الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / دفن لينين: عود على بدء

دفن لينين: عود على بدء

السيمر / فيينا / الأحد 21 . 11 . 2021  —— من جديد يعود موضوع دفن جثمان مؤسس الدولة السوفييتية فلاديمير لينين إلى الأضواء، ويحتدم النقاش في المجتمع الروسي إزاء ملابسات هذا الموضوع المعقد.

وكانت مذيعة قناة “روسيا-24” التلفزيونية قد لفتت انتباه رئيس قسم العلاقات الخارجية في البطريركية الروسية المتروبوليت هيلاريون، في مقابلة معه قبل بضعة أيام (13/11/2021)، إلى أن النقاش إزاء موضوع دفن لينين ينتشر بين ممثلي جيل الشباب، وهو أمر لم يكن ملحوظا سابقا، وطلبت من المتروبوليت التعليق على الرأي القائل إن “وجود جثمان زعيم غير مدفون في قلب العاصمة (الروسية) هو على الأقل أمر غير متحضر في الدولة الحديثة”.

فما كان من رجل الكنيسة الروسي إلا أن وافق على ذلك، وقال إن “الجسد المحنط، الذي يرقد في وسط العاصمة، هو بالفعل من رواسب الماضي”.

بيد أن زعيم الحزب الشيوعي في الاتحاد الروسي (وليس روسيا الاتحادية) غينادي زيوغانوف وجد في كلمات المتروبوليت هيلاريون عن دفن لينين “أمارات على الانشقاق في المجتمع”. ودعا رجال الدين الروس إلى “احترام التاريخ وإرادة الناس”.

وقال: “فلينظر السيد هيلاريون ما هو موقف المواطنين من العهد السوفييتي العظيم… يرى ثلثاهم أنه الأكثر نجاحا وتقدما”. وأضاف زيوغانوف أن “رجال الدين ملزمون، إن كانوا فعلا معنيين بتراص البلاد وتطورها الروحي، باحترام إرادة الأسلاف. (…) وليس بالانشغال بما يعمق الانشقاق في داخل البلاد”.

يجب القول إن هذا الجدال إزاء مصير ضريح القائد السوفييتي ليس جديدا.

إذ إن الحديث عن دفن لينين (أو إعادة دفنه) بدأ منذ 32 عاما، حتى قبل تفكك الاتحاد السوفييتي. ففي سنة 1989، شدد المخرج السوفييتي-الروسي الشهير مارك زخاروف في برنامج “فزغلياد” التلفزيوني الروسي الشهير على ضرورة “الغفران للينين ودفنه بطريقة إنسانية، وتحويل الضريح إلى صرح تذكاري”.

وفي شهر أبريل / نيسان من سنة 1991، وقبل بضعة أشهر من تفكك الاتحاد السوفييتي، اقترح عمدة مدينة سانكت بطرسبورغ الراحل أناطولي سوبتشاك مواراة لينين الثرى.

واستمر النقاش حول هذا الموضوع بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في شهر ديسمبر من سنة 1991.

ففي سنة 1993، تقدم عمدة موسكو يوري لوجكوف (وليس لوزكوف) إلى الرئيس بوريس يلتسين بطلب “لاستعادة المظهر التاريخي للساحة الحمراء”.

لكن هذا الطلب لم يحظ بدعم أول رئيس للاتحاد الروسي.

غير أن يلتسين، بعد مضي 4 سنين على ذلك، استساغ هذه الفكرة. وتقدم في سنة 1997 بمبادرة لتفكيك الضريح وإعادة دفن جثمان لينين. ومع أن الشيوعيين أفشلوها، فقد وعد يلتسين في سنة 1999، في مقابلة مع صحيفة “إزفيستيا” الروسية، بتشكيل لجنة لدراسة هذه المسألة.

كذلك، وفي السنة نفسها، أعرب بطريرك موسكو وسائر روسيا أليكسي الثاني، في حديث إلى صحيفة “كوميرسانت” الروسية، عن أمله في “بناء بانثيون أو مدفن، إلى حيث تنقل جثامين رجال الثورة، الموجودة في الساحة الحمراء”. وأضاف: “إنه لأمر مناف للأخلاق أن تقام حفلات الروك الموسيقية بجوار مقبرة”.

ولعل ذلك كله كان تمهيدا لتنفيذ خطة سرية دقيقة لدفن لينين، أعدها الكرملين قبيل تقديم يلتسين استقالته في نهاية 1999. لقد كان مقررا إخراج الجثمان في جوف الليل من الضريح ونقله في جو من السرية التامة إلى سانكت بطرسبورغ لدفنه إلى جانب والدته وشقيقته في مقبرة “فولكوفسكوي”.

ويؤكد المستعرب ميخائيل زيغار في كتابه “كل رجال الكرملين” أن واضع الخطة كان رئيس الديوان الرئاسي النافذ آنذاك ألكسندر فولوشين.

إذ إن يلتسين أراد التخلص نهائيا من الماضي الاشتراكي، في حين أن دفن لينين كان سيؤذن بحلول زمن جديد، وبأن التحولات “الديمقراطية” التي حدثت لا رجعة عنها. كان الكرملين يريد أن يشبه ذلك إخراج جثمان يوسف (وليس جوزف) ستالين، الذي سجي إلى جانب لينين، في سنة 1953. ففي سنة 1961 أخرجوا فعلا جثمان جنراليسموس الاتحاد السوفييتي في إحدى ليالي الربيع المظلمة. ودفنوه ليس بعيدا عند سور الكرملين.

وقد كان ذلك آنذاك رمزا لنجاح الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشُّوف (وليس خروتشوف) في اجتثاث الستالينية وإنهاء “عبادة الشخصية”.

غير أن يلتسين كان مضطرا من جديد لتأجيل دفن لينين ومحاربة الإرث الشيوعي في نهاية ولايته الرئاسية. إذ كان يعوق ذلك أن لينين من وجهة نظر بعض رجال القانون الروس هو مدفون. وأن أي تدنيس لقبره يُعد مسؤولية جنائية يتحملها من يقدم على ذلك. وهو ما كان سيستغله الشيوعيون الروس خصوم يلتسين لمصلحتهم.

من جانبه، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ذلك في سنة 2001 عن معارضته لدفن جثمان لينين. وقال إن هذا يعني لكثير من الناس “أنهم كانوا ينحنون احتراما لقيم كاذبة، وأنهم وضعوا أمامهم مهمات كاذبة، وأنهم عاشوا حياتهم عبثا”.

على أن السنوات الخمس التالية كانت هادئة حول الضريح إلى أن دعا المخرج الروسي الشهير نيكيتا ميخالكوف، وحاكمة سانكت بطرسبورغ آنذاك (رئيسة مجلس الاتحاد الروسي الحالية) فالنتينا ماتفيينكو، في سنة 2005 إلى دفن لينين، وفقا لوصيته المزعومة، في سانكت بطرسبورغ إلى جانب والدته وشقيقته.

ثم تكلم بوتين نفسه لاحقا في سنة 2016 بحدة أكبر عن لينين، وقال: “زرعوا قنبلة ذرية تحت عمارة اسمها روسيا، وهي قد انفجرت فيما بعد. في حين أننا لم نكن بحاجة إلى الثورة العالمية”.

وعاد هذا الموضوع إلى الأضواء في سنة 2017، حين كتب الرئيس الشيشاني رمضان قادروف في قناته على التلغرام: “يكفي التفرج على جثة لينين. لقد آن الأوان لدفن قائد الثورة. هذا أمر عقلاني وإنساني”.

بيد أن فالنتينا ماتفيينكو حسمت الأمر في السنة نفسها، وأدلت برأي مخالف لرأيها السابق، قائلة إن إعادة الدفن تتم عندما “يتوصل المجتمع إلى توافق في هذا الموضوع”، وذكَّرَت بوجود جيل يعني له كثيرا اسم زعيم البروليتاريا العالمية، وقالت: “هؤلاء الناس يعولون على التعامل باحترام مع قناعاتهم ومُثُلهم”.

من جانبه، صرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري (وليس ديميتري) بيسكوف بأن “مسألة دفن لينين غير مدرجة على جدول أعمال الكرملين”.

وفي السنة تلك أيضا، أظهر استبيان أجراه مركز “ليفادا-تسينتر” الروسي للأبحاث الاجتماعية أن 79% من المواطنين يعارضون “هدم صرح لينين”.

ولعله لذلك أعرب رئيس قسم العلاقات الخارجية في البطريركية الروسية المتروبوليت هيلاريون في المقابلة نفسها عن أمله في “العثور، على أي حال، على توافق ما، لدفن الجثمان”.

وأضاف قائلا إنه “لا يشك في أن جثمان فلاديمير لينين، سيُخرج من الضريح عاجلا أو آجلا”.

وحسب قوله، “يوجد لدى لينين معجبون كثيرون. وفي كل مرة، عندما يثار النقاش عن إعادة الدفن، ينبري متحدثون شتى من الحزب الشيوعي الروسي للدفاع عن هذا الجسد الميت”. وأضاف: “لذلك من الصعب الآن التنبؤ متى يحدث ذلك”.

وهكذا، وبعد مضي 30 عاما على تفكك الاتحاد السوفييتي، يبدو أن جيل كبار السن من المواطنين الروس ليس مستعدا بعد لرؤية مؤسس الدولة السوفييتية وهو ينفى من ضريحه، ولعله لذلك يجب انتظار ذلك الحين عندما يكبر جيل مواطني روسيا من الشباب، الذين يجوبون أرجاء العالم، ويتلقون ثقافتهم عبر الإنترنت ويشاهدون الأفلام الأمريكية أو الروسية على الطريقة الأمريكية، والذين لا يعرفون بالطبع شيئا عن لينين وستالين وغيرهما من البلاشفة فضلا عن المناشفة. عندئذ ستبدأ العودة من جديد إلى طرح هذا الموضوع.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر / RT

اترك تعليقاً