الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / إستقالة قرداحي.. هكذا خسرت السعودية في مواجهة وزير

إستقالة قرداحي.. هكذا خسرت السعودية في مواجهة وزير

السيمر /  فيينا / الجمعة 03 . 12 . 2021  —— 39 يوما حاربت السعودية واستنفرت قدراتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية والإقتصادية ورمت بكل أوراقها على الطاولة، وضغطت وهددت وحرضت وجندت فريقا كبيرا من المطبلين والتابعين (داخل لبنان وخارجه).. كل ذلك لإقالة وزير في الحكومة اللبنانية. 

من المنطقي والمعتاد أن نسمع عن قطع للعلاقات الدبلوماسية وتهديد بحصار و”عقوبات” إقتصادية حين يكون هناك توتر عسكري بين دولتين أو تدخل عبر تدبير انقلاب هنا أو هناك. لكن أن نسمع عن قطع للعلاقات وإعلان حصار إقتصادي وتهديد بطرد مواطني دولة أخرى بسبب تصريحات وزير في حكومة تلك الدولة..حينها إعلم أنك في السعودية.

وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي وبعد 39 يوما من تصريحاته التي تريد الرياض إقناع الناس أنها سببت الأزمة مع بيروت، أعلن استقالته، وهو ما كان مصرا على عدم القيام به طوال أكثر من 5 أسابيع. وبعد هذه الأزمة واستقالة قرداحي علينا أن نقول إن السعودية خسرت وهذه هي الأسباب.
1
أرادت السعودية أن تكون تصريحات قرداحي مدخلال لافتعال أزمة مع المقاومة في لبنان استكمالا لحملة تشويه صورتها والتحريض ضد حزب الله داخل لبنان. ركزت الحملة الإعلامية السعودية في الأيام الأولى للأزمة على تصريحات قرداحي (التي لم تكن تحمل أي إساءة للرياض). بعدها اعترفت السعودية أن الأزمة ليست مع قرداحي بل مع حزب الله. وأرادت من خلال الضغط لإقالة او استقالة قرداحي تسجيل انتصار ولو افتراضيا على حزب الله من خلال إثبات انها تستطيع تحديد مجريات السياسة في لبنان. النكسة هنا كانت مع تأكيد حزب الله على رفض استقالة قرداحي لأن فيها ابتزاز سعودي وتدخل مباشر في الشؤون اللبنانية.. هنا تلقت الرياض خسارتها الأولى.

2
تحول الهدف بعد ذلك إلى حفظ ماء الوجه وعدم الوصول إلى مرحلة يقال فيها ان قادة السعودية لم يتمكنوا من إقالة وزير لبناني “أساء” لهم بحسب رأيهم. وأصبح الهدف هو إقالة قرداحي لتسجيل انتصار ولو إعلاميا. صمد قرداحي ورفض الإستقالة بدون الحصول على ضمانات بإلغاء الخطوات التصعيدية السعودية بعد التصريحات الشهيرة. (طبعا كل ذلك رافقته حملة إعلامية وسياسية داخل لبنان من قبل المطبلين لسياسات الرياض على حساب سيادة لبنان وحكومته التي ضاع رئيسها بين الحفاظ على منصبه وبين إرضا السعودية التي لم ولن ترضى عنه). مرت خمسة أسابيع ومع كل يوم يمر سجلت السعودية صفحة جديدة في سجل خسارتها الثانية.

3
بدأت التدخلات الدولية على خط الأزمة. وبدأ تحريك الأوراق التي يمكن أن تساعد داخليا، من البطريرك بشارة الراعي إلى رئيس مجلس النواب، لتصل الأمور إلى التحرك الفرنسي على خطي بيروت الرياض. والنتيجة كانت إعلان قرداحي استقالته وهنا تسجل الخسارة الثالثة للسعودية..كيف؟

= في بيان استقالته، شدد قرداحي على أنها تأتي لمنع استهداف وقطع أرزاق اللبنانيين في السعودية. وهذا يكفي لإدانة السلطات السعودية باستخدام اللبنانيين ورقة في سياساتها الكيدية واستهدافها للبنان. كلام قرداحي في بيان استقالته إدانة أكبر للرياض، (فهو يستقيل لمنع الرياض من قطع أرزاق اللبنانيين لديها وليس لأنه أخطأ بتصريحاته الأولى. وهذا إدانة للسعوديين وللكثير من اللبنانيين الذين حرضوا الرياض ضد أبناء وطنهم في مشهد تطبيلي بشع لم نره ولا نراه إلا لدى هؤلاء).

ما سنراه في الأيام المقبلة في الإعلام السعودي واللبناني الموالي له، هو تصوير انتصار دبلوماسي كبير وكرامة وعزة للرياض وحزم في مواجهة من يسيء لها. لا مشكلة في ذلك، لأن السعودية ومعها من يطبلون لها لبنانياـ يعلمون جيدا أنهم لم يحققوا شيئا من كل ما قاموا به خلال 39 يوما، وأن الحرص على استقالة قرداحي هو لحفظ ما وجه السعودية أمام الإعلام والناس. والأهم هو أن كل ما حصل أثبت أن المملكة “الشقيقة” للبنان كانت أول من قاطعه واستهدفه خدمة لأطراف معروفة على رأسها الكيان الإسرائيلي.

الخسارة إذا بات واضحا بأي طرف لحقت:

دبلوماسيا: فشلت الرياض في التأثير لإقالة وزير لبناني ولولا الضغط باستهداف اللبنانيين في السعودية لما استقال قرداحي (كما يفهم من بيانه) وهذا يعد شهادة إنسانية لقرداحي في وجه التصرف اللاإنساني من قبل الرياض تجاه اللبنانيين في أراضيها. أما سحب السفير السعودي من بيروت فقد أثبت أنه لم يقدم ولم يؤخر. وكما يقول اللبنانيون (وجوده وعدمه واحد)

سياسيا: المستهدف الأول من كل ما حصل أي حزب الله لم يتأثر ولو واحد بالمئة. والتحريض ضد المقاومة والذي جاء في سياق ما قبل الإنتخابات البرلمانية، لن يؤثر أيضا. لأن المسار الذي اعتمدته السعودية في هذه الأزمة أظهرها بمظهر “المتنمر المتكبر والذي يريد إنجاز الامور بالبلطجة”. وبالتالي خرجت الرياض من كل ذلك بخفي حنين

إعلاميا: ساعدت الأزمة في كشف الكثير من الإعلاميين والقنوات الإعلامية اللبنانية على حقيقتها. ولاء للبترودولار على حساب سمعة وسيادة بلدهم. لا مشكلة أن تختلف مع حزب الله وهذا حق طبيعي لك، لكن هذا لا يعني ان ترتمي في أحضان الإسرائيلي ومن معه من العرب.

في النهاية، تحضر مقارنة بسيطة وسريعة. إذا كانت السعودية احتاجت 39 يوما وبمساعدة دولية وفرنسية تحديدا لإقالة وزير لبناني (لانتقاده دورها في العدوان على اليمن)، واستنفدت قدراتها الإعلامية والدبلوماسية وصرفت أموالا للتحريض ضده، وخرجت بعد كل ذلك بانتصار كلامي فقط.. فكم ستحتاج من أجل إنهاء أزمتها في اليمن؟

لقد أثبت تعاطي السعوديين مع أزمة الوزير قرداحي والفشل الذي لحق بهم على كافة الصعد أن سياستهم لإدارة هذه الأزمة عبثية..تماما كما هي سياستهم في اليمن. وأحيانا في السياسة من الجيد أن يكون خصمك عبثيا.

المصدر / العالم

اترك تعليقاً