكل يحمي حقوق وحريات الإنسان، وبما يحقق مبدأ المساواة بين جميع المواطنين على أساس إنسانيتهم ومواطنيتهم.

اترك تعليقاً